إن مراكز القوى والنفوذ واصحاب المشاريع السياسية المختلفة دأبت باستمرار على توسيع مصالحها وجعلت من الوحدة اليمنية غنائم يجب استغلالها وعدم التفريط بها وفرصة سانحة لامتصاص مواردها من كل جانب واتجاه حتى غيروا مسار الوحدة منذ قيامها من قبل الشعب بعهود وعقود من أجل النهوض بالبلاد والعباد على السواء.
لقد استباحت قوات النظام السابق الأرض وكافة الحقوق المشروعة وأصبح شعب الجنوب مغلوباً على أمره يجر خيبات الهزيمة والأمل حيث واجه مرحلة حرجة من المتاعب التي لا حصر لها من مختلف مناحي الحياة بدأت بتشريد المئات إلى خارج البلاد واعتقالات بالجملة بدون مسوغ قانوني وتصفيات جسدية من غير حساب ثم تدمير مدينة عدن وضواحيها ونهب منظم للمنازل الشخصية والمباني الحكومية حتى بلغ الأمر إخلاء الشوارع من مباهج الحياة اليومية الكريمة إضافة إلى تأخير فتح المدارس وانقطاع المياه والكهرباء.
تمكن حينها المواطنون في عدن من فتح مجموعة من الآبار القديمة التي كانت موجودة من قبل أكثر من مائة عام، أما حالة النفوس التي برزت على الأطفال والنساء والكبار في السن فقد وصلت إلى درجة سيئة للغاية وظل إعلام النظام سيئ الصيت حينها يستخدم التضليل والكذب كعادته المألوفة بعد عام من الحرب السوداء.
تم تصفية أبناء الجنوب غير المرغوب بهم سياسياً وتسريحهم من المؤسسات العسكرية والمدنية على السواء والآخر على التقاعد دون توفير ابسط الحقوق الشرعية والقانونية وطرد العمال من المصانع بعد بيعها للتجار بأبخس الأثمان حتى ارتفعت نسبة البطالة عاماً بعد عام واصبحت عدن كمدينة الأشباح تعيش حالة من البؤس والشقاء في ظل نظام استبدادي يحتفل بعيد النصر الوهمي على الانفصاليين في 7 / 7 اليوم الأسود في التاريخ الحديث وجعلها اجازة رسمية يعاد فيها استعراض الحرب بالصوت والصورة لحظة الاقتحام من قبل جيش ما يسمى بالشرعية على الجنوب بأنواع الاسلحة الثقيلة بما في ذلك الطائرات الحربية.
- وتؤكد الأيام ان رموز الفساد ومراكز النفوذ هي من أفشلت الوحدة باستخدام قوات النظام التي أدت إلى قتل عشرات الأفراد وتواصل استخدام حرب العصابات بأسلوب إجرامي مبتذل ورخيص.
انها مرحلة سوداء من تاريخ الثورة اليمنية التي قام بها الرجال الشرفاء لكنهم تركوها للعابثين الأوغاد يسيطرون عليها حتى تحولت أشعتها الذهبية المتلالئة إلى ظلام حالك لا يعرف النور في محاولة منهم لإعادة العهد الكهنوتي بثوب جديد يشوبه الاستبداد بأبشع صوره، إضافة إلى بعثرة المنجزات الثورية والتاريخية واحد بعد الآخر والمتمثلة بالنهب المنظم وملاحقة الوطنيين الشرفاء، ولكن هيهات فقد انتفض شعب الجنوب في عام 2007م، بدأت بمطالب حقوقية وارتفعت إلى المطالبة برحيل النظام الفاسد حتى برزت ثورات الربيع في العالم العربي حتى عرف الشعب اليمني طريقه في 11 فبراير 2011م، وأشعلها ثورة عارمة هزت عرش النظام المستبد ورموزه الفاسدة حققت أهدافها في الثورة وان كانت غير كاملة لكنها ساعدت إلى حد كبير على وضع مداميك استمرار النضال السلمي كان أبرزها انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي حدد المسؤولية الوطنية امام الجميع من خلال ممثلي الشعب من كافة شرائح المجتمع المدني والأحزاب والحراك السلمي الذي مثل الجنوب يناقشون مستقبل اليمن والانتقال به إلى الدولة المدنية الحديثة وكانت القضية الجنوبية قد نالت الحيز الأكبر من المناقشات الجادة والطويلة والتي وقفت امام كافة الحقوق الضائعة في مرحلة الوحدة التي عبثت فيها مراكز النفوذ، وتمكن المؤتمر من اتخاذ قرارات بعودة المسرحين والمتقاعدين في أجهزة المؤسسات العسكرية والمدنية إلى اعمالهم بعد ان تأكد من ذلك على مستوى الواقع لمصلحة اليمن عامة والجنوب خاصة.
وقد اعترف بالمعاناة المؤلمة في شمال اليمن وجنوبه من سيطرة قبلية ومراكز نفوذ حصرية على حساب النظام والقانون ومصادرة الحقوق واعتبار عودة الفرع إلى الأصل واشغال المجتمع عن القضايا الأساسية، ولضمان عودتها فقد أكد أعضاء المؤتمر ان قضية الجنوب وما حصل له من مظالم شتى شملت الشعب عامة لا تقل أهمية عن قضية الشمال الذي عانى هو الآخر من الهيمنة والاستبداد بالمعنى الشامل وبالتالي إلى حرص الأعضاء على وضع الحلول حسب الأهمية والضرر الأكثر بدأت المعالجات بقضايا الجنوب في مقدمتها عودة المسرحين العسكريين والمدنيين إلى اعمالهم واسترجاع الأراضي المنهوبة من خلال تشكيل لجان تختص بدراسة الحالات المختلفة بهدف وضع المعالجات المناسبة في ضوء قرارات المؤتمر والتي لاتزال مستمرة وفق الخطة المرسومة لها وهو الطريق الأمثل والوحيد لمعالجة القضية الجنوبية وبقية القضايا العامة والتي تبدأ بانتقال الدولة المدنية الحديثة وإعلانها بقيام الاقاليم وإلغاء المركزية الشديدة والاسراع بإعلان الدستور الجديد بعد الانتهاء من مناقشته والمصادقة عليه حتى مرحلة الاستفتاء من الشعب والانتقال إلى الدولة الاتحادية.