تريم/14أكتوبر/أحمد كرامة باحمالةأسرة آل فقيهان من الأسر الحضرمية العريقة التي جمعت بين أصالة الشعر وإبداع مهنة النجارة، حيث برز كثير من أبنائها في ميدان الشعر الشعبي، وقارعوا الشعراء الكبار في حضرموت. نقف هنا وقفات عن كثب لنماذج من شعراء هذه القبيلة.أولاً: الشاعر أحمد فرج فقيهان (أبو محمود) ولد أبو محمود في مدينة تريم منطقة الخليف، حيث ترعرع وعاش فيها على يد والده. ويعتبر أبو محمود، نجل شاعر، وهو نجل الشاعر فرج سعيد، وأخ لشاعر وهو سعيد فرج، واللذين سيأتي الحديث عنهما لاحقا، وأب لشاعرين وهما نجلاه محمود وفرج. ولد الشاعر أحمد فرج في عام 1953 م، وتلقى تعليمه الأول في معلامة باحرمي ورباط تريم، ثم درس في المدارس النظامية والحكومية، له من الأبناء سبعة، ثلاثة من الذكور (محمود - محسن – فرج) وأربع من الإناث.اشتهرت أسرة الشاعر بمزاولة مهنة النجارة، حيث عمل الشاعر أبو محمود في تلك المهنة والتي كان يعشقها من داخل قلبه، فقد أتقن وأبدع الصناعة، وتنقل الشاعر إلى المهرة وأبين وعدن لامتهان مهنة النجارة في فترات مختلفة هناك ثم استقر في مسقط رأسه ليستمر في الإبداع حتى أنه يقول في أحد أبياته:يا قاطع الأشجار شجرة وراء شجرة **** ومن معه مهنة قوية دوب با يشاجروأبواب تتصلح بهن وخلاف يا سلمان عاشور عاش أبو محمود في بيئة خصبة تزخر بالمواهب العديدة وهي تريم الغناء، حيث تأثرت وأثرت موهبته في بيئته. له صولات وجولات في أشناف الموروث الشعبي الشبواني وساحات المسامرات وجلسات الدان الحضرمي، وقد استقبل كلماته وأشعاره الغنائية والإنشادية عدد من الفنانين والمنشدين. له العديد من المراسلات مع شعراء حضرموت الوادي والساحل من أمثال الشاعر علي سالم مسيعد (بن سالم علي)، والشاعر الكبير عوض سالم عبدّن، والشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار. لعل أهم هذه المساجلات تلك المساجلة التي أرسل بها أحمد فرج عبر مغني الدان سعيد بريك أبو عمر إلى الشاعر المحضار ردا على قصيدته المشهورة التي مطلعها:مهما يطير الطير في جو السماء لازم إلى عشه يعوديقول في مطلعها:قولوا لأبو محضار لقد عاد طيرك با يعود الخيرطيرك حذف وتحامد الله جاتها لحذفه س ل ي م ةغادر وساب العش وساب أفراخ في عشه يتيمةدار الفلك وحسين يتمنى رجوع الطيرقولوا لأبو محضار لقد عاد طيرك بايعود الخيرغادرت هذه الأبيات حتى استلمها أبو محضار وقرأها فدعا إلى مقابلة هذا الشاعر الذي دائما ما يسمع عن شعره والتي تصل إليه عبر مغني الدان (أبو عمر)، أو تلك المسامرات التي تقوم بها فرقة ( الحسير)، حيث إن الفرصة لم تسمح للشاعرين أن يلتقيا في تلك الفترة حتى أتت للشاعر أحمد فرج فقيهان فرصة السفر إلى الشحر وتمنى مقابلة المحضار، ولكن حينما وصل سمع بوفاته. تأثر أبو محمود من عدم قدرته على لقائه ولكنه كتب قصيدة مرثاة في المحضار مطلعها: ما عذر يا الإنسان تورد ويأتيك الرحيل
لم يكن الشاعر أحمد فرج منعزلا عن المجتمع، فقد عرف بأخلاقه العالية وتواضعه المنقطع النظير، حتى أن الشاعر بن سالم علي مسيعد يحبه كثيرا ويستأنس به عندما يكون موجودا، ويصفه بصفات عدة في أبيات عديدة، كما عرف بابتسامته الجميلة التي لا تفارق شفتيه. كان الشاعر يميل في بداية شبابه إلى شعر الغزل ثم اتجه إلى السياسة والوضع متنقلا بعدة مراحل، فقد أتت أبياته في العشق والحياة والسياسة والأوضاع السياسية والاقتصادية وغرها، كما اهتم الشاعر أيضا بالأبيات الدينية والأدبية.هناك العديد من القصائد الغنائية منها ما قد تغنى ومنها ما هو مكتوب، وقد حصرت الأغاني بشكل عام حتىوصلت عدد القصائد الغنائية ( 40 ) قصيدة غنائية، لعل أهم قصائده الغنائية التي اشتهرت وقام بتلحينهاالفنان سالم محيور:أبديت بالوالي *** غافر ذنوب العبد لا قد جاءت زلةعالم بأحوالي *** وآلي على كل أمر لا قد صرت في غفلة في كل شي ندعيهرب السماء مفتوح بابه من طلب يعطيههناك أيضا العديد من القصائد التي تغنى وذاع صيتها بين الفنانين الحضارم، منها: )لي يرضيك يرضينا - يرسين السواعي ساحل البحرين - غزلان البوادي – يارادياعواد - حد منكم شاف شي( وغيرها الكثير الكثير. أكثر القصائد قام بتلحينها الفنان سالم محيور والفنان المخضرم حسن باحشوان، وقد غنى له الكثير من الفنانين وكثير من المنشدين منهم )سالم مبارك محيور- حسن صالح باحشوان - عمر الهدار- عمر الدقيل - عارففرج - خميس عليوه - عمر هادي بريك(، أما المنشدون فهم: )علي سلمان باحرمي - حسن عرفان - إبراهيم الخطيب(. الشاعر أحمد فرج فقيهان عضو قيادي في فرقة الغناء للدان الحضرمي بمديرية تريم منذ تأسيسها في العام 2003 م وحتى وفاته. كما اشتهر الشاعر بحبه للقناصة، كتبت عنه الكثير من الصحف وأبرزها صحيفة «الأيام » المشهورة، وكذا تحدثت عنه إذاعة سيئون.أقامت له حافة الخليف وعيديد أربعينية يوم الأربعاء 12 / 9 / 2012 م، وبحضور عدد من الشخصيات الاجتماعية والعلماء والمثقفين. وفي الحفل أصدرت نبذة تحت عنوان )انطفت للدان شمعة( تحدثت عن حياة الشاعر والمراثي التي قيلت فيه.له ديوان جاهز نتمنى من الجهات المعنية ووزارة الثقافة على وجه الخصوص الاهتمام بهذا الديوان وطباعته وإخراجه، حيث إن الفقيد قضى معظم حياته في الحفاظ على التراث والموروث الثقافي، كما نتمنى أن لا تضيعأبيات هذا الشاعر مع مرور الزمن.توفي الشاعر في مدينة تريم بعد صراع مع المرض في ظل غياب السلطة في 27 /شعبان/ 1433 ه الموافق 2012 م، عن عمر ناهز 59 عاما، تغمد الله الفقيد بواسع رحمته.ثانيا: الشاعر فرج سعيد فقيهان (أبو الشاعر)هو الشاعر فرج بن سعيد مبارك فقيهان، ولد في مدينة تريم بمنطقةالخليف، هذه المدينة العريقة، حيث ارتبط اسمه بكثير من الفنون والألعاب التراثية وكان له حضور يتميز به عن غيره، ولايزال الكثير يتحدث عن ارتباطه بالقنيص والدان وبني مغراة والزربادي، إلا أن الدان هو الذي ظهر وبرز فيه، له من الأولاد خمسة، ابنان شاعران وثلاث بنات، عمل في مهنة النجارة التي اشتهر بها ويعتبر من أكبر وأفضل النجارين في صناعة الأبواب والنوافذ، وعلاقته بالدان علاقة قوية، حيث كانت له جلسات قديمة مع أكبر الشعار منهم (حداد بن حسن الكاف - أحمد كرامة بريك - مبارك الجليل)، له العديدمن المساجلات معهم حيث كان الشاعر فرج سعيد في كثير من أبياته يظهر فيها الوعظ والحكم التي غالبا ما تصل الناس في تلك الفترة بالشعر.يقول الجليل: هذا خرج فصل ياجمعان بارك بالسمينة *** لا جاء المواق برك قل بالذي سماهالمشكل أن كأنها دبه لكم صبحت خلية *** حذرك تخابر تمشي فالوم والعارحداد: غن على الصوت ذا يا أهل القلوب السلية *** لي قلب سالي وفي صوت الفن مسلاهباننبسط والجليل اللّ فتح باب القضية *** بين آل عامر ليهم طويلين لعمارفرج سعيد: ياليلة النور بن سالم نقش رأس القضية *** إن تمنّاه هذا حصلت التمناهالمشكلة من سرح للقطن ضوى خس شريه ****أم الكبائر ذلحين يدحرج لكباريعتبر الشاعر كثير المزح مع أصحابه، حيث ظهر ذلك في شعره وقد كان كثيرا ما يمازح الشاعر يسلم كرامة بريك في فترة كان الناس ينشدون الأبيات وقت السناوة والشقاقة (قص الأخشاب)والجمالة. استمر الشاعر في شعره فترات طويلة حيث دائما ما يقول الشعر في جلسات الدان أو يتبادل الشعر مع أصدقائه الذين دائما في رفقته وكثيرا ما وصلت الأبيات إلينا العجيبة والحكيمة مع غزارة في المعنى. جالس الشاعر العديد من العلماء ورجال الدولة آنذاك. يكنى الشاعر فرج سعيد ب «أبو راشد »، حيث عرفه الكثير بذلك وجاء ذلك في أحد أبياته يقول فيها:بو راشد يقول يا لهاجس شل المطية *** قد لك عوايد تمر عا لسوم وال معداهتوفي رحمه الله في مدينة تريم في 11 /ربيع اول/ 1410 ه.ثالثا: الشاعر سعيد فرج فقيهان (أبو أنور أخو الشاعر)ولد الفقيد الشاعر رحمه الله في 5 / 2 / 1957 م وقد تربى في مدينة تريم منطقة الخليف، وكان ملما بالقراءة والكتابة وتلقى دراسته على يد السيد المرحوم علوي عبد القادر البار، وعاش إنسانا مخلصا وبكل ما تحمله الكلمة من معنى سواء في عمله أو في التعامل مع الآخرين، فهو مثل يحتذى به. امتهن مهنة النجار أمثال والده وأخيه الأكبر، فقد تلقاها أبا عن جد. تنقل المرحوم كأخيه الأكبر لطلب الرزق ما بين أبين وعدن والمهرة ثم استقر في تريم. يعشق كثيرا جلسات الدان والزربادي والضمنة وجلسات مع الشباب والحديث معهم.له العديد من الأبيات الشعرية والمراسلات مع أصحابه ومحبيه من أصحاب الدان، فقد قال مغني الدان سعيد مبارك بريك: أنا افتخر أن أغني لهذا الشاعر سعيد فرج أبو أنور. له العديد من المساجلات مع عدد من الشعراء كالمحضار والشاعر عبدَن وبمشاركة من فرقة الدان فرقة (الحسير)، والذي كان عضوا فعالا فيها.مع أن الشاعر أبو أنور قليلا ما يقول الشعر نظرا لشغله في النجارة، إضافة إلى إبداعاته في استغلال أوقات الفراغ لأعمال أخرى مثل (الهاير- والمراويس - والمداخن «المباخر الخشبية »)، إلا أن أبياته القليلة أتت غزيرة المعنى، حيث يعاتب تارة ويمزح تارة أخرى.يقول الشاعر (أبو أنور)قالو فسح فالعمائم *** أهل القلوب العميةراسي معمم *** مصلوب أنا بالعمامةبالقي كما الجد والأخوال والأعمام هكذا عاش الشاعر سعيد فرج فقيهان (أبو أنور) حياته فرحا مسرورامحبوبا في أسرته وأهله وأصحابه، لم يهتم بالدنيا رغم صعوبتها وعقباتها الطويلة، واضعا كل الهموم وراء ظهره. توفي رحمه الله في 21 / 2 / 1427 ه الموافق 2007 م إثر وعكة صحية مفاجئة نقل على إثرها إلى المستشفى. تغمد الله الفقيد بواسع رحمته.وكون الشاعر أحمد فرج فقيهان توارث الشعر أيضا ورثه لأبنائه، فلايزال إلى اليوم اثنان من أبنائه مبدعين في شعر الدان وشعر الشبواني، وهما الشاعران محمود وفرج، ولايزال المجال أمامهما لمواصلة الإبداع. وأخرا، لم يسعنا الوقت للخوض في تفاصيل دقيقة وروايات عن هذه الأسرة العريقة والتي عرفت الشعر أبا عن جد وتوارثته بإتقان، فعندما نقول أحمد فرج فقيهان ابن لشاعر وأخ لشاعر وأب لشاعرين فهي صفة قوية اتصف بها هذا الشاعر عن كثير من الشعراء وميزة من المميزات الرائعة التي أرغمتني على الكتابة، وقبل أن حط رحالي في هذه الرحلة التي أستمتع بها كثيرا بشعرهم الراقي الحكيم الذي تعلمت منه دروسا وعبرا، نقول إن الشعر والشعراء بحاجة إلى اهتمام من خلال تدوين ما يقولون كون الشعر يوثق حقباً تاريخية وفيه الكثير من الإبداع والتميز.ونتمى أن يتم طباعة ديوان الشاعر أحمد فرج فقيهان والاهتمام بشعر الآخرين.. لذلك تظل حضرموت


