نحن على مشارف انتهاء الثلث الاخير من شهر نوفمبر، وموظفو القطاع العام كوادر مهندسين و اعلاميين ومعلمين بدون رواتب شهر اكتوبر، في مدينة عدن التي معظم سكانها موظفو دولة، يعتمدون على الراتب، هذا الراتب الذي تقلصت قيمته بفعل هبوط قيمة الريال اليمني امام العملات الاجنبية، واصبحت قيمته الشرائية لا تفي باحتياجات الموظف والتزاماته الأسرية ، لكنه شيء افضل من لا شيء، على امل ان تنتهي آثار الحرب و دواعي الصراع والتنازع، وسقوط هوامير الفساد واستنزاف المال العام، الى توافق يعيد للدولة مكانتها وللسلطة هيبتها، وتستطيع استعادة المؤسسات القادرة على ضبط ايقاع الحياة السياسية والاقتصادية، لنرى حكومة قادرة على استخلاص ايرادات الدولة والدخل القومي، ليصب في موازنة الدولة، ليكون بمقدورها رسم سياسة مالية واعداد استراتيجية اجور تتواكب وارتفاع الصرف والغلاء الفاحش للمواد الضرورية.
اليوم الناس تعاني فقرا مدقعا وجوعا ومجاعة، معظمهم متعففون في بيوتهم، لا يستطيعون الخروج بجيوب فاضية وبطون خاوية، اسر كريمة وعزيزة لا تقبل أي وسيلة من وسائل التسول، حتى المطالبات والمناشدات التي لا يكترث لها المسؤولون، تصبح حالة من التسول، والشكوى لغير الله مذلة.
لم نتصور ان تأتي يوم سلطة تجردنا من رواتبنا ليتحول شعب عزيز كريم لمجموعة من الفقراء والمحتاجين، في وقت يسمح بتشكل نفوذ هبارين يزدادون ثراء فاحشا ، هبارين حرمونا حتى من ايرادات الدولة التي هي حق لكل مواطن، حق لدافعي الضرائب، ومعظم الموظفين خدم البلد عمرا كاملا «ستين سنة» وهو يدفع من راتبه ضرائب للدولة، واليوم هذه الشريحة اكثر معاناة.
انظر اليوم في الاسواق والمولات ستجد الفرق في مشتريات الموظف و المستجد اليوم الذي فجأة وجد نفسه نافذا، تحت امره اموال الدولة يتصرف بها دون حسيب ولا رقيب، موظف فقد السعادة في ظل فقر مدقع يصارع الجوع والحاجة ، المال وسيلة هامة لتوفير الاحتياجات الضرورية، وسيلة هامة تصون الكرامة والشرف ، وتعيننا في اداء ادوارنا المختلفة في الحياة، نلتقي بالزملاء والاحباب، نسعد الاولاد والاحفاد، نستمتع بمشاهد المدينة عدن، ونتذوق وجبات مطاعمها، اليوم الموظفون محرومون من كل ذلك حتى من كيلو طماطم .
كثرت المناشدات والمطالبات حتى صارت لا قيمة لها، اليوم نطالب كل نافذ فرض نفسه وكيانه علينا كمستخلص لإيرادات الدولة، التي ليست بهينة، ونطالب المؤسسات المعنية باستخلاص الضرائب والجمارك أن تكون في مستوى المسئولية، وان تتوقف عملية فرض الجبايات التي اثقلت كاهل الراس المال واثقلت كاهلنا، ونقول لهم اصبحتم عبئا على الدولة وعلى المواطن، الدولة عاجزة عن ضبط ايراداتها، وعاجزة عن اقرار موازنة ورسم استراتيجية مالية، في ظل هذا العجز والفشل، اصبح الفساد وسيلة للتبرير والتغرير، ومعظم الفاسدين يرفعون راية محاربة الفساد.
السؤال اين ايرادات عدن ؟؟؟ ولماذا لا يعمل ميناء عدن ؟؟ ولماذا لا تعاد الحياة لمصافي عدن؟؟؟ واين الثروة السمكية والزراعية ؟؟؟ واين واين ......... البلد فيها خيرات ومقومات، وفيها هبارون ولصوص قتلوا منها البركة.
كثيرة هي الأسئلة المحيرة التي حيرتنا، ونعتقد ان نفوذ المصالح الذي تشكل بفعل الحرب والصراع صار انانيا وجشعا لحد انه يقاوم تطبيع الحياة، والتوافق على دولة محترمة ضامنة للحريات والكرامة والمعيشة والحقوق العامة والخاصة، والنظام والقانون، وانهم صانعو كل تلك الزوابع ويعززون الصراع ويحرضون ضد أي توافق سياسي وتحول منشود، ويدفعون الناس الى ثورة جياع قد تقتلعهم وتعيد الامور لنصابها، اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر. والله على كل شيء قدير.