بلد يحتضر، وابناؤه يتعرضون للمجاعة، غلاء فاحش لأبسط الاحتياجات الضرورية لاستمرار الحياة، خدمات منهارة، لا كهرباء ولا ماء ولا اتصالات، اليوم في المناطق المحررة، وعدن مثالا، المواطن يصارع الموت والمجاعة والذل والمهانة، عندما تصلك عدد من الرسائل ممن عرفناهم من اشراف القوم واعزهم واكرمهم، اليوم لا يجدون لقمة عيشهم وسد رمق ابنائهم، رسائل من اسر متعففة ترسلها بخجل بعد ان تقطعت بهم السبل، ولا يوجد امامهم غير التوسل لأقرب الناس لهم، (ارجوك نحن لا نملك في البيت حبة رز ولا غاز طبخ ).
كلمات يهتز لها الضمير الانساني، ونخاطب اليوم ضمير الفئات التي تعيش رغد العيش، الرغد الذي مصدره السلطة او المسؤولية، او نفوذ عسكري وقبلي مكنه من السيطرة على المال العام، من ايرادات وجبايات ونثريات ورواتب عالية بالعملة غير المحلية، كان لها اثرها على حياة هؤلاء، ورواتبهم التي لا قيمة لها امام السقوط المستمر لقيمة الريال، ومن فقدوا وظائفهم في المؤسسات التي انهارت في حرب اقتصادية قذرة تستهدف الانسان والبنية التحتية لحياة هذا الانسان، في صراع الجشع والطمع الذي لم يكن في الحسبان.
من السهل ان نحمل الحكومة المسؤولية، ومن الصعب ان نتحمل نحن المسؤولية، ونحن نعلم ظروف البلد، بلد ينزف ويحتاج لتضميد الجراح، ولكن هناك من ما زال يبعثر الدماء بالجهل مرة وبالمكابرة مرة اخرى، والنتيجة فوضى وسوق سوداء، ومضاربة بالعملة، وازمة اقتصادية خانقة، كلما فكرت الحكومة في حل معضلة تواجه الف معضلة، نحن لا نبرئ الحكومة فهي تتحمل قبولها هذه المسؤولية، وهي على دراية كاملة بأزمات البلد، والتقاسم السياسي، والصراع الخفي، وهي ظروف تحتاج لحكومة استثنائية، واشخاص استثنائيين، والاستثناء هنا هو الولاء للوطن اولا وللمواطن ثانيا، ثم للحزب والمكون السياسي والعسكري والقبلي والطائفي.
عندما تسير في الشارع ترى الانسان المهموم والمكلوم، شارع يفتقد للمواطن الحيوي والمتميز و المبدع، تجد مواطنا خائفا و مطحونا ومأزوما، مهموما في كيف سيقابل اولاده واسرته التي تنتظر منه ان يسد رمقها، في مجتمع اختلت فيه موازين العدالة، وتشكلت طبقة جشعة فاسدة تعيش رغد العيش بينما اخوانهم وجيرانهم يموتون جوعا، ولا يحتاجون منهم صدقة، ما يحتاجه الناس هو عدالة التوزيع، و محاربة الفساد، والتصرف غير المسؤول في الايرادات والمال العام، نحتاج لرجال يعرفون ان الريال الذي يذهب لخزينة الدولة يسهم في انقاذ المواطن والوطن، والريال الذي يذهب للجيوب هو عار ونار في جوف الناهبين واللصوص والفاسدين مهما كان مبررهم ومسمياتهم، ياكلون حراماً و قال تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي}.
اليوم المواطن خائف ومرعوب من القادم، وهذا قلق يسد الافكار ويعطل العقل، وكلما اشتدت الازمة زاد السوء ويفقد الناس قدراتهم العقلية، وقد نشهد تغيرات خطيرة في المجتمع، سيكون لها اثرها المستقبلي.
نحن جميعا على سفينة واحدة ان غرقت غرقنا جميعا، حتى الذي يفكر ان يأخذ ما غلى ثمنه وقل وزنه من على هذه السفينة، لا يعلم انه يدمر السفينة ويغرقها، حينها لن يجد مأوى ولا قبر يستر جيفته.
البلد باختصار يحتاج لمواقف استثنائية، ورجال استثنائيين، يوحدهم وطن وهمّ المواطن، يتحرر من عقلية الماضي، ويرفض استمرار الصراع مهما كان شكله ومبرره، التحرر من عقلية الماضي هو الكفيل بنقلنا للمستقبل الآمن، دون ذلك سيبقى كل منا له مبرره في الصراع الذي يدمر الوطن على رؤوسنا جميعا.