نص دراسة وزير الدفاع المصري الـفــــريــق أول عبدالفتاح السيسي في كلية الحرب الأمريكية عام 2006 بعنوان :
كتب المحلل اريك تراجر تحليلا للدراسة التي كتبها الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة في جمهورية مصر العربية بعنوان (الديمقراطية في الشرق الأوسط) عام 2006 أشار فيه إلى أن الفريق أول عبدالفتاح السيسي أكد فيها أن الصراع العربي الإسرائيلي والحروب الأمريكية في العراق وافغانستان تقوض إحتمال ظهور ديمقراطية في المنطقة.ونظرا لأهمية المقال التحليلي للكاتب اريك تراجر والدراسة النظرية للفريق أول عبدالفتاح السيسي، تعيد صحيفة (14 أكتوبر) نشرهما تعميماً للفائدة:تعتبر منطقة الشرق الأوسط إحدي أهم المناطق في العالم، ورصد العوامل المؤثرة على المنطقة بقوله: «الشرق الأوسط مهد الديانات الكبرى، وتأثير الطبيعة الدينية للمكان واضح في ثقافة شعوب الشرق الأوسط، فالدين هو أحد أهم العوامل التي تؤثر في سياسات المنطقة، وبسبب طبيعة ثقافة الشرق الأوسط، يجب على المرء أن يأخذ في الاعتبار الطبيعة الدينية للشعب عند إجراء المفاوضات الدبلوماسية ووضع سياسة عامة، ومن الناحية الاقتصادية، أنعم الله على الشرق الأوسط باحتياطيات الغاز الطبيعي والنفط التي توفر الكثير من احتياجات العالم من الطاقة الهائلة، وبسبب ذلك فإن القوي العظمى في العالم حريصة على المنطقة، وتحاول التأثير والهيمنة عليها، ونتيجة لذلك، فإن الشرق الأوسط تحت ضغط مستمر لإرضاء أجندات متعددة لبلدان مختلفة قد لا تتوافق مع احتياجات أو رغبات شعوب الشرق الأوسط، وعلاوة على ذلك، فإن الشرق الأوسط، من المنظور الجغرافى، هو منطقة استراتيجية بسبب قناة السويس، ومضيقي هرمز، وباب المندب، وهذه كلها ممرات تجارية مهمة، وحيوية إضافة إلى أهميتها العسكرية والطبيعة الاستراتيجية للمنطقة، إلى جانب أن الطابع الديني للثقافة يخلق تحديات تواجه إقامة ديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة على المدى القريب.هذا الصراع يُعقّد مواصلة تطوير الديمقراطية في المنطقة، فهو لا يقتصر على الصراع الفلسطيني الإسرائيلى، ولكنه يؤثر على جميع العرب في الشرق الأوسط، كما أن حقيقة أن إسرائيل تمثل مصالح الغرب تثير الشكوك بين العرب حول الطبيعة الحقيقية للديمقراطية، وهذا بدوره يبطئ من ظهور الديمقراطية في الشرق الأوسط، وربما يبرر ظهور أي نوع من الديمقراطية التي تعكس مصالح دول الشرق الأوسط، وربما لا تتشابه مع الديمقراطية الغربية، وعلى الرغم من أن الشرق الأوسط هو في بدايته للانتقال نحو أشكال الحكم الديمقراطى، فإنه لا تزال هناك بقايا للأنظمة الديكتاتورية، والاستبدادية، وإلى جانب التوتر الموجود بالفعل في الشرق الأوسط بسبب الصراعات في العراق، وأفغانستان، والمناطق المحيطة بإسرائيل، إلا أن شروط تطور الديمقراطية النامية ستكون صعبة، فهناك صراعات، وتوترات قائمة يجب حلها قبل أن تقبل شعوب المنطقة بتطبيق الديمقراطية.هناك العديد من القادة المستبدين يدّعون أنهم يؤيدون نظم الحكم الديمقراطية لكنهم لا يرغبون في التخلي عن السلطة، وبعضهم لديه أسباب وجيهة لذلك، فبعض البلاد غير معدة أو منظمة بطريقة تجعلها تدعم حكومة ديمقراطية، والأهم من ذلك، وجود بعض المخاوف المتعلقة بالأمن الداخلي والخارجي للبلدان، فالعديد من قوات الشرطة والجيش في هذه البلاد موالية للحزب الحاكم، فإذا تطورت الديمقراطية مع مؤسسات ودوائر جديدة لن تكون هناك ضمانة بأن الشرطة والجيش سيدينان بالولاء للأحزاب الحاكمة الناشئة، وبالتالي فإن قوات الأمن تحتاج لتطوير ثقافة الالتزام والولاء للبلاد وليس للحزب الحاكم، وعلاوة على ذلك، فإن الشعب بحاجة إلى أن يكون مستعداً للمشاركة في نظام حكم ديمقراطى، وهذا يتطلب وقتاً لتثقيف المواطنين، وكذلك تطوير العملية الديمقراطية التي ستمكّن الديمقراطية من التقدم بالبلاد إلى الأمام.لقد كانت أمريكا قوة دافعة في الشرق الأوسط فيما يتعلق بدعم المصالح الوطنية للولايات المتحدة، وفي إطار جهودها للقيام بذلك، دعمت الأنظمة غير الديمقراطية وبعض الأنظمة «غير المحترمة» في الشرق الأوسط، ومن أمثلة ذلك دعمها لبعض الأنظمة الخليجية، ونظام صدام حسين وبعض أنظمة شمال أفريقيا، ولهذا يتساءل الكثيرون عن دوافع الولايات المتحدة ورغبتها في إقامة الديمقراطية في الشرق الأوسط الآن، وهل الانتقال الديمقراطي في مصلحة الولايات المتحدة، أم في مصلحة دول الشرق الأوسط، إن تطور الديمقراطية في الشرق الأوسط لن يحدث بسهولة إذا ما اعتُبرت الديمقراطية خطوة من جانب الولايات المتحدة بهدف تحقيق مزيد من المصالح الاستراتيجية لها، كما أن هناك قلقاً من أن الحرب على الإرهاب هي في الحقيقة مجرد قناع لإقامة الديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط، ولكي تنجح الديمقراطية في الشرق الأوسط، يجب أن تعكس مصالح دول الشرق الأوسط وليس مصالح الولايات المتحدة فقط، ويجب أن يُنظر إلى الديمقراطية على أنها مفيدة لشعوب الشرق الأوسط، وأن تظهر الاحترام لطبيعة الثقافة الدينية، فضلاً عن تحسين ظروف المواطن العادى.إن المعيار الرئيسي لاختبار الديمقراطية في الشرق الأوسط هو تطور الديمقراطية في العراق، وهل ستسمح الولايات المتحدة للعراق بأن يطور ديمقراطيته الخاصة أم أنها ستحاول تكوين ديمقراطية موالية للغرب؟ فعلى سبيل المثال، هناك طوائف مختلفة من المسلمين (الإخوان، والشيعة، إلخ)، ومن المرجح أن يظهروا في مختلف دول الشرق الأوسط في إطار الحكم الديمقراطى، وإذا ما نظر العالم العربي للعراق باعتباره دُمية أمريكية، فلن تسعى دول المنطقة للمضىّ قدماً نحو الديمقراطية، وإذا فعلوا ذلك فهل ستكون أمريكا مستعدة لقبول ديمقراطيات الشرق الأوسط في شكلها الخاص، التي قد تكون أو لا تكون متعاطفة مع المصالح الغربية؟ خصوصاً أن رغبات شعوب المنطقة في السنوات الأولى للديمقراطية، ستكون نفسها محل نظر، هل يريدون حقاً الديمقراطية؟ وهل هم على استعداد لتغيير سلوكهم لإنجاح التحول الديمقراطى؟ ذلك لأن تغيير الثقافة السياسية هو شيء صعب، ومن السهل القول بأن الديمقراطية هي الشكل المفضل للحكم، ولكن القدرة على الوفاء بمتطلبات ذلك، والقبول ببعض المخاطر هو شيء آخر، فمثلاً، أثبت التاريخ أنه في السنوات العشر الأولى من أي ديمقراطية جديدة، من المرجح أن يحدث صراع خارجي أو داخلي باسم الديمقراطية الجديدة، وبينما تتطور الديمقراطية يجب أن يكون الشعب ملتزماً بالديمقراطية وعلى استعداد للتغلب على التحديات المختلفة.إن تغيير الأنظمة السياسية المستبدة إلى حكم ديمقراطي لن يكون كافياً لبناء ديمقراطية جديدة، لأن ذلك سيتطلب تعديلاً، وتطويراً في نظم التعليم، والاقتصاد، والدين، والإعلام والأمن والقضاء، ونتيجة لذلك، سوف يستغرق الناس وقتاً للتكيف مع الشكل الجديد من أشكال الحكومة ونظام السوق الحر الذي سوف ينشأ، وعلاوة على ذلك، فإن البلدان الديمقراطية يجب أن تدعم الديمقراطيات الجديدة، وفي رأيي فإن الديمقراطية تحتاج إلى بيئة جيدة تتمتع بوضع اقتصادي معقول، ونظام تعليم جيد، وفهم معتدل للقضايا الدينية، وفي النهاية رغبة من الأنظمة في تقاسم السلطة مع الشعب.بالنظر إلى أن دول الشرق الأوسط لديها قاعدة دينية قوية، فإنه من المهم بالنسبة للزعماء الدينيين إقناع المواطنين في الشرق الأوسط أن الديمقراطية أمر جيد للبلاد، وليست في صراع مع القيم الإسلامية المعتدلة، ويمكن لهذا النوع من الدعم الشعبي من الزعماء الدينيين الإسهام في بناء أنظمة ديمقراطية ومباركة التغيير الذي سيصاحب عملية الانتقال الديمقراطي.إن التغيير الديمقراطي سيتطلب بعض التغييرات المصاحبة له، ولا يمكن أن نتوقع من دول الشرق الأوسط التحول بسرعة إلى حكم ديمقراطى، وهناك قلق في الشرق الأوسط أن أمريكا -بالنظر لعدوانها على العراق وأفغانستان- في عجلة من أمرها لـ «دمقرطة» الشرق الأوسط، إن التحرك نحو الديمقراطية بسرعة كبيرة يمكن أن يؤثر على الاستقرار في المنطقة، كما قد ينظر إلى الدوافع الأمريكية على أنها أنانية ولا تدعم أسلوب حياة شعوب الشرق الوسط، فمن المهم أن تتحرك دول الشرق الأوسط نحو الديمقراطية بطريقة ثابتة ومنطقية ومنضبطة طبقاً لأسلوب حياة شعوب المنطقة، كما يجب أن تدعمها الديمقراطيات الغربية في نواحي الاقتصاد، والتعليم، والتكنولوجيا للمساهمة في تعزيز التنمية والتغيير.من المهم أن نفهم كيف يُنظر إلى الديمقراطية من قبل الناس العاديين في الشرق الأوسط، فالديمقراطية كالعلمانية، من غير المرجح أن تلقى ترحيباً من قبل الغالبية العظمى من شعوب الشرق الأوسط، الذين هم مسلمون متدينون، وهناك اختلاف بين الدول الإسلامية فيما يتعلق بالشكل الديمقراطي للحكومة، فمن ناحية، هناك أولئك الذين يعتقدون أن الحكم الديمقراطي يمكن أن يتماشى مع الطبيعة الدينية لمجتمعات الشرق الأوسط، ولكن من ناحية أخرى هناك من يعتقد أن الثقافة القبلية لدول الشرق الأوسط قد لا تكون مناسبة للحكم الديمقراطي الذي سيؤدي إلى الكثير من الخلافات، ولهذا فإن النتيجة ستكون مجتمعاً منقسماً لا يمكن توحيده بفعالية، علاوة على أن هناك أيضاً خطر أن يؤثر ذلك على وحدة الدين الإسلامي والإيمان به، وعلى الرغم من أن المخاوف موجودة وظاهرة فإن النسبة الأكبر من المواطنين ينظرون لروح الديمقراطية، أو الحكم الذاتي، باعتباره شيئاً إيجابياً ما دام يبني البلد، ويحافظ على أسس الدين في مواجهة عدم الاستقرار وعدم الاهتمام بالدين وسيخلق هذا التوازن تحدياً كما حاولت معظم الديمقراطيات الغربية الحفاظ على الفصل بين الكنيسة والدولة، وهذا يوضح أن الديمقراطية في الشرق الأوسط ليس بالضرورة أن تكون مشابهة للديمقراطيات الغربية، فيمكن أن يكون لها شكلها الخاص إلى جانب وجود أسس دينية قوية.إن الديمقراطية لا يمكن أن تُفهم في الشرق الأوسط دون فهم مفهوم الخلافة التي يعود تاريخها إلى عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فخلال حياته ويليها 70 عاماً بعد وفاته كانت الدولة مثالية، فقد خلقت الخلافة طريقة للحياة والتعايش بين الناس وداخل الهيئات الإدارية، وتعتبر تلك الفترة من الزمن خاصة جداً، إذ إنها جسدت النموذج المثالي للحكومة، وهو نموذج معترف به على نطاق واسع وتتطلع إليه أي حكومة وهي مشابهة للأهداف التي تتبعها وتسعى إليها الو لايات المتحدة مثل الحق في الحياة، والحرية والسعي لتحقيق السعادة، ومن وجهة نظر شعوب الشرق الأوسط، فإن الكلمات التي تحدد شكل الديمقراطية ستكون على الأرجح، الإنصاف والعدالة، والمساواة والوحدة والتكافل.وعلى الرغم من أن تحقيق المثل العليا كان دائماً ضمن أولويات المجتمع، لكن بعد وفاة الرسول بفترة زمنية، بدأ الحكام الذين كانوا يمثلون الخلافة في الابتعاد عن المثل العليا التي رسخها النبي، وبدأوا في استخدام سلطاتهم لتحقيق رفاهيتهم الخاصة وبدلاً من السعي لرفاهية شعوبهم حاولوا إحكام قبضتهم على السلطة من خلال تعيين الأقارب، وأهل الثقة عوضاً عن أهل الكفاءة المؤهلين، ولهذا ازداد السخط تجاه إدارة الدولة، ما أدى إلى ظهور صراعات قبلية وعرقية فككت الدولة، واليوم لا نزال نعاني من تداعيات الانقسامات التي حدثت في وقت مبكر داخل المجتمع الإسلامي، حيث يوجد في المنطقة مختلف الفصائل القبلية والعرقية، ونظراً لهذا الوضع، يصبح توحيد تلك الفصائل أحد التحديات التي تواجه محاولات إعادة إقامة الخلافة الرشيدة من جديد.هناك مسائل ذات علاقة بموضوع الخلافة مثل البيعة والشورى، ويرجع تاريخهما للسنوات الأولى من الإسلام، وبالتالي فهي مفاهيم مهمة ومحترمة، فالبيعة هي عملية انتخابية لاختيار الخليفة، بينما الشورى تعتبر هيئة استشارية، وظيفتها أن يكون الحكم متوافقاً مع تعاليم الإسلام، وعلى الرغم من أن هذه العمليات لها خلفيات تاريخية دينية، فإنها تمثل أيضاً الآليات التي يمكن أن تتطور الديمقراطية من خلالها، ونظراً للطبيعة الدينية لثقافة الشرق الأوسط، كيف يمكن أن نبني دولة ديمقراطية في الشرق الأوسط؟ هل سيكون هناك 3 أو 4 فروع للحكومة؟ وهل ينبغي أن يضاف فرع ديني إلى السلطتين التنفيذية، والتشريعية والقضائية لضمان توافق القانون مع الدين؟ قد يكون الجواب بنعم، ولكن هذا ربما لا يكون أفضل وسيلة، من الناحية المثالية، ينبغي على الهيئات التشريعية، والتنفيذية والقضائية أخذ تعاليم الإسلام بعين الاعتبار عند القيام بواجباتها، وعلى هذا النحو، لن تكون هناك حاجة لإنشاء سلطات دينية منفصلة، ومع ذلك، فإنه لتقنين المبادئ الرئيسية للعقيدة الإسلامية، ينبغي أن يكون ذلك مذكوراً في الدستور أو وثيقة مشابهة، وهذا لا يعني تأسيس دولة دينية، بل يعني أنه سيتم تأسيس ديمقراطية مبنية على المعتقدات الإسلامية.ينبغي تمكين ديمقراطية الشرق الأوسط من الظهور، قد لا تكون على نفس النمط الغربى، لكنها ستكون بداية، والقاعدة العامة هي أن الشرق الأوسط هو الأكثر تأييداً لروح الديمقراطية، وسيعتمد عليها طالما أنه يسعي إلى الوحدة الشاملة، وهذا يشمل السماح لبعض الفصائل التي قد تعتبر راديكالية، لا سيما إذا كانت مدعومة بأغلبية، بالمشاركة في انتخابات حرة، فالعالم لا يمكن أن يطالب بالديمقراطية في الشرق الأوسط، ثم يستنكرها لأن الفائزين في الانتخابات أقل تأييداً للغرب، على سبيل المثال، فإن الفلسطينيين المنتخبين مؤخراً من حركة حماس ليسوا على علاقة طيبة مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، ولكنهم قد انتُخبوا بطريقة شرعية، والأمر الآن متروك لحماس وبقية دول العالم للعمل على تسوية خلافاتهم السياسية، ومن المهم أن ندرك أنه على الرغم من وجود فروق ذات دلالة إحصائية، فيما يتعلق بوضع إسرائيل، فإن الأحزاب الفائزة في الانتخابات الإسرائيلية تشكل الحكومة المنتخبة وتعطي فرصة للحكم، وإذا لم تتوفر فرص مماثلة في الانتخابات الخاصة ببلدان الشرق الأوسط، فإن دول المنطقة ستشكك في مصداقية الدول الغربية، ونواياهم الحقيقية فيما يتعلق بالحكم الديمقراطي وما يمثله.في تلك المرحلة في تاريخ الشرق الأوسط، فإن مسألة الديمقراطية هي مسألة مهمة يجب وضعها في الاعتبار، فالكثيرون في الشرق الأوسط يشعرون بأن النظم المستبدة التي كانت موجودة سابقاً وحالياً لم تحقق التقدم الذي توقعته شعوبها، خاصة عند المقارنة مع بعض الدول الأخري في العالم الإسلامي مثل ماليزيا، وباكستان، وإندونيسيا؛ ناهيك عن بعض الدول الغربية، فمسألة إقامة ديمقراطية على النمط الإسلامي لا يجب طرحها على هذا النحو، فالديمقراطية والإسلام يمكن أن يتعايشا معاً، فعندما تم تأسيس الديمقراطية في الولايات المتحدة كان ذلك على أساس القيم المسيحية واليهودية، وبالنظر إلى التأثير المفرط للكنيسة في بريطانيا قررت الولايات المتحدة أن تدرج بعض المواد في الدستور لفصل الكنيسة عن الدولة، ولكن لم يُستبعد الدين من الحكم على الرغم من اعتقاد البعض بذلك، وفي السنوات الأولى من نشأة الولايات المتحدة، كان الدين مهماً وشكّل قيم الأمة الأمريكية، وفي الشرق الأوسط، فإن هذا النهج لا يختلف كثيراً باستثناء أن الإيمان الإسلامي هو الأساس الذي يقوم عليه شكل ديمقراطية الشرق الأوسط للديمقراطية التي ستُبني، كما هو الحال مع التقاليد الأمريكية، سيُسمح للأديان الأخرى بالوجود، لكن الدين السائد في الشرق الأوسط هو الإسلام، ولذلك فمن المنطقي أن نفترض أن الشكل الديمقراطي للحكومة سيؤسَّس على تلك المعتقدات، والتحدي القائم هو ما إذا كان باقي العالم سيكون قادراً على قبول الديمقراطية في الشرق الأوسط طبقاً للمعتقدات الإسلامية، من الناحية العملية، لا ينبغي أن يشكل ذلك مشكلة لأن المعتقدات الإسلامية تؤدي إلى سلوك أكثر تشابهاً مع سلوك المتدينين الآخرين.داخلياً، هناك عدد من التحديات التي من شأنها إعاقة العملية الديمقراطية مثل الفقر، والتعليم، وممارسة الشعائر الدينية، والطبيعة النفسية للمواطنين والحكومة، فالدخل القومي لمواطني دول الشرق الأوسط (الناتج القومى) مجتمعين 700 مليار دولار سنوياً وهو أقل من دخل مواطني بلد واحد مثل إسبانيا، وعند النظر إلى جميع البلدان الإسلامية، بما فيها البلاد التي تقع خارج منطقة الشرق الأوسط، فإن دخلها بأكمله هو أقل من دخل دولة مثل فرنسا، وأسباب الفقر في الشرق الأوسط متعددة وعلى رأسها الصراعات ومنها الصراع العربي الإسرائيلى، والحرب بين إيران والعراق، ونزاع الصحراء المغربية، والخلافات بين سوريا ولبنان، هذا على سبيل المثال لا الحصر، ما زاد من الدين الداخلي والخارجي على حد سواء، وحال دون تحقيق نمو اقتصادي إضافة إلى أن السياسات الاقتصادية السيئة والقرارات السياسية الخاطئة قد تسببت في تفاقم الأمور.أن الديمقراطية لا يمكن أن تُفهم في الشرق الأوسط دون إدراك مفهوم الخلافة التي يعود تاريخها إلى عهد النبي محمد (صلي الله عليه وسلم)، الذي بدأ الحكام بعد وفاته بنحو 70 عاماً في الابتعاد عن المثل العليا التي رسخها، واستخدموا سلطاتهم لتحقيق رفاهيتهم الخاصة. وأشار إلى ضرورة أن يكون ولاء الجيش والشرطة للوطن وليس للحاكم، وانتقد حكام المنطقة المستبدين الذين يتظاهرون بالديمقراطية، بينما هم في الحقيقة غير راغبين في التخلي عن السلطة.تنفق واشنطن أموالاً طائلة على الحروب في الشرق الأوسط، أملاً في تهيئة المنطقة لأجواء الديمقراطية، موضحاً أنه «في حال فقدان الاستقرار في دول مثل العراق وأفغانستان نتيجة للحروب التي شنتها الولايات المتحدة، فإن شعوب الشرق الأوسط سوف تشكك في أهداف الديمقراطية الأمريكية».من الأفضل أن أرى مليارات الدولارات يتم توظيفها لتحقيق أهداف ومساعٍ اقتصادية سلمية في شكل استثمارات ومساعدات. ولكي تساعد الولايات المتحدة المنطقة في مجال الديمقراطية بطريقة أكثر فعالية، عليها خفض عدد قواتها العاملة في العراق وأفغانستان، وإظهار دعمها الاقتصادي لدول الشرق الأوسط، مثل مصر.تعاني بعض بلدان الشرق الأوسط من السيطرة الحكومية الشديدة على كل الأنشطة، وتضخم رواتب بعض المسئولين المقربين من السلطة، ما يخنق المبادرات الفردية ويعزز من قبضة وسلطة الحزب الحاكم. وفي مصر خلال حكم الرئيس السادات تم تخفيف وتقليص دور الحكومة بهدف تحفيز النمو الاقتصادي إلا أن تلك الجهود لم تتطور في عهد الرئيس مبارك.التعليم في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحسن بالإصلاحات الفنية فقط، بل يجب أن يكون هناك حافز اقتصادي من شأنه أن يجعل المواطنين يدركون مزايا التعليم، لذلك يجب أن ترتبط الإصلاحات التعليمية بتحسين القدرات الاقتصادية للبلاد، ويجب على الحكومات تنفيذ السياسات التي تشجع على الحرية الاقتصادية والنمو الاقتصادى.إن أنظمة الحكم في المنطقة تختلف على نطاق واسع، فمنها أنظمة ملكية، وحكومات مؤقتة بسبب تعرض بعض البلاد للاحتلال، إضافة إلى بعض الديمقراطيات، والجمهوريات، ودول ذات نظام اتحادي أو دينى، لكن الطبيعة الدينية للشرق الأوسط خلقت تحديات للسلطات الحاكمة، خاصة في ظل سيطرة النظم المركزية على الحكم، وميل الحكومات نحو النظام العلمانى، ما أدى إلى تجاهل قطاعات كبيرة من المواطنين يعتقدون أنه لا ينبغي استبعاد دور الدين من الحكم، وغالباً ما يتم القبض على الزعماء الدينيين المعارضين للحكومة وإيداعهم السجون دون محاكمات، وهذه الحكومات التي تدعي الديمقراطية تسيطر وتؤثر على نتائج الانتخابات بطريقة غير عادلة من خلال السيطرة على وسائل الإعلام والتخويف الصريح، وعندما تزيد الحكومات من جرعة الاضطهاد قد تكون النتيجة حدوث بعض الأعمال الإرهابية.تعتبر الأراضي المحتلة في فلسطين مثالاً جيداً، لأن الظلم خلق بيئة خصبة لنشأة حركات متطرفة، وبالطبع توجد عناصر دينية معتدلة داخل المجتمع لكنها ليست مؤثرة بنفس قدر المتطرفين، فالمتطرفون يتمتعون بالنفوذ ويكتسبون شعبية بين الناس، فجماعة مثل حركة حماس من المرجح أن تصل إلى السلطة من خلال الوسائل الديمقراطية، لكنها لا تزال لا تمثل الشعب بنسبة كبيرة، وخاصة المتدينون المعتدلون، الذين يمثلون الإسلام المعتدل حتى في مواجهة حركة حماس المنتخبة، ومن المحتمل أن تكون هناك تحديات داخلية للحكم، ولكن هناك أمل أن القطاعات الدينية الأكثر اعتدالاً يمكن أن تخفف من سياسات وتدابير المتطرفين.ما من شك في ان السيطرة على وسائل الإعلام من قبل الحكومة تعرض المسلمين المعتدلين لمزيد من المشاكل، فوسائل الإعلام تحكمها فلسفة علمانية، ووسائل الإعلام العلمانية تضمن سيطرة الدولة على الإعلام وتحرم رجال الدين المعتدلين من الظهور، وتنشر فلسفة الحياة الليبرالية التي لا يدعمها أو يفضلها الكثير من المسلمين المعتدلين، ما يوفر ذريعة للمتطرفين لأنها تتسبب في اتفاقهم مع المعتدلين على موقف مشترك واستغلاله لصالحهم، ما يزيد من انتشار وتأثير الأفكار المتطرفة، وكل ذلك لأن الحكومة تمارس السيطرة المفرطة على وسائل الإعلام، وبالتالي لم تعد وسائل الإعلام تقدم أي دور خدمي للمجتمع، فعند وجود حالات من الفساد في الحكومة، فمن المحتمل ألا يتم تناولها. وعلى هذا النحو، يقود الإعلام الجماهير إلى الاعتقاد بأن حكوماتهم جيدة وتقوم بدورها نحو كافة المواطنين، لكن الكثير من المواطنين في الشارع يستطيعون معرفة الحقيقة بوسائل أخرى، وفي هذه الحالة فإن وسائل الإعلام ستكون عقبة أمام أي شكل ديمقراطي للحكومة، وذلك لبعض الوقت حتى يمكن الوثوق بها لتمثل ما هو أكثر من وجهة نظر الحكومة. إن نظم الحكم المختلفة في الشرق الأوسط، يمثل أغلبها المَلَكيات التي لها سيطرة حصرية على بعض الأنشطة الحيوية مثل الإعلام، ومن غير المرجح أن تتخلى تلك الحكومات طوعاً عن السلطة في أي وقت قريب لصالح إقامة نظام حكم ديمقراطى، وحتى الآن تبرز الحاجة إلى وجود حالة من الرؤية التي يمكن أن توحد جميع دول الشرق الأوسط بغض النظر عن شكل أو نظم الحكم فيها، وتوجد أمثلة على منظمات مثل منظمة أوبك والجامعة العربية، وهي منظمات تمثل بعض مصالح دول الشرق الأوسط، لكنها لا تعمل بوصفها كيانات موحدة مثل اتحاد المغرب العربى، أي كيان يعمل لصالح دول الشرق الأوسط، ونظراً لعدد المَلَكيات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، فليس مفاجئاً أن يتطلع المواطنون إلى الحكومة لتحقيق رفاهيتهم. ويخبرنا التاريخ أن هذا كان الحال دائماً بشكل عام، فطبيعة مواطني الشرق الأوسط لم تتغير، فهم يعتمدون على الحكومة طالما كانت هناك قيادة ونظام حكم جيد، وكان هذا مقبولاً. لكن عند التعامل مع حكومة أو قيادة فاسدة وغير جديرة بالثقة فإن المواطن لا يحظى بتمثيل لدى الحكومة، كما أنه لا يستطيع الحصول على احتياجاته الضرورية. وهنا نؤكد على أن الديمقراطية تجلب التحديات، لهذا يجب تبنّي أسلوب المبادرة الفردية، والمكافأة حتى يشعر أفراد المجتمع بأهمية اعتمادهم على أنفسهم بدلاً من الاعتماد على الحكومة لتوفير كل شىء، وسوف يستغرق هذا التحول بعض الوقت، كما أنه تحول يتطلب قيادة قوية، وقاعدة جماهيرية داعمة في الشارع وجهوداً اقتصادية.هناك أمل في إقامة ديمقراطية في الشرق الأوسط على المدي الطويل، إلا أنها قد لا تكون نموذجاً يتبع القالب الديمقراطي الغربى، فالديمقراطية في الشرق الأوسط يجب أن تتسع لفروق واسعة وأنواع مختلفة من نظم الحكم، ويجب أن يكون لها هدف موحد هو أن يتحول الشرق الأوسط إلى منطقة موحدة، وهذا هو مكمن الخطورة الحالى، فهناك معركة مستعرة بين المتطرفين، والغرب، وكل طرف يسعى جاهداً لبسط سيطرته وفرض طريقة الحياة التي تدعم مصالحه». المتطرفون يرون الخلافة باعتبارها الهدف النهائى، في حين يراقب المعتدلون الديمقراطيات الناشئة في دول مثل مصر وسوريا ولبنان واليمن، وبطبيعة الحال فإن فلسطين تحصل على نصيبها من اهتمام العالم بعد صعود حركة حماس للسلطة، والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا سيكون شكل الديمقراطيات الجديدة؟ نري أمامنا ثلاثة اختيارات؛ الأول هو أن الديمقراطيات التي تميل نحو التطرف، مثل حماس، قد تأخذ مركز الصدارة لأنها منظمة بشكل فعال وتلبي احتياجات ممثليها، وسيكون التحدي بالنسبة لهم هو: هل سيتمكنون من المشاركة بشكل فعال على الساحة العالمية وتحقيق نوع من التوازن دون التخلي عن ثوابتهم أو عزل أنفسهم عن العالم؟.النموذج الثاني أقرب للاعتدال مثل مصر أو لبنان حيث لا يمكن بسهولة تقبل الأيديولوجيات المتطرفة في هذين البلدين، لكن تبقى المشكلات مع الفساد داخل الحكومة غير مفهومة جيداً أو واضحة للمواطنين، ولتجنب انجذاب تلك التجارب الديمقراطية نحو الأيديولوجيات المتطرفة من المهم أن تثبت الديمقراطية الجديدة وجود طريقة أو أسلوب أفضل للحياة بالنسبة للمواطنين من خلال حكومة تمثل أطياف المجتمع.النموذج الأخير والمستبعد والأقل احتمالاً هو النموذج الغربي للديمقراطية حيث سيكون بمثابة نموذج يحتذى به في الشرق الأوسط، لكن مع تعقيدات الأوضاع في المنطقة من غير المرجح أن تشبه ديمقراطية دول الشرق الأوسط صورة الديمقراطية الغربية، وقامة ديمقراطية ناجحة في العراق سوف تكون معياراً لبعض دول الخليج في المستقبل، فإذا نجح العراق في إقامة ديمقراطية معتدلة في المستقبل، سوف يثبت ذلك أن الصراعات المتعددة الأعراق بين السنة والشيعة وغيرها يمكن حلها سلمياً ويمكن أن يكون أسلوب ونظام الحكم واحداً في تلك البلاد، وأن الديمقراطية يمكنها حل مشكلة انتشار الفقر على نطاق واسع وخلق حياة أفضل.إن التعليم ووسائل الإعلام هما الركائز الرئيسية نحو إرساء الديمقراطية، ويجب أن تتحول الدول من نظم تتحكم حكوماتها بكل شيء فيها إلى دول تتحكم شعوبها بكل سلطات الدولة وأدواتها ووسائل الإعلام، وأن تصبح تلك الوسائل أكثر انتشاراً حتى تكون قادرة على التأثير الإيجابي على نظام التعليم وإصلاحه من أسفل إلى أعلى، ومن الواضح أن المتطرفين يدركون جيداً قوة وسائل الإعلام ويحاولون كسب المزيد من النفوذ من خلالها، ولكي تنجح وسائل الإعلام يجب أن تشير وتبين أن الاعتدال هو أفضل نمط من أنماط الحياة، كما أن دور الدين في الحكم سيكون قضية رئيسية. وعلى مر التاريخ كان الدين يمثل تحدياً للديمقراطية، لكن ذلك لا يعني أن الشرق الأوسط سوف يفشل في دمج الدين ضمن نظام الحكم، فيجب أن يكون هناك فهم مشترك للدين الإسلامي بين جميع الأعراق والثقافات كما يجب وضع العقائد غير الإسلامية في الاعتبار.