لنترك ما قد مضى، ونأخذ منه الدروس والعبر ولا نكررها ثانية في المستقبل، لأننا لا نستطيع أن نغير الماضي، ولكننا نمتلك القدرة والإمكانيات البشرية والطبيعية لتغيير الحاضر من أجل المستقبل الذي نسعى فيه إلى أن يستعيد ميناء عدن مكانته في تقديم أفضل الخدمات وأرقاها التي تحتاجها حركة النقل البحري الدولية واستعادة دوره الرائد في خدمة دول المنطقة المحيطة، ونشاطه كمحور أساسي للتجارة العالمية، بين الشرق والغرب وأفريقيا، كما كان على مدى العصور منذ نشوء التجارة البحرية العالمية. وأسوأ ما جرى لميناء عدن كان خلال العشرين عاماً الماضية، في التقليص التدريجي لمعظم أسسه ومقوماته بوصفه ميناء (دولياً) قادراً على التوسع والتطور، وقوى بشرية لكفاءات وخبرات مؤهلة جرى تصفيتها، وتعيين قيادات لخدمة السياسة عجزت عن إدارته وتشغيله، وغاب أدنى مؤشر بعكس ذلك حتى اليوم وأهملت تماماً جوانب (التخطيط) بعيد المدى لمستقبله وتطوره، وفقاً لرؤية واضحة المعالم لخطط وبرامج تنفذ سنوياً ويجري تقييمها دورياً، ما أدى إلى سيادة العشوائية القاتلة في توزيع نشاطه التي أدت إلى تقليص مصادر إيراداته وإقامة أنشطة مخالفة للقوانين الدولية حيثما كانت وكيفما كانت، وانعدم مستوى التدريب والتأهيل المخطط لرفع مستوى قدرات قواه البشرية، وتخلفت كثيراً وسائل عمله ومعداته بعدم تحديثها، وسادت العشوائية التعيينات في الوظائف، فسقطت أساليب التعامل مع أنظمته وقوانينه البحرية والتطبيق للقوانين في معالجة قضايا العمل والعاملين، كل تلك حلقات مترابطة ببعضها أثرت سلباً على قدراته المطلوبة في تأدية دوره الفاعل في دعم إستراتيجية الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.هذا بعض من الواقع الراهن لأوضاع الميناء، ومن دونها لن نتمكن من تحديد معالم الانطلاق نحو تدشين عهد جديد، لا يكرر إنتاج مآسي الماضي، ولن يتحقق بخطابات الأماني والعواطف، وإنما بالعمل الجاد في ترسيخ مفاهيم علمية بوضع خطة مستقبلية تعتمد على الإحصاء والتخطيط لتحديد الأولويات لنجاحها وتبدأ من الآتي:[c1] 1 - لجنة استلام ميناء الحاويات: [/c]إذا نظرنا إلى تسمية اللجنة سنجد أن مهمتها تكمن في استلام ميناء الحاويات بكالتكس من شركة دبي.. ولمن ستسلمه؟ إذا كانت ستسلمه لإدارة ميناء عدن، كان يفترض أن يعقب قرار لجنة الاستلام مباشرة قرار بتحديد فريق عمل من كفاءات وخبرات ميناء عدن من كافة التخصصات الإدارية، المالية والفنية، لاستلام ما استلمته اللجنة، لإدارته وتوريد إيراداته لصالح ميناء عدن، وإلا أصبح الأمر غامضاً ومن دون جدوى ولا معنى، خاصة وأن ميناء عدن يمتلك الكفاءات والخبرات الوطنية القادرة على تشغيله، مثلما كان طوال العهود الماضية في تشغيل ميناء عدن، ومحطة حاويات المعلا، كما أن ميناء كالتكس للحاويات تم إنشاؤه لتشغيله من قبل كوادر ميناء عدن، وأثبتت التجارب العديدة السابقة فشل تسليمه للآخرين وفشل الآخرين في تشغيله، بل وألحقت بقدرات الميناء أشد الضرر وبمكانته العالمية وبمعداته وإيراداته وقوى تشغيله البشرية ولا يوجد أدنى مؤشر إلى تحقق شيء من أهدافه.[c1] 2 - أولويات النهوض بالميناء: [/c]إن معالجة الاختلالات في أوضاع الميناء الراهنة، لا تكمن في رصد الدولة مبلغ 500 مليون دولار للنهوض بالميناء وبعض المؤسسات المرتبطة بنشاطه، بقدر ما تكمن في إعادة بناء أساساته التي دمرت وسترتكز عليها إعادة البناء المرجوة لاستعادة الميناء لقدراته ومكانته الدولية، التي يقودها وزيرنا الشاب ابن تلك الهامة الوطنية التي احتلت مقدمة نضال حركة التحرر الوطنية، وعلينا أن ندرك أن تجارب الماضي قد علمتنا دروساً قاسية، وأن تهميش الكفاءات والخبرات الوطنية قد أضر بكل تطلعاتنا وجعلنا وحيدين نخوض معارك مصيرية لا تكافؤ فيها، لذلك لابد من الاعتماد على التكاتف والشراكة مع خبرات الميناء القديمة كل في مجال تخصصه لوضع تصور متكامل لخطة منهجية بعيدة المدى، فهم أكثر إدراكاً في تحديد الأولويات لمعالجة الاختلالات والتوظيف الأمثل لمبلغ 500 مليون دولار، ومنها الجوانب الآتية:التحديث لوسائل العمل لمواكبة التطور التكنولوجي في صناعة النقل البحري، يترافق مع وضع خطة بعيدة المدى للتدريب والتأهيل وفقاً لشروط لا يجوز تجاوزها، لرفع مستوى قدرات التشغيل والصيانة للقوى البشرية.-إعادة العمل ببرامج الصيانة وقطع الغيار السنوي، للمنشآت والأرصفة والمراسي العائمة والقطع البحرية والبرية للميناء وتأسيس شبكة حاسوب بين إدارات الميناء وإعادة الالتزام بالعمل بالأنظمة والقوانين النافذة وانتظام جلسات مجلس قياداته.- معالجة أوضاع العاملين في الميناء بمن فيهم عاملو حاويات المعلا وكالتكس بموجب هيكل أجور ونظام وظائف خاص بهم يراعي بحق خصوصيات ومخاطر مجالات أعمالهم ومؤهلاتهم البحرية ومسميات وظائفهم التي لا نظير لها في الهيكل الساري، وتوفير معدات السلامة المهنية.- معالجة نقل المنشآت القائمة المخالفة للقوانين البحرية الدولية، التي أضرت بالمصلحة العامة وستضر مستقبلاً بالمصلحة الخاصة لرأسمالنا الوطني.- استعادة مباني الميناء وأراضيه المحتلة والمصادرة في مناطق حافون، معلا كبسة، الدكة، القلوعة وحجيف ورأس مربط وتوفير المساحات لبناء مساكن للمرشدين مملوكة للميناء تستعاد بعد انتهاء خدماتهم مثلما كان.- إصدار قانون الميناء،س الذي يحدد حدود حرمه ومسؤوليات اختصاصه، المجمد منذ عشرين عاماً.تلك البداية لأهم المؤشرات العملية لحلقاته المترابطة وإهمال إحداها سيؤثر على بقيتها حتماً، والأمل يتحقق بوحدة الناس حول قضاياهم الوطنية والضمان لنجاحها التي لا تهزمها أعتى أنظمتها.
|
آراء
ميناء عدن بين الحاضر والمستقبل
أخبار متعلقة