المبادرة الخليجية لحل الأزمة السياسية في اليمن
عبده الجندي :لاشك في أن ثقة فخامة الأخ الرئيس في دول مجلس التعاون الخليجي كبيرة لكن تجربته مع الإخوة في أحزاب (اللقاء المشترك) مريرة وموجبة للحذر واليقظة إذا علمنا أن هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية تدار من خلال قيادات حزبية وسياسية محترفة للتكتيك والمناورة السياسية التي أفشلت أفضل المبادرات الحوارية الناتجة من حرص على الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة من خلال قدرتها على تمرير النصوص المبهمة ذات الألفاظ العامة والقابلة لأكثر من تفسير والتأويل بالاتجاه الذي يحول دون تنفيذ ما عليهم من التزامات قانونية وتبرير ما ينتهجونه من الأساليب والوسائل التكتيكية التي تجعل أية عملية حوارية عديمة البداية الجادة والمسؤولة، وعديمة النهاية المثمرة والمفيدة.. أقول ذلك وأقصد به أن المبادرة الخليجية الجديدة لا تخلو هي الأخرى من هذه النصوص العائمة والقابلة للتفسير والتأويل على نحو يفتح المجال لطرفي العملية الحوارية في التهرب من أية التزامات جادة ومسؤولة، فقد جاء في البند الثاني من المبادرة نص يلزم الحكومة الوفاقية بإزالة الأسباب التي تؤدي الى التوترات السياسية والأمنية ويندرج في هذا الإطار رفع الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات التي تحولت الى تجاوزات وأحداث شغب وسلب ونهب وقتل وترحيل الأطراف التي تسببت في قيام هذه الأزمة وما نتج عنها من اختلالات اقتصادية واجتماعية وأمنية ناتجة عن تحالفات سياسية متناقضة تهدد الدولة بالانهيار وتهدد المجتمع بالحرب الأهلية وتهدد الوطن بالتمزق وإقامة الدويلات المتصارعة والمتناحرة المتعددة بتعدد الجماعات المناطقية والقبلية والطائفية والمذهبية والسياسية والإرهابية التي لا رابط لها ولا زمام على الإطلاق.. وذلك ما فتح المجال لأحزاب (اللقاء المشترك) الطرف الثاني في المبادرة بالتنصل من واجباتها في رفع الاعتصامات وانتهاج لعبة الدورين: دور القبول بالتوقيع على المبادرة شكلاً ودور ما يسمى بالشباب الذين يرفضون هذه المبادرة شكلاً ومضموناً لا لشيء اللهم إلاَّ لأنهم يريدون السيطرة على الحكومة وإجبار رئيس الجمهورية على الاستقالة من موقعه قبل انتهاء فترته الدستورية والقانونية وتسليم صلاحياته لنائبه الذي يجري الانتخابات الرئاسية خلال ستين يوماً وتنتهي فترته الرئاسية ليتم نقل الاختصاصات لهيئة رئاسة مجلس النواب ليتمكنوا من السيطرة على الحكومة وعلى الرئاسة وتجريد صاحب الأغلبية من سلطاته الدستورية والقانونية بمساندة شبابهم المعتصمين في بعض الشوارع اليمنية الذين سيكون بمقدورهم ليس فقط الضغط على صاحب الأغلبية بالرضوخ لصاحب الأقلية، بل وتجاوز ذلك إلى المطالبة بمحاكمة رئيس الجمهورية ورموز نظامه بل والى المطالبة بإلغاء حزب الأغلبية والأحزاب المتحالفة معه.. الخ.ألم تكن أحزاب (اللقاء المشترك) الأقلية المعارضة هي التي مررت على حزب الأغلبية الحاكم وحلفائه نفس النصوص المبهمة التي كتبت بعبارات عائمة وعامة وغير محددة في ترحيل العملية الانتخابية البرلمانية بالتجديد لمجلس النواب سنتين إلى الأمام فتحت المجال للتجديد للمرة الثانية نظراً لما أحدثته الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات غير السلمية من تعقيدات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وعسكرية .. الخ تحول دون إجراء الانتخابات البرلمانية، فتحت الباب للالتفاف على الانتخابات الرئاسية والمطالبة برحيل رئيس الجمهورية قبل انتهاء فترته الزمنية في 2013م كل ذلك حدث استناداً إلى نصوص عائمة ربطت إجراء الانتخابات في أجواء هادئة ساعدت الانفصاليين في الجنوب والحوثيين في الشمال على الاستمرار والديمومة.أقول ذلك واقصد به أن المبادرة الخليجية ذات نصوص مبهمة وغير واضحة وغير قاطعة وغير محددة وبالذات في المهام المطلوبة من أحزاب (اللقاء المشترك) أما في ما هو مطلوب من المؤتمر ومن فخامة الأخ رئيس الجمهورية فقد حدد بالتواريخ الزمنية غير القابلة للتنصل والالتفاف عليها.قد تكون معذورة إذا استثنينا دولة قطر التي مررت هذه النصوص المبهمة في المبادرة بتنسيق مسبق مع أحزاب المعارضة -المشترك- وبحسن نية من قبل دول مجلس التعاون الخليجي التي تحرص على وحدة اليمن وأمنه واستقراره وعلى استقالة رئيس الجمهورية وضمان عدم مساءلته مع رموز نظامه لكنها لا تدرك ما خلف الأكمة من احتمالات تدل على سوء النية المبيتة الهادفة إلى الاستيلاء على السلطة بشرعية انقلابية وثورية لا تضع وزناً ولا قيمة للشرعية الدستورية المعبرة عن الإرادة الحرة للهيئة الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة.. الخ.كيف لا ونحن نعلم سلفاً أن نائب رئيس الجمهورية سوف تنتهي -تنتقل- صلاحياته إلى هيئة رئاسة مجلس النواب المنتهية مدته الدستورية التي يوجد لأحزاب (المشترك) أغلبية اثنين إلى واحد للمؤتمر مقابل حكومة رئيسها من (المشترك) وقرارها لصالح (المشترك) الذي لا يمثل سوى أقلية.ومعنى ذلك أن نائب رئيس الجمهورية بعد استقالة رئيس الجمهورية سوف يواجه مشاكل عديدة ومركبة مع تناقضات أحزاب المشترك ومع الاعتصامات التي تطالب بإسقاط النظام ومحاكمة رموزه ومع أزمة اقتصادية واختلالات أمنية مركبة ومعقدة.وإذا رجعنا بالذاكرة قليلاً إلى الخلف سوف نجد أن أحزاب (المشترك) لا تعترف باللجنة العليا للانتخابات الحالية ولا تتفق على تشكيل لجنة بديلة بسهولة وفي فترة زمنية محدودة وتشكك بالمطلق فيما لديها من السجل الانتخابي برمته وتطالب، بالإضافة إلى ذلك بمراجعة السجل الانتخابي ومراجعة وتعديل جداول الناخبين إلى غير ذلك من المطالب التي لا تعد ولا تحصى والتي تجعل إجراء الانتخابات الرئاسية خلال ستين يوماً عملية مستحيلة.وفي هذا الإطار لابد من وقفة مصارحة ومكاشفة مع دول مجلس التعاون الخليجي حول بنود المبادرة قبل التوقيع عليها من باب الحرص على نجاح هذه المبادرة التي تمثل إجماع الدول الشقيقة والدول الصديقة حتى لا تنتهي بالوصول إلى طريق مسدود نرى فيه الحل ممكناً فيما لدينا من النوايا الحسنة ومستحيلاً فيما لدينا من النوايا السيئة، لأن الشفافية هي المطلب الذي يحقق الوضوح المطلوب والوضوح هو المدخل الوحيد إلى ترسيخ ما لدينا من القناعات المبنية على المصداقية والموضوعية.أخلص من ذلك إلى القول إنه لابد من لحظة مصارحة ومصالحة مع جميع الأطراف برعاية خليجية تستخدم كل ما لديها من الضغوط التي تجبر جميع الأطراف على تبادل التنازلات وإخلاص النوايا من اجل الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره ومكاسبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. من أجل اتفاق يؤدي إلى سلام ولا أقول من أجل وفاق يؤدي إلى حرب.