من الأدب الانجليزي
تأليف / أوسكار وايلدترجمة / د. طارق علي السقافكان السيد هيرام اوتس غنياً من أبناء نيويورك, وقد قدم إلى انكلترا للعيش والعمل فيها, ولكنه لا يحب ضجيج المدن, فقد كان يحب حياة الريف الهادئة, لهذا فضل العيش خارج مدينة لندن. قام هيرام بزيارة اللورد كانتريفل الذي عرض بيته المسمى باسمه “ كانتريفل” للبيع, وقد أتى هيرام لمعاينة المنزل.قال اللورد صراحة لهيرام “ حالياً, لا أعيش في هذا المنزل, فأنا بصراحة لا أحب العيش فيه, لأن به شبحاً, شبح كانتريفل”, رد عليه هيرام قائلاً “ إنني أمريكي كما تعلم, وأمريكا بلد متحضر, وأنا لا أؤمن بالأشباح, هل رأيت الشبح بذاته؟ “, رد اللورد “ لا, ولكني اسمعه في الليل”, فرد هيرام بإصرار “ يا سيدي إنني رجل أصدق عيني ولا أصدق أذني, إنني لا أؤمن بالأشباح, فلم ير أحد شبحاً بذاته, ولم أجده في المتحف, كما أنك شخصياً لم تره وجهاً لوجه”, قال اللورد “ ولكن عدداً من عائلتي قد رأوا الشبح, فقد رأته عمتي وكانت مرعوبة جداً حتى أصيبت بمرض خبيث لازمها حتى آخر عمرها, كما أن الخدم الذين يعملون لدي كانوا قد رأوه ورفضوا الإقامة في البيت ليلاً, وحدها مدبرة المنزل السيدة آمني استطاعت الإقامة في منزل كانتريفل”, عندها قال هيرام وقد حسم أمره “ سأشتري هذا المنزل مع شبحه, هل تبيعني المنزل يا سيدي؟ “ رد عليه اللورد “ نعم سأبيعه لك, ولكن تذكر أني قد أخبرتك عن شبح كانتريفل قبل شرائك المنزل “. أتت عائلة هيرام من أمريكا للإقامة في “ كانتريفل”, عائلته تتكون من زوجته وثلاثة أبناء وبنت واحدة, أكبر أبنائه يدعى ( واشنطن) يبلغ من العمر عشرين عاماً, كان وسيماً وشعره أشقر, وأخواه الآخران توأم يبلغان اثني عشر عاماً, أما الابنة فتدعى (فرجينيا) خمسة عشر عاماً, كانت جميلة لها عينان كبيرتان زرقاوان.منزل كانتريفل يقع في الريف غرب لندن, كان منزلاً قديماً ولكنه كبير تحيط به الأشجار من كل جهة, وبمجرد وصولهم بالعربة أرادوا التوقف لمشاهدة المنظر الخارجي للمنزل والأشجار المحيطة به, ولكن السماء قد أظلمت وكانت عاصفة رعدية قادمة, وبدأ المطر يهطل بغزارة ولهذا دخلت العائلة المنزل بسرعة, كانت مدبرة المنزل السيدة آمني تقف على الباب في انتظارهم, امرأة عجوز ترتدي ملابس سوداء.. عاشت فترة طويلة في البيت تدير شؤونه فقالت لهم مرحبة “ أهلاً بكم في كانتريفل, هل ترغبون ببعض الشاي؟ “, رد عليها هيرام “ نعم لو سمحتي”, بعدها تبعت عائلة هيرام السيدة آمني إلى المكتبة, وكانت بها طاولة كبيرة وكثير من الكراسي, قامت السيدة آمني بوضع أكواب الشاي على الطاولة بعدها قامت وأحضرت قدر الشاي. وبينما كانوا يحتسون الشاي كانوا ينظرون لهطول المطر من خلال نافذة كبيرة في المكتبة, كان المطر غزيراً كما أسودت السماء وسمعوا صوت رعد شديد وإضاءة قوية تنبعث من السماء, نظرت زوجة هيرام حولها فوجدت العديد من الكتب, وفجأة رأت بقعة حمراء على أرضية المكتبة بالقرب من المدفأة فسألت “ ما هذه البقعة الحمراء؟ “, فردت السيدة آمني بهدوء “ إنها بقعة دم”, قال هيرام بسرعة “ لا أريد رؤية بقعة الدم في مكتبتي, لو سمحتي نظفي الأرضية من بقعة الدم هذه حالاً “ ابتسمت العجوز وقالت “ إنها دم الليدي إلينوز دي كانتريفل, وقد قتلها زوجها السير سايمن دي كانتريفل عام 1575م, وبقعة الدم هذه موجودة منذ أكثر من ثلاثمائة سنة ولا يمكن بأي حال إزالتها, فقال واشنطن ساخراً “ هراء, عندي محلول قوي لإزالة البقع جلبته معي من أمريكا, قادر على إزالة أقوى البقع, أنظري, عندها قام واشنطن بإخراج المحلول من حقيبته, وبدا شكله مثل عصا سوداء صغيرة, عندها قام بفرك العصا بقوة على البقعة الحمراء, بعدها بدقيقة واحدة تم إزالة البقعة من على الأرضية وفي الحال أصبحت الأرضية نظيفة. عندها نظرت السيدة آمني صوب الأرضية وكانت مرعوبة جداً, فلم يستطع أحد من إزالة البقعة لأكثر من ثلاثمائة عام. قال واشنطن “ إن محلول بنكرتون يستطيع إزالة أي شيء”, بعدها اشتدت قوة الرعد في الخارج حتى أضاءت المكتبة وبدا وأن الرعد أقتحم الغرفة, عندها أغمى على السيدة آمني, وعلى الفور جرى هيرام وزوجته صوب السيدة آمني لمساعدتها على النهوض وكانت شاحبة الوجه, صرخت زوجة هيرام “ سيدة آمني, سيدة آمني ردي علي “, فتحت السيدة آمني عينيها وقالت بإعياء شديد” سيواجه هذا البيت الكثير من المشاكل, لقد رأيت الشبح للتو, وهو قادم إليكم”, ساعد جميع عائلة هيرام السيدة العجوز على النهوض, فقالت ثانية بإصرار “ سيعود الشبح, لم يكن عليكم إزالة بقعة الدم تلك, إن هذا يغضب الشبح كثيراً”, بعدها مباشرة صعدت السيدة آمني إلى أعلى صوب غرفتها, عندها قال التوأمان “ لنبحث عن الشبح”, حاول أولاد هيرام البحث عن الشبح في كل أنحاء البيت ولكن لم يعثروا له على أثر. في تلك الليلة اتجهت العائلة لتنام مبكراً, وقد استمرت العاصفة طوال الليل, في صباح اليوم التالي اتجهوا صوب المكتبة ورأوا بقعة الدم وقد ظهرت مرة ثانية على الأرضية. فقال واشنطن بإصرار “ سأزيل بقعة الدم هذه ثانية”, وقام بإزالتها وأصبحت أرضية الغرفة نظيفة تماماً ولكن في اليوم التالي ظهرت البقعة مجدداً. قال هيرام “ إن هذا غريب جداً, سأغلق باب المكتبة في الليل” عندها قال ابنه واشنطن “ لا اعتقد بأن محلول بنكرتون لإزالة البقع سيئ, ولكني الآن أعتقد بوجود الشبح في بيتنا “, قال هيرام “ إذن علينا البحث عنه في المنزل, يجب علينا أن نوقفه “, في ذلك اليوم خرجت العائلة للتنزه, لقد ذهبوا إلى القرية المجاورة, وبعد أن استمتعوا برحلتهم عادوا لمنزلهم عبر الغابة وكان الطقس هادئاً, وكان الوقت متأخراً حين وصولهم للبيت وكان جميع أفراد العائلة يشعرون بالتعب والإرهاق, تناولوا عشائهم وبعدها اتجهوا للنوم في الطابق العلوي وكان هناك ممر طويل في الطابق العلوي وكانت أبواب غرف النوم تقع على طول هذا الممر. أثناء نوم العائلة, استيقظ هيرام فجأة في منتصف الليل فقد سمع صوت غريب خارج غرفته, وكان الصوت مثل سلسلة معدنية. نهض بسرعة من سريره وفتح باب غرفة نومه ونظر صوب الممر ورأى شبح كانتريفل مباشرة, ولكن الشبح كان عبارة عن عجوز له عينان حمراوان حارقة وشعر طويل رمادي اللون كما كان يرتدي ملابس قديمة, كانت هناك سلاسل حول معصمه وأقدامه تصنع تلك الضوضاء, فقال له هيرام بهدوء عجيب “ يا سيدي العزيز, إن سلاسلك تثير ضوضاء مزعجة, عليك بوضع بعض من الزيت عليها, وهذا هو زيت جلبته معي من أمريكا أعتقد بأنه سيفيدك كثيراً, خذه لو سمحت “, وضع هيرام زجاجة الزيت على الطاولة في الممر بعدها أغلق باب غرفته وأتجه صوب سريره. شعر شبح كانتريفل بدهشة شديدة وغريبة لم يشعر بها من قبل, فقد عاش في هذا المنزل لأكثر من ثلاثمائة عام وكان جميع الساكنين في هذا المنزل يشعرون بالخوف منه لأنهم يخافون الأشباح, ولكن هذا الأمريكي كان مختلفاً تماماً. لم ييأس شبح كانتريفل وقرر معاودة إخافة الأمريكي, فقام بعمل ضوضاء أكبر من تلك وسلط ضوءً أخضراً رهيباً على الممر, بعدها فتح باب آخر وخرج منه التوأمان وكانوا يحملون وسادات نومهم بأيديهم وقاموا برميها صوب الشبح وكانوا يضحكون منه بسخرية. شعر الشبح بالاستغراب والغضب في آن واحد, فلم يضحك أحد في وجهه من قبل, بل أن الجميع كانوا يخشونه, لم يعرف ما يقوم به لذا قرر الاختفاء من خلال الحائط وسرعان ما عاد الهدوء إلى المنزل. اتجه الشبح صوب الغرفة السرية في المنزل التي كثيراً ما كان يمكث فيها, فجلس على كرسي, وأخذ يفكر فيما حدث وكيف حدث, إن هذه أول مرة لا يخشاه حتى الأطفال, كم مرة قد أفزع الكثير من الناس وأرعبهم ولكن هذه المرة سكان هذا المنزل لا يخشونه, كم هذا غريب, كل هذه الأفكار دارت برأس شبح كانتريفل وبدا حزيناً. دأب واشنطن على إزالة بقعة الدم من على أرضية المكتبة كل يوم, ولكن وبمجرد ظهور نور الشمس تعود بقعة الدم للظهور ثانية, ولم تعد البقعة تحمل لون الدم, ففي إحدى المرات تحمل اللون البني وأحياناً اللون القرمزي وأحياناً أخرى تتحول إلى اللون الأخضر. وكانت عائلة هيرام تضحك على لون بقعة الدم بمجرد رؤيتها كل صباح قبل تناولهم وجبة الإفطار, ففي إحدى الأيام تساءل الابن واشنطن ضاحكاً وقال “ ما لون بقعة الدم اليوم؟ “ رد عليه التوأمان “ إن الدم اليوم أخضر يا عزيزي”, وانفجروا ضاحكين ما عدا فرجينيا لم تشاركهم الضحك, فقد كانت صامتة طوال فترة الإفطار, وكانت تشعر بالأسف تجاه هذا الشبح الغريب عندها قالت “ لقد مضى على بقعة الدم هذه أكثر من ثلاثمائة سنة, ونحن قضينا في هذا المنزل ما يقرب الثلاثة أسابيع فقط, ويقوم الشبح بوضع البقعة ثانية كل مساء, ألا تستطيعوا تركه احتراماً لمشاعره على الأقل, ولكن لم يستمع إليها الآخرون. كان الظهور الثاني للشبح في ليلة الأحد, وكانت عائلة هيرام قد ذهبت إلى السرير, وفجأة أيقظهم صوت تحطم شيء ما بصورة رهيبة في الطابق السفلي, نهض جميعهم من أسرتهم واتجهوا إلى الأسفل وكان هيرام وولده الأكبر يحملون شموع في أيديهم فقد كان المكان مظلماً جداً وقد سمعوا ضجة أخرى في الدهليز القريب من الباب الأمامي. كانت هناك بزة عسكرية في الدهليز من طراز قديم يعود إلى قبل ثلاثمائة سنة, وقد وقعت من على الحائط إلى الأرض وأحدثت تلك الضجة الصاخبة, وكان شبح كانتريفل جالساً على الأرضية مقابل تلك البزة القديمة. لقد حاول الشبح ارتداء تلك البزة القديمة لإفزاع عائلة هيرام ولكنه فشل في ذلك لأنها كانت ثقيلة وبالتالي سقطت على الأرض وأحدثت تلك الجلبة, وقد قام الشبح بتدليك ركبته بسبب الألم الذي أحدثته تلك البزة أثناء سقوطها عليه, وبسرعة صوب هيرام مسدسه صوب الشبح وكانت فرجينيا تشعر بالخوف ووقفت بجانب والديها, وجميعهم كانوا ينظرون للشبح. كان الشبح غاضباً جداً وصرخ صرخة مدوية أسقطت الشمعة من يد واشنطن حتى حل الظلام عندها هرب الشبح إلى الطابق العلوي وعندما وصل إلى هناك أطلق ضحكة هستيرية مفزعة أفزعت الكثيرين الذين عاشوا من قبل في هذا المنزل, ولكن هذه العائلة الغريبة لم تشعر بأي خوف, بل على العكس فقد سأله رب العائلة وبكل هدوء قائلاً “ هل تشعر بألم؟ لدي علاج فعال لآلام المعدة, خذه ولا تتردد”. هنا اشتد غضب الشبح ولكنه لم يستطع عمل أي شيْ, فاختفى بسرعة وعاد إلى مخبئه السري, فقد كان حزيناً لفشله المتكرر في إفزاع هذه العائلة. بدأ الشبح بوضع خطط جديدة لإفزاع عائلة هيرام, فقرر أن يفزع التوأمان, وكانت خطته تقتضي أن يزورهم ليلاً وان يطلي نفسه باللون الأخضر وان يقوم بإحداث ضجة رهيبة في غرفتهم وكذا لمسهم بيديه الباردتين. صعد إلى الطابق العلوي واتجه صوب غرفة التوأمان وكانت تقع في نهاية الممر على الناصية, وفجأة تسمر مكانه وطل الرعب من عينيه لهول ما رأى : فقد رأى وجهاً مستديراً بشعاً ذو فم رهيب يبدي ناراً متقدة من الداخل وعينان مشتعلتان, لقد قابل شبحاً آخر, فصرخ فزعاً وهرب صوب غرفته السرية, لقد شعر برعب شديد لم يشعر به من قبل, فلم يرى مطلقاً شبحاً آخر غيره. وقبل بزوغ شمس النهار, بدا وان الشبح قد هدأ قليلاً وسأل نفسه “ هل هناك شبحاً آخر غيري في هذا المنزل؟ علي أن أجده إذن “, بعدها صعد ثانية واتجه صوب غرفة التوأمان, فوجد الشبح الآخر مائلاً أمامه ولكن عيناه هذه المرة لم تكن تشتعل, فتمالك شجاعته وقام بلمسه عندها وقع الرأس على الأرض فأدرك بان هذا الشيء الذي أفزعه لم يكن سوى نبات من نوع اليقطين ذو رأس كبيرة, وقد وضع التوأمان الشمعة في داخله وبدت عيناه وكأنهما تشتعل, كما وجد بطاقة على الأرضية كتبها التوأمان للشبح تقول “ إن شبح عائلة هيرام هي الشبح الحقيقي لشبح كانتريفل “. عندها أيقن بأن التوأمان قاموا بوضع هذه النبتة لإفزاعه, وهنا شعر بغضب شديد جداً, ماذا عساه أن يفعل؟ أخيراً قرر العودة ثانية إلى غرفته السرية. شعر الشبح بالتعب والإرهاق, فمكث في غرفته خمسة أيام كاملة, وبعدها بأسبوع شعر بتحسن وقرر أن يفزع التوأمان, فقد قام هذه المرة بجعل وجهه بشعاً جداً, وانتظر حتى منتصف الليل عندها قام بهدوء بالتوجه صوب غرفة الصغيرين, وكان الوقت الواحدة بعد منتصف الليل, وكان باب الغرفة موارباً, قام الشبح بنزع رأسه وحمله على يده, كان المنظر مرعباً بالفعل, فقام بضرب باب الغرفة بعنف حتى ارتطم بالجدار, ولكن في نفس اللحظة سقط عليه إبريق كبير ملئ بالماء من أعلى الباب, كان الصغيران قد وضعاه كمقلب للشبح وكانوا يضحكون عليه بشدة فقد تبلل كله بالماء, فلم يعد بوسعه عمل شيء فنزل هارباً صوب غرفته السرية وكان الصغيران يضحكان عليه من الخلف, حقاً لقد كان شبحاُ تعيساً. بعد تلك الحادثة لم ترى عائلة هيرام شبح كانتريفل في الليل وكان الصبيان قد وضعوا حيلة جديدة له, فقد نصبوا له حبلاً يطل على الممر وقاموا بربط الكثير من الأواني المعدنية عليه ولكن الشبح لم يظهر, وظهر بعدها هيرام يسير على الممر فلم يرى الحبل فتعثرت قدمه ووقع وكان شديد الغضب. كانت فرجينيا هي الأخرى تشعر بالغضب من أخويها فصرخت في وجههم قائلة “ ألا يمكنكم التوقف عن إزعاج الشبح المسكين؟ لماذا تستمتعون بإيذائه؟ لقد عاش في هذا المنزل لفترة طويلة, أتركوه وشأنه “ لم يصغي الصبيان لأختهما بل حتى لم يعيراها أي اهتمام, ولكن الشبح سمع كلام فرجينيا مما أحيا الأمل في نفسه ثانية وفي أحد الأيام في وقت الظهيرة توجهت فرجينيا إلى المكتبة, وكان الباب موارباً, فدفعت الباب بهدوء ودخلت الغرفة. كان هناك شخص يجلس على حافة النافذة, لقد كان شبح كانتريفل نفسه, كان ينظر بشرود تجاه النافذة, كانت هناك كلمات مكتوبة على زجاج النافذة, وكان يرتدي أفضل ثيابه, اتجهت فرجينيا نحوه بهدوء وقالت “ أشعر بالأسف نحوك لما تسبب به إخوتي من أدى لك, لم يكونوا لطفاء معك, ولكنك أيضاً حاولت إفزاعهم”, رد عليها الشبح “ نعم حاولت ذلك, إن مهنتي هي إفزاع أي شخص يقيم في منزل كانتريفل”, ردت عليه بعصبية “ إذن فأنت شرير, لقد اخبرتني السيدة آني, مدبرة المنزل بأنك قتلت زوجتك”, رد عليها “ أعترف بهذا, ولكن زوجتي كانت امرأة خائنة, كما لم يكن من العدل أن يقوم إخوتها بتعذيبي عن طريق منعي من تناول أي طعام أو شراب حتى الموت”, شعرت فرجينيا بالأسف تجاهه وقالت “ منعوا عنك الطعام والشراب حتى الموت!! يا لك من مسكين, هل أنت جائع الآن؟ هل تريد ساندويتشاً؟ “ رد عليها “ لا, شكراً, فأنا لا آكل أي شيء الآن, ولكنك فتاة طيبة على ما يبدو, إنك أكثر طيبة من بقية عائلتك, إنهم قساة ومتوحشين” هنا صرخت في وجهه وقالت “ أخرس, أنت أيضاً قاسي ومتوحش, لقد سرقت علبة ألواني, واستخدمتها لتلوين بقعة الدم في أرضية المكتبة ولم أخبر أحداً بهذا, ولكن الآن أنا ذاهبة لإحضار والدي”, بعدها انصرفت عنه مغادرة الغرفة ولكن الشبح تكلم ثانية ولكن بحزن قائلاً لها “ أرجوك, لا تذهبي يا آنسة فرجينيا, فأنا أشعر بالوحدة والحزن, ولا اعرف ماذا علي أن أفعل, لقد حاولت أن أنام فلم استطع”, ردت عليه “ من السهولة بمكان على أي شخص أن ينام, فقط أذهب إلى السرير وأغمض عينيك”, قال لها بألم واضح “ ألم أنم منذ اليوم المشئوم الذي قتلني فيه أخوة زوجتي قبل ثلاثمائة سنة”, هنا تأثرت فرجينيا بكلامه ونظرت خلفها ورأت وجهه وقد اكتسى بملامح حزن عميقة. وقالت بأسى “ يا لك من مسكين, كيف لي أن أساعدك لتنام؟ “, قال لها موضحاً “ في مكان ما بعيد في الغابة هناك حديقة صغيرة تنمو بها حشائش طويلة وسميكة مليئة بالزهور والأشجار, وبها طائر العندليب الجميل يغرد طوال الليل بصوته الشجي والعذب ولكنه حزين, كما أن النجوم البيضاء والقمر يطلان مباشرة على هذه الحديقة, إنها حديقة مسالمة”, هنا تأثرت فرجينيا كثيراً وقالت “ تقصد حديقة الموت؟؟!!”, رد عليها “ بل إنها حديقة الراحة الأبدية, وهي حديقة جميلة تمتاز بالوداعة والسكون, ولا يوجد بها ماض أو مستقبل, ووحده الحب من يستطيع فتح باب الحديقة, وذلك لأن الحب أقوى من الموت يا عزيزتي”, لم ترد عليه فرجينيا فلم يكن لديها ما تقوله له, فتابع قائلاً “ هل قرأت ما هو مكتوب على هذه النافذة “, ردت “ نعم, ولكني لا استطيع فهمه “, قال الشبح “ أنظري بتمعن, وحاولي القراءة مجدداً “, نظرت فرجينيا بتمعن صوب زجاج النافذة ورأت بعض من أبيات الشعر عليها تقول :-“ عندما تبكي فتاة ذهبية الشعرلذلك الشبح الذي لا يستطيع النومعندها يموت الموت أخيراًوتستطيع الأرض بعدها أن تنعم بالسكينة”قال لها الشبح بصوته الحزين “ تقول كلمات الأغنية بأنك يجب أن تبكي لأجلي, وعندها يستطيع ملك الموت أن يجعلني أرتاح, هل تقبلي مساعدتي؟ “, فسألت “ ما هو المطلوب مني؟ “, قال لها مشجعاً “ يجب أن تأتي معي صوب الظلام, سترين وتسمعين أشياء غريبة, ولكنها لن تؤذيك, إنك فتاة طيبة وشجاعة ولا يمكن أن تفزعي من الظلام “, لم تجبه وانتظر ردها إلى أن قالت أخيراً “ إنني لست خائفة, سآتي معك إلى الظلام “, هنا قبل الشبح يدها وكانت شفتاه باردة كالثلج, ولكنها كانت تشتعل كالنار, وأخذ يدها واتجه بها صوب حائط الغرفة, انفتح الحائط, ولكن كان يحيط به الظلام من كل جانب وكانت هناك رياح عاصفة باردة, كما سمعت عدداً من الأصوات تتكلم في الظلام وتقول “ عودي يا فرجينيا, عودي قبل فوات الأوان “, مشت فرجينيا صوب الظلام واختفى الاثنان داخل حائط المكتبة. في اليوم التالي أرسل هيرام بعض الخدم لغرفة ابنته فرجينيا ولكنهم عادوا وأخبروه بأنها غير موجودة, وقد بحث جميع الخدم وأفراد العائلة عن فرجينيا ولكن لم يعثروا لها على أي أثر, وكان السيد هيرام وزوجته في غاية القلق كان الوقت مساءاً في أحد أيام الصيف ولم تغرب الشمس بعد, لذا قرر جميع أفراد العائلة والخدم البحث عن فرجينيا في الحديقة قبل حلول الظلام, كان في الحديقة العديد من الأشجار وكانت بها بركة عميقة نظروا فيها وحاولوا البحث بين الأشجار, وسئلوا عدداً من الناس في محطة السكة الحديد القريبة من الحديقة ولكن من دون جدوى, عندها قرر السيد إخبار رجل الشرطة في القرية بخصوص اختفاء ابنته المفاجئ ولكن كان الوقت متأخراً فقد خيم الظلام ولم يستطع أحد من البحث عنها كما لم يرغب أحد من أفراد العائلة أن يتناول طعام العشاء أو حتى ينام فجلسوا في المكتبة وانتظروا وكان يحذوهم الأمل في عودة فرجينيا إليهم سالمة كما قرروا معاودة البحث عنها في صباح اليوم التالي كان الوقت في منتصف الليل عندما قررت العائلة العودة إلى النوم فقد غادروا المكتبة وبدأوا بالصعود صوب الطابق العلوي وفجأة دقت جميع ساعات المنزل معلنة الثانية عشر ليلاً وسمعوا بعدها صوتاً رهيباً فقد كان الرعد يضرب بقوة خارج المنزل وسمعت بعدها عائلة هيرام صرخة قاتلة كما سمعوا صوت موسيقى غريبة من الداخل وانفتح الباب في الطابق العلوي ظهرت بعدها فرجينيا وكانت واقفة عند مدخل الباب كان وجهها شاحباً كما كانت تحمل صندوقاً صغيراً سألها والدها بغضب “ أين كنت؟ لقد قلقنا عليك جميعاً “ ردت فرجينيا بهدوء “ أبي , لقد كنت بصحبة الشبح إنه ميت وتستطيع روحه أن تشعر بالراحة والسكينة وقد أعطاني هذا الصندوق قبل وفاته ويحتوي على العديد من المجوهرات بعدها قدمت صندوق المجوهرات لوالدها وكان بداخله قلادة مصنوعة من الحجارة الكريمة فسألها أبوها ثانية من أين أتيت بهذا ؟ وأين كنت ؟ أجابت تعال يا والد سأريك إياه عادت إلى الباب العلوي وتبعها والدها وجميع أفراد العائلة قادتهم من خلال ممر سري طويل حتى وصلوا إلى باب خشبي قديم وكان مفتوحاً وبداخله توجد غرفة صغيرة بها سطح منخفض وكان هناك خاتم حديدي كبير مثبت على الجدار به سلسلتان كبيرتان وفي نهايتهما هيكل عظمي قالت فرجينيا هذا الهيكل العظمي للسير سايمون دي كانتريفل لقد قتل زوجته عام 1575م بعدها سجنه أخو زوجته في هذه الغرفة وقد منع عنه الطعام والشراب إلى أن مات وظل شبحه في هذه الغرفة لمدة ثلاثمائة سنة ولكنه الآن يشعر بالسكينة نظرت عائلة هيرام حول الغرفة الصغيرة ولم تعرف ما تقوله من هول ما رأت أما فرجينيا فقد جثت على ركبتيها بجانب الهيكل وبدأت بالصلاة عليه بعدها بأربع ليال أقيمت جنازة وفيها قامت عائلة هيرام بدفن هيكل السير سايمون دي كانتريفل في مقبرة الحديقة بين الأشجار وقفت العائلة مع السيدة آمني مدبرة المنزل وجميع الخدم ووقف خلفهم كثير من أهل القرى المجاورة الذين أتوا لحضور الجنازة حملت فرجينيا بعض الزهور البيضاء وبدأت بالصلاة على روحه ونظرت إلى أعلى فوجدت النجوم البيضاء والقمر فتذكرت ما قال لها الشبح عن حديقة الراحة الابدية وبدأ طائر العندليب في اللحظة ذاتها يغرد بصوته الشجي والحزين هنا ألتفت فرجينيا إلى السماء ودعت الله قائلة يا رب أغفر له خطيئته بقتله زوجته .