د. شهاب غانم:في صباي كانت فكرة المقاومة وضرورتها امرا مفروغا منه. ثم جاءت افكار دخيلة تروج للتطبيع بل للإستسلام خصوصا بعد ان أصبح العالم تحت سيطرة قطب واحد وذلك تحت وعود التنمية والرفاهية، ورأينا ما حل بالشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية تحت تلك الوعود. ثقافة المقاومة، أي مقاومة الظلم والباطل والشر، هي جزء لا يتجزأ من ثقافتنا وهويتنا وحضارتنا العظيمة والنبيلة، لأنها جزء من ديننا وفكرنا وقيمنا التي يكرسها القرآن والحديث الشريف والشعر والأدب وتاريخنا بشكل عام منذ الجاهلية.يقول الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد:[c1]لا تسقني كأس الحياة بذلة *** بل فاسقني بالعز كأس الحنظل[/c]والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فالإسلام أقر ما كان سامياً من القيم قبل الاسلام مثل مقاومة الظلم ونجدة الملهوف والشجاعة. والقرآن يقول في سورة النساء (75) "ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيرا".ويقول في سورة البقرة (251) "... ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.." فالله يدفع الظالمين بمقاومي الظلم وأهل المعصية بأهل الطاعة.. الخ. والحديث الشريف يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك ان يعمهم الله بعقاب منه". ويقول "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان" ، او كما قال صلى الله عليه وسلم.ونحن اليوم نرى العدو الصهيوني يسومنا الحسف والهوان منذ اكثر من نصف قرن ونحن لا نحرك ساكنا من شدة الرعب منه وممن يقف وراءه، ثم نرى مقاومة ضئيلة في حجمها تذله وهو يمتلك واحدا من أقوى جيوش العالم وأحدثها تسلحاً، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. افتح شاشة أي تلفزيون اليوم لترى بعينك.يقول الإمام علي كرم الله وجهه "من كرمت عليه نفسه هان عليه ماله". وشاعر العربية الاكبر أبوالطيب المتنبي الذي اسهم مساهمة فعاله في تكوين هوية هذه الأمة وشخصيتها يقول:[c1]واحتمال الاذى ورؤية جانيه ***غذاء تضوى به الاجسامذل من يغبط الذليل بعيش *** رب عيش أخف منه الحماممن يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام[/c]ويقول:[c1]عش عزيزا أو مت وأنت كريم *** بين طعن القنا وخفق البنود[/c]وهو ما نراه اليوم في معارك جنوب لبنان، بل اكثر بكثير لأن العدو اليوم يمتلك ويزود بالقنابل الذكية الموجهة بالليزر، والتي تخترق الأرض لمسافة عشرين أو ثلاثين متراً ويمتلك كل انواع اسلحة الدمار الشامل ويستعمل حاليا بعض هذه الاسلحة المحرمة دولياً ضد مقاومة تمتلك اسلحة محدودة ولكن شجاعة غير محدودة وتمتلك المقدرة على الاستشهاد امام عدو يتفانى في حب الدنيا.يجب التشبث بهذه الجذور الثقافية الجبارة العصية على الهزيمة في نهاية الأمر مهما لحقت بالأمة من انكسارات بسبب جبروت التكنولوجيا وتخاذل جانب كبير من ابناء هذه الأمة.وهذه أمة تتداعى عليها الأمم بسبب دينها وثرواتها البترولية وغير البترولية وبسبب ارضها المقدسة في فلسطين.ومثل هذا الكلام ليس مجرد شعارات جوفاء انتهى عهدها كما يحاول الخانعون ان يقنعونا لأنهم آثروا ممالأه العدو القوي حبا للسلامة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن المثقف والمبدع والشاعر العربي لعب دورا مهما في تحرير الوطن العربي من الاستعمار البريطاني والفرنسي منذ اوائل القرن العشرين. ولعب دورا مهما في الصراع العربي ضد الصهيونية ومن يقف خلفها ومازال سواء كان من شعراء المقاومة الفلسطينيين أو من الشعراء العرب والمبدعين الآخرين. وعلى سبيل المثال نحن نذكر قول الشاعر الفلسطيني عبدالرحيم محمود الذي استشهد وهو يقاتل الصهاينة في صفوف المجاهدين قبل تمكن العدو من إنشاء الكيان الصهيوني:[c1]سأحمل روحي على راحتي *** وأهوي بها في مهاوي الردىفاما حية تسر الصديق *** واما ممات يغيظ العدى[/c]وهذا المثقف الحقيقي والعضوي أتبع القول بالفعل واستشهد. ولكن المثقف العربي تعرض بعد ذلك لانتكاسات كثيرة منها القمع من بعض حكوماته القمعية، كماتعرضت الأمة لعدد كبير من الحروب العبثية التي فرقت الصف امثال حروب "الخليج الثلاث" ويتعرض المثقف اليوم لضياع اللغة والهوية والتيه في البحث عن الحداثة تحت تأثير العولمة والأمركة التي تأتي لجيلنا الجديد بقيمها الاستهلاكية، وثقافة العنف العبثي من خلال افلامها بل وثقافة الجنس والبحث عن مختلف أنواع المتعة ولو كانت محرمة أو مضرة بالصحة.وليتنا كنا نستفيد من الغرب ايجابياته مثل النظام وحرية القول والتعددية، وحسن الادارة، والبحث العلمي والبعد عن الفساد، والانضباط، والجدية في العمل.. إلخ، ونتجنب مفاسده من انحلال خلقي وأثره وحب جنوني للاستهلاك والعنصرية والسطو على مقدرات الشعوب الأخرى والظلم الشنيع الذي نرى نماذج منه في أبوغريب وجوانتانامو ودعم للظلم الصهيوني الخ.بما ان المفكر والمثقف والمبدع العربي هو طليعة الأمة وضميرها، فإن عليه ان ينير الطريق للشعوب العربية للتمسك بهويتها ومقدراتها وثرواتها وارضها، وأيضا لتطوير وتنمية شعوبها لتصبح شعوبا متعلمة مدربة وجادة لا شعوبا مستهلكة خانعة، نحن اليوم أحوج من السابق الى المفكر والمبدع الذي يستطيع ان ينير لنا الطريق.
|
ثقافة
ثقافة المقاومة
أخبار متعلقة