سلوى اللوباني * طرح الشاعر "فاروق جويدة" في كتابه الجديد "هوامش حرة" كثيراً من القضايا مما يواجه مصير وطن ومستقبل أمة من خلال 34 مقال تناول فيها موضوعات مختلفة سياسية اجتماعية اقتصادية وثقافية تخص مصر والعالم العربي، وتميز اسلوبه بالبساطة في تحديد المشكلة أو القضية وأحياناً في تحليلها وطرح بعض الحلول او الافكار آملاً ببعض من التغيير في المجتمع المصري أو العربي، ونذكر هنا أن جويدة اعتمد نظرية المؤامرة في بعض تحليلاته لقضايا معينة تعاني منها مصر أو الدول العربية، كتاباته تعد شهادة كباقي الكتابات التي تتناول القضايا المهمة ولكن..ما يدعو الى التساؤل هنا..هل يتم الاخذ بعين الاعتبار بهذه الكتابات ومضمونها؟ هل تؤثر في صناع القرار؟ هل يتغير حال أي مشكلة أو قضية الى الافضل؟ وقبل أن تنتهي من هذه التساؤلات تجد رداً من "جويدة" في إحدى مقالاته فيقول.. "أعرف إنني كتبت هذا الكلام من قبل ذلك في أكثر من صورة..وأعلم أن ما كتبته اليوم لن يغير شيئاً.. وأعلم أن الحبر الذي ينزف من شرايين العمر لا يعني أحداً.. فلا أحد طلب منا أن نكتب..ولا أحد أمرنا أن نسكت..ولكننا للاسف الشديد اكتشفنا بعد أن رحل العمر.. وتسربت سنواته.. أننا نحرث في البحر"، ومن القضايا العربية التي طرحها على سبيل المثال اللغة العربية والأمن القومي، مفهوم الانتماء، ماذا قدم العرب في معرض فرانكفورت، مميزات الدول العربية، السياسة الامريكية الخارجية وخصوصاً مع الدول العربية، اغتيال رفيق الحريري، وما يجري في فلسطين والعراق، أما القضايا المصرية فكانت حول البنوك المصرية وشبح الخصخصة، المهرجانات وترشيد الانفاق، التعليم في مصر، الساحل الشمالي وقضايا الاستثمار، مكتبة الاسكندرية، ونقدم هنا بعض ما طرحه حول مسئولية ودور مصر العربي إضافة الى قضية الابداع ومفهومها، والشباب العربي والمحطات الفضائية الغنائية والاخبارية.[c1]مصر بين المسئولية والغياب[/c]يرى جويدة أن دور مصر عربياً يخبو ويذبل في تراجع تام، فهناك أطراف تسعى لتأكيد هذا التراجع الذي شمل كل الجوانب، فدور مصر الثقافي والحضاري والفكري يخبو يوماً بعد يوم ونحن غارقون في تفاهات كثيرة، وبدأنا نقبل ما كنا نرفض ونوافق على ما كنا نستنكر حتى وصل الامر الى التحييد الكامل لمصر في قضايا تدخل في صميم وجودها وأمنها القومي، فعلى سبيل المثال لم يسمع أحد صوت مصر والقوات الاسرائيلية تجتاح لبنان وتدخل العاصمة بيروت-1982-، ولم يسمع أحد صوت مصر والطائرات الاسرائيلية تضرب المفاعل النووي العراقي، ولم تتحرك مصر والطائرات الامريكية تضرب ليبيا، وصواريخ البنتاغون تنسف مصنعاً للادوية في الخرطوم، ولم تتحرك مصر والمؤامرات في جنوب السودان من كل لون وجنس، ولم نسأل ليبيا عن تغيير ثيابها كل يوم ما بين افريقيا والعم سام والاصدقاء والانجليز، ثم سقطت بغداد قلعة الرشيد حدث كل هذا ولم تتحرك مصر، لذلك يرى أن كل هذا جزء من السيناريو الرهيب الذي يهدف الى تحجيم دور مصر وتسطيح مواقفها والاستغناء عنها في كل شيء.[c1]الابداع بين الاسفاف والحرية[/c]يقول إنه يجب أن نفرق بين شاعر أو كاتب صنع تاريخاً وشكل وجداناً وقدم رصيداً من الابداع الحقيقي، ومئات الادعياء الذين لا تستقيم معهم جملة عربية سليمة، فيقول أن للابداع ضوابط وقواعد وقيماً فنية انسانية، ويتساءل هل كل من قدم أغنية فيديو كليب لفتاة عارية في أوضاع مخجلة أصبح مبدعاً؟ وهل كل من تجرأ على دين أو عقيدة أو رمز من رموزنا المقدسة أصبح في نظر نقادنا الكبار مبدعاً؟ وهل كل مجنون قدم كتاباً تجرأ فيه على الله أو الانبياء أو الرسل بحثاً عن الشهرة التي عجز عن تحقيقها بابداع حقيقي..أصبح مبدعاً؟، فهناك العشرات من الكتب التي لا تحمل قيمة فنية أو إبداعية في الرواية والشعر والمسرح والنثر الركيك، وهناك الكثير من الافلام من العار أن نحسبها على تاريخ السينما العريقة، وهناك كتاب مغامرون باحثون عن الشهرة وكل ما لديهم قدر كبير من "البجاحة" يستغلونه من أجل الوصول، فهل نحسب هؤلاء على تاريخ العقل العربي بكل تاريخه من العطاء والفكر والمصداقية؟[c1]حصار الموت وحصار العري[/c]يرى جويدة أن هناك حرباً إعلامية تقوم على خطط ودراسات وتستخدم فيها كل الوسائل ابتداء من الفضائيات وانتهاء بالطابور الخامس، كما يؤكد بأن معركة الاعلام هي الاقوى لانها تغير مواقف وتعيد تشكيل البشر، وتمهد لظهور أجيال لا نعرف مدى إيمانها بقضايا هذه الامة، فوجه نقده للفضائيات الغنائية والاخبارية، انتقد الفضائيات التي تدور فيها معارك لا نعرف أياً منها معنا وأي منها ضدنا، ومن منها الوطني ومن منها المأجور، وتناول الفضائيات الغنائية فعددها يتجاوز العشرين قناة يشاهد المواطن العربي من خلالها مساحات شاسعة من العري مجسداً في أغاني الفيديو كليب طوال 24 ساعة، وفي هذا المستنقع على حد تعبيره غرق الملايين من شباب هذه الامة حيث تسطحت الافكار واختلت القيم وتراجع دور الفنون الحقيقية أمام جنون العري وصخب الاسفاف، ويعتقد أن هذا الحصار لم ينشأ من فراغ ولكنه يعكس فكراً ودوراً مدروساً وعلل ذلك بأن هذا العدد من الفضائيات العارية لا يوجد في أي مكان آخر في العالم حتى أنه لا يوجد في الصين ذات الملياري إنسان، ولا يوجد في الهند ولا في أمريكا نفسها، فهو لديه شك أن يوجد في أمريكا 20 قناة غنائية عارية!! وهذا ما اعتبره أنها مؤامرة على مصر ويجب التوقف عند هذه المؤشرات فنحن أمام مشروع ضخم لاستنزاف قدرات الاجيال الجديدة إبتداء بالوقت وإنتهاء بالطموح، وهو مشروع كبير لتغيير المفاهيم والتقاليد والقيم، كما أنه يحتاج الى أموال طائلة ولا أحد يعرف مصادر تمويل نفقات هذه القنوات بملايين الدولارات، وهل هي أموال عربية أو اجنبية أو مجهولة الهوية؟ وفي تناوله للفضائيات الاخبارية قال بأنها تخصصت في نقل صور الدمار والموت في فلسطين والعراق وفي المسلسلات والبرامج التي لا تنتهي مع حصار الموت، فهو يتساءل لماذا لا تذيع هذه الفضائيات على شاشاتها غير جثث الشهداء العرب في فلسطين والعراق؟ لماذا لا نشاهد قتيلاً واحداً من قتلى الجيش الاسرائيلي؟ لماذا لا تذيع القنوات الامريكية صور قتلاها على شاشات التلفزيون وهم بالمئات منذ بدأت الحرب؟ ومن هنا يعتبر جويدة بأن هذا مقصود وهو أن القتلى دائماً من العرب والمسلمين والجثث المهانة دائماً لهم! فهو يرى أن هذا الالحاح على المشاهد بصور الموت والقتل والدماء في صفوف العرب تأكيد العجز العربي والهوان العربي، كما يطرح السؤال الاخطر من وجهة نظره لماذا سمح البنتاجون بنشر صور التعذيب والاغتصاب والمهانة في سجن أبو غريب؟ فذلك أيضاً يضمه الى المشروع المخطط والمدروس والمتقن الذي يسعى الى إهدار معنويات هذه الامة وتأكيد شعورها بالذل والعجز والهوان، فالهدف من ذلك أن تفقد الاجيال الجديدة إيمانها بقدراتها أمام إحساس مرير بالاحباط واليأس والضياع، ودعا علماء الاجتماع والنفس الى دراسة هذه القضية وهذه الظواهر...وينهي بتأكيده أننا فعلاً أمام مؤامرة!!
|
ثقافة
لماذا لا نسمع صوت مصر؟!
أخبار متعلقة