وزيرة الثقافة الجزائرية تفاجئ الحضور بأغنية للشيخ إمام
الجزائر / وكالات:يتوافد على مدينة "جميلة" الأثرية في شرق الجزائر منذ الأربعاء آلاف الزائرين لحضور المهرجان الفني السنوي الذي خصص هذه السنة لنصرة الشعب اللبناني في مواجهته للعدوان الإسرائيلي. وقد سمي المهرجان استثنائيا "مهرجان جميلة ـ بعلبك" على اعتبار أنه يستقطب أعمالاً كانت معدة للعرض في مهرجانات بعلبك الدولية في لبنان. ويحضر المهرجان عدد كبير من الشخصيات الرسمية وأعضاء المجالس المحلية في بلديات وولايات البلاد فضلا عن الحشود الجماهيرية الذين امتلأت بهم مدرجات المسرح الروماني رغم الجو البارد الذي يميز ليالي منطقة الهضاب العليا في الجزائر هذه الأيام. وافتتحت المهرجان وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي بالترحيب بالمطربين والمسرحيين والسينمائيين والشعراء والكتاب الحاضرين وأعلنت استعداد الجزائر لاحتضان كل الفعاليات الشعبية التضامنية مع لبنان وفلسطين. وفاجأت خليدة الجميع حين بدأت تغني "إذا الشمس غرقت في بحر الغمام ومدت على الدنيا موجة ظلام " للفنان المصري الراحل الشيخ إمام وكلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم، وغنت مقاطع عديدة من الأغنية وطلبت من الحضور الغناء معها. ثم بادرت الوزيرة تومي بتغيير كلمات من نشيد جيش التحرير الجزائري يقول "من جبالنا طلع صوت الأحرار ينادينا للاستقلال"،وأنشدت برفقة الجمهور: "من جنوبنا طلع صوت الأحرار ينادينا لنقاوم" وخلقت هذه المفاجأة حالة فريدة من نوعها وللمرة الأولى في تاريخ الجزائر يتحول وزير إلى فنان تغني معه مئات الحناجر. وعلق الكثيرون بأن خليدة كان يمكنها أن تكون فنانة لامعة لكنها اختارت أن تصبح أستاذة للرياضيات في مدرسة ثانوية قبل أن تصبح عام 1997 نائبة في البرلمان عن حزب علماني معارض ثم وزيرة في ثلاث حكومات جزائرية متتالية. وتناوب على منصة المسرح الروماني عدد من الخطباء كان في مقدمتهم الإعلامي اللبناني حيدر حيدورة وهو رئيس الجالية اللبنانية في الجزائر ومراسل قناة "إل بي سي" اللبنانية، وأكد حيدورة أن لبنان يقاوم ولن ينكسر وستكون مقاومته عاملا في ترميم التصدعات في البناء العربي. وركز الأديب إبراهيم صديقي مدير الأخبار في التلفزيون الجزائري الذي ترعى مؤسسته المهرجان مناصفة مع ديوان الثقافة والإعلام على دور المثقفين في المعركة على امتداد الوطن العربي ليس من أجل نصرة لبنان فحسب، ولكن لتحويل إنجازات المقاومة إلى انتصار حاسم على ذهنية المغلوب التي تسكننا منذ نكبة عام 1948. وبدا عبد الحليم كركلا قائد الفرقة اللبنانية الشهيرة التي تحمل الاسم ذاته متأكداً من النصر قائلاً:"إن لبنان أكبر من أن يقهر". ووقف الجميع حين قرأ مارسيل خليفة كلمة مؤثرة عن الجنوب وعن لبنان والمقاومة التي لن تموت ولن تحيد عن خط الحق والكرامة للبنان، قبل أن يدعو الجميع (الآن ننشد كلنا معا)وأطلق نشيده: (مناضلون بلا عنوان .. مناضلون في أي مكان .. نكتب سيَر الأبطال للأطفال .. ونحلم بالورد والخبز والزيت وكتب الحب والنار.. ورسم العصافير والتذكار وعشق المطر والأزهار) وغنى معه الجميع. فأغلب الحاضرين أنشد هذه المقاطع عشرات المرات، كون الزيارة هي السابعة من نوعها التي يقوم بها مارسيل، وفي كل مرة يغني في الجزائر كان يبدأ بـ "مناضلون " ويختم بها. وألقت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي كلمة شاعرية بدأتها بالقول: "مساؤكم مقاومة، مساؤكم صمود، مساؤكم نصر" وتحدثت عن لبنان وعن بيروت "العصية على الانحناء" وفي كلام مؤثر عن المجازر التي يرتكبها الصهاينة في قرى وبلدات ومدن لبنان.وقالت أحلام وهي زوجة الأديب والإعلامي اللبناني جورج الراسي وتقيم منذ سنوات طويلة في بيروت: "ليس الشهداء وحدهم من يموتون، فالمشاهدون يموتون عبر عدد نشرات الأخبار" وأبدع الشاعر الجزائري بوزيد حرزالله في قصيدة عمودية رائعة ارتجلها في المكان بعنوان "لحن الجنوب " وبدأها ببيت موجه إلى رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة قال فيها:"كفكف دموعك أجل الأحزانا ..ما أنت وحدك عاشق لبنانا". وبعد كلمات الصمود والتضامن انطلق الحفل الفني بأغنية "قاوم" للفنان محمد فؤاد وما أن بدأها بمقطع بلهجة جزائرية مهذّبة بدايتها "مهما تصوّب دباباتك مهما تشعل نار .. مهما تقتّل مهما تنكل وتهدم أسوار .. وتحاصرنا ياصهيوني أحنا أصحاب الدار"، ثم غنى الفنان الجزائري المخضرم محمد العماري "حيوا معايا ها الفرسان" وهي تمجيد للمقاومة اللبنانية ، وقد أعدها قبل أيام قليلة وجاءت بموسيقى عصرية شبيهة بموسيقاه التي كان يملأ بها كل الجزائر حين كان شابا ومن أهم الفنانين في البلاد فترة الستينات من القرن الماضي. ونزلت المغنية فلة من السلم إلى خشبة المسرح وهي ترتدي علم بلاد الأرز وأدت "لبنان العزة الأبدية". وكما هي العادة رفع الفنان التونسي لطفي بوشناق صوته عاليا معتزا بالعروبة وردد "أنا العربي ... أنا آخر من سيبقى ليشهد على الحياة". وكانت هذه الأغنيات مقدمة لرائعة "لبنان الفن والصمود " الأوبريت الذي أبدعته فرقة كركلا اللبنانية، وتجاوب الحضور مع لوحات رائعة كانت في حد ذاتها معرضا غنياً للغناء والأزياء والفن اللبناني الأصيل. وكانت هذه اللوحات معدة خصيصاً لتشارك بها الفرقة في مهرجان بعلبك، لكن الظروف دفعت إلى تغيير بعض جوانبها وتقديمها في مهرجان جميلة الذي تغير اسمه استثنائيا وصار "مهرجان جميلة ـ بعلبك" كما غير محتواه وصار " مقاوما". وسيستمر المهرجان عشرة أيام ويشارك فيه أكثر من خمسين من نجوم الفن والثقافة في الوطن العربي ممن أكدوا حضورهم وحجزوا أماكنهم حتى الآن والقائمة مفتوحة. فقد دعت منشطة سهرة الافتتاح جميع من يريدون التعبير عن نصرة المقاومة اللبنانية والشعب اللبناني للحضور، وقالت:"إن الجزائر تفتح ذراعيها للجميع من أجل لبنان، بينما قرر والي ولاية سطيف التي تنتمي إليها مدينة جميلة إلغاء تقديم تذاكر الدخول المجانية للمهرجان بعد اتفاق مع هيئة التنظيم من أجل ضمان مداخيل أكثر لدعم لبنان، كما جرى توسيع قدرة استيعاب المسرح من 3500 إلى خمسة آلاف متفرج. وتدفع كل مداخيل الأيام العشرة من المهرجان لصندوق التضامن مع الشعب اللبناني. وعلى هامش المهرجان تشهد مدن جزائرية عدة نشاطات ثقافية متنوعة حول لبنان وفلسطين لتعزيز الصمود في هذين البلدين الشقيقين، وتوعية الجزائريين بما يجري وحثهم على جمع المال للمساهمة في دعم ومساندة ضحايا العدوان الإسرائيلي الغاشم.