من الأدب الإنجليزي
تأليف / اوسكار وايلدالجزء الاول :استهلت الليدي ويندر مير حديثها للورد آرثر سافايل قائلة "اريد ان آخذك الى قارئ الكف الخاص بي", تساءل اللورد آرثر "ومن هو قارئ الكف هذا" ردت الليدي " انه شخص يستطيع معرفة مستقبل الناس من خلال قراءة أيديهم, وبما انك لاتزال شابا في مقتبل العمر فمن الضروري ان تعرف مستقبلك رد اللورد "اوه اتعنين بانه عراف؟" اسرعت الليدي بالرد قائلة "لا, لا, انه ليس عرافا, ان قارئ الكف اذكى بكثير من العراف, كما انه اكثر تحضرا منه, كل شخص هنا في لندن يتمنى لو واتته الفرصة للذهاب الى قارئ الكف, فأنا شخصيا اذهب اليه لقراءة كفي كل اسبوع", سألها اللورد "هل قارئ الكف هذا اجنبي؟" ردت "بل انكليزي, ويدعى السيد بوجرز" هنا قال اللورد "حسنا خذيني اليه للتعرف عليه فقط, انني لا احب ان اعرف مستقبلي, فأنا سعيد ومستمتع بحياتي في الوقت الحاضر, فقط اريد التعرف عليه" بعدها اتجه الاثنان بين كثير من الزوار في الغرفة وكانوا من طبقة النبلاء, وكانوا جميعهم ضيوف الليدي, وكانت هذه غرفة استقبال الضيوف لديها, وتعبر حفلات الليدي ويندر مير من اكثر الحفلات شهرة وتألقا في لندن كلها.كانت تقيم حفلة استقبال وتدعو جميع الشخصيات الاعتبارية والأكثر شهرة في العاصمة كل عام كان من بين المدعوين عدد من اللوردات وستة وزراء كانوا يتحدثون اليها ويبتسمون لها عندما تمر بهم, وكان هناك ايضا عدد من الشخصيات الدبلوماسية من مختلف البلدان, كما كان هناك العديد من الفنانين التشكيليين والموسيقيين والاطباء المشهورين وكان من بين المدعوين عالم متأنق يتحدث في السياسية والاقتصاد وآخر ثائر يتحدث عن القنابل .. .وكان هناك السيد بودجرز قارئ الكف, وبمجرد ان رأته الليدي قالت "ها هو السيد بودجرز, انه يتحدث الى الدوقة بيسلي. نظر اليه اللورد بتمعن وكان السيد بودجرز حينها ينظر في كف الدوقة, كان قصير الحجم, سمينا وتنبعث من وجهه ابتسامة غير بريئة, وكانت عيناه صغيرتين ولكنها مشعة ببريق غامض وكان يرتدي نظارة ذهبية, وبينما كان يرفع اليد اليمنى للدوقة وينظر اليها بدقة وتمعن قال لها وهو يحني رأسه "ان يدك جميلة يا سيدتي" قالها وقد انبعثت منه ابتسامة ماكرة, نظر اللورد الى يد الدوقة ووجدها صغيرة وقبيحة لقد احس بأنه منافق. لوحت الدوقة بيدها اليسرى وابتسمت للسيد بودجرز الذي استمر بالقول ان يد صاحبة السيادة متخصصة في عقد الصفقات التجارية", فقالت الدوقة وقد سرها ما قاله بودجرز فقالت " عندما كنت شابة تزوجت اللورد بيسلي, وكان حينها يملك احدى عشر قلعة ولايمتلك منزلا واحدا, فأشرت عليه ببيع القلاع وانا الآن املك اثني عشر منزلا ولا املك قلعة واحدة" ضحك الجميع من قولها, وكان اكثرهم ضحكا هو السيد بودجرز بعدها اراد جميع الحضور ان يقرأ السيد بودجرز ايديهم, ما عدا اللورد آرثر سافايل انتظر وراقب من بعد. كان الدور هذه المرة على السير توماس المستكشف الشهير, فمد يده الى بودجرز الذي بدوره نظر اليهما وابتسم قائلا له "لقد واجهت الكثير من المغامرات, فقد ركبت البحر اربع مرات, اثنتين منها تعرضت سفينتك للغرق, وانت الآن، تخطط لرحلة بحرية جديدة, اصبت بمرض عضال عندما كنت في السابعة عشر من عمرك, كما اصبحت غنيا عندما بلغت الثلاثين, وانت تكره القطط".قال السير توماس بانبهار واضح "مذهل, كل كلمة قلتها كانت صحيحة, ان هذا لشئ عجيب", هنا قالت الليدي ويندرمير للورد آرثر "انه يقرأ الجرائد مثل قراءته لايدي الناس, ليس من الصعوبة في ان تعرف حظوظ الناس خصوصا المشهورين منهم حينما تقرأ الجرائد", فقال اللورد آرثر لها "اذن فأنت لاتؤمنين بقراءة الكف هذه؟", اجابت الليدي "لانني وجدته مسليا, استطاع ان يبهر كل ضيوفي", في هذه الاثناء كان الجميع بالفعل منبهرا بالسيد بودجرز, وكان الجميع – ما عدا السفير الروسي – قد قرأ لهم السيد بودجرز ايديهم, في حين انتظر اللورد آرثر وراقب الاحداث عن بعد. قالت السيدة ويندر مير "والآن ايها اللورد آرثر لقد حان دورك, اريد ان اعرف مستقبلك", فسأل اللورد "لماذا" فأجابت : لان خطيبتك سيبل ستأتي غدا لتراني, وانت مقدم على الزواج منها الشهر القادم, اريد ان أتأكد من انك ستكون سعيدا معها, اريد ان اتأكد من انك ستكون سعيدا معها, متى اخبر سيبيل بالاخبار المفرحة؟, ابتسم السيد بودجرز لليدي وقال : سأكون سعيدا لو قمت بذلك. عندها امسك بودجرز باليد اليمنى للورد آرثر, عندها امتقع وجهه ولم ينبس ببنت شفة, ثم اعاد النظر في يديه وبتمعن هذه المرة لاكثر من دقيقة, وفجأة شعر اللورد آرثر بالخوف, وقال : انني منتظر قول السيد بودجرز, وقالت الليدي مؤكدة : جميعنا ننتظر رد السيد بودجرز, بعدها اخذ لسيد بودجرز اليد اليسرى للورد ونظر اليها بتمعن, كان وجهه يدل على انه رأى شيئا رهيبا, ولكنه غير سحنته بسرعة وابتسم بمكر كعادته وقال : انها يد شاب لطيف ومبهر, هنا قالت الليدي وبدا ان صبرها قد نفد, بالطبع انها كذلك, ولكن هل سيكون زوجا مبهرا؟ هذا ما ارادت معرفته, اجاب السيد بودجرز جميع الشبان المبهرين ازواج مبهرين, فقالت الليدي : اعرف ذلك, اخبرني عن مستقبله, ماذا سيحدث له في المستقبل؟, اجابها : لايوجد الكثير حول مستقبله .. سيذهب في رحلة.. قاطعته : بالتأكيد سيذهب في رحلة, انه سيتزوج الشهر المقبل فمن الطبيعي ان يقضي شهر العسل مع زوجته, هل تعني هذا, هل تقصد بالرحلة شهر العسل؟, اجابها : لست ادري, كما انني اعرف ان احد اقاربه سيتوفى قريبا, قالت الليدي : من؟ لا تقل لي اخته؟, اجابها : لا, لا, ليس من عائلته الخاصة, ولكنها ربما ... عندها صمت عن الكلام, هنا كانت نهاية غير سعيد لليلة جميلة. بعدها دعت ضيوفها قائلة : حان الوقت لتناول العشاء, تفضلوا ان الطعام جاهز, بعدها خرجت من الغرفة صوب مائدة الطعام وتبعها ضيوفها ما عدا اللورد آرثر والسيد بودجرز نظر اللورد بغضب تجاه قارئ الكف وقال : اخبرني ماذا رأيت في يدي؟ فأنا لست طفلا, علي ان اعرف الحقيقة, اخبرني الآن وسأدفع لك مائة باوندا, هنا برقت عينا قارئ الكف بخبث وطمع, فقد كان المبلغ المعروض عليه كبيرا, عندها قال : حسنا, خذ هذه, انها بطاقتي وفيها عنواني ارجو ارسال مبلغ المائة باوند الى مكتبي غدا, والآن سأخبرك ماذا رأيت في كف يدك, ولكن لن تحب ذلك. اخذ اللورد البطاقة الخاصة بقارئ الكف وبدأ يصغي اليه. بعد مرور عشر دقائق, غادر اللورد منزل الليدي ويندرمير ولم يلق عليها التحية, وكان قلقا ومضطربا وخائفا. بعدها ابتعد خارج المنزل وابتعد اكثر خارج الشارع الفخم, كان يسير مارا بشارع اكسفورد ومارا بعدها ببعض الشوارع الشعبية لمنطقة بوهو, وكانت افقر منطقة في لندن كلها, اثناء مروره سأله شحاذ بعض المال, كما رأته امرأتان مع ماكياجهما الصاخب وقد ضحكتا منه, ورأى ايضا قتالا في الشارع وكان الوقت مظلما, وسمع صراخا ينبعث من الأفق المظلم لمبنى قذر, عندها اوقفه شرطي قائلا له : إن من الخطر على رجل نبيل مثلك ان يسير وحده في هذه الازقة الفقيرة خصوصها في الليل. شكره اللورد ولكنه تابع سيره, ورأى شحاذا آخر فوضع قطعة من النقود في يده, وكان يتساءل هل صحيح ان مستقبل الانسان مكتوبا في يده؟؟ّّ هل يستطيع السيد بودجرز التنبؤ بالمستقبل؟ لقد تنبأ السيد بودجرز بمستقبل اللودر من خلال قراءة خطوط يده, ولكن لا, لايمكن للورد ان يؤمن بأن السيد بودجرز يستطيع تغيير المستقبل, ولكنه ربما يستطيع ان يجعله متغيرا بطريقة او باخرى. كل هذه الافكار دارت برأس اللورد بينما اتجه في سيره صوب ناصية ميريلبون في لندن, ولم يكن يعلم الكثير عنها ومن ثم انعطف صوب شارع اكسفورد وكان الشارع مزين بكثير من مصابيح الانارة وكان الضباب ينبعث من النهر, وبينما كان مارا بشارع ريتش رأى رجلين يقرآن اعلان على الحائط وضعته الشرطة, اتجه اللورد صوب ذلك الاعلان وحين شرع بقراءته وجد كلمة (قتل) مكتوبة بحروف سوداء كبيرة, لقد كانت هناك جريمة قتل في سوهو, ويقول الاعلان ان الشرطة ستقدم مكافأة مالية مجزية لمن يدلي بمعلومات او تفاصيل حول هذه الجريمة, وكانت هناك صورة للقاتل على الاعلان, فكر اللورد قليلا ثم قال لنفسه ربما ستقوم الشرطة في المستقبل بوضع اعلان آخر عن جريمة قتل اخرى يحمل صورتي, انه قدري كي اكون قاتلا, لقد قال السيد بودجرز بانني سأقتل شخصا ما قريبا.عاد اللورد الى بيته الواقع في ميدان بيليجراف, وقد توجه الى السرير مباشرة وغط في نوم عميق لم يصحُ منه الا في الساعة الثانية عشرة من اليوم التالي, وكان يفكر في خطيبته سيبيل التي كان يحبها كثيرا وكان من المقرر ان يتزوجها الشهر المقبل, وفكر كثيرا فيما قال له السيد بودجرز : انك ستقتل شخصا ما قريبا, ولكنه عاد يتساءل قائلا : ولكن من سأقتل؟ لم يوضح السيد بودجرز, وتساءل ثانية : لماذا علي ان اصدق قارئ الكف؟, هنا بدأ يشعر بالخوف, شعر بان كلام قارئ الكف السيد بودجرز فيه شيء من الصحة, فقال لنفسه (اذا كنت سأقتل شخصا ما, فمن هو يا ترى؟ وأين؟ ومتى؟, دارت كل هذه الاسئلة في رأسه عندها قرر اللورد ان يقوم بشيئين اساسيين في حياته الاول هو عدم الزواج من خطيبته سيبيل في الوقت الحالي على الاقل والثاني هو ان يصنع مستقبله بنفسه وان يقتل شخصا ما, قال لنفسه ربما يكون هذين القرارين غريبين ولكنني سأنفذهما, وقد قال له قارئ الكف شيئا آخر وهو : احدا من أقربائك سيتوفى قريبا, ربما ابن او ابنة عمك, لم يكن للورد ابناء او بنات عم كثر فقط كان له ابنة عمه الليدي كليمنتينا بوتشامب, وهي سيدة عجوز عاشت في شارع كروزون, وقد قرر اللورد قتلها قائلا لنفسه : انها امرأة عجوز ولن تعيش طويلا, سأقتلها وبعدها سأتزوج من خطيبتي سيبيل. بعدها توجه صوب مكتبة كبيرة واتجه نحو قسم المراجع الطبية, واختار مرجع بعنوان "علم السموم" وكان مرجعا متخصصا بالسموم وكان هناك سم قوي وسريع المفعول يدعى (اكونتاين) يقتل بدون ان يحدث أي ألم, عندها دون اللورد اسم السم واتجه صوب اقرب صيدلية لشرائه. وبعد وصوله الى الصيدلية تحدث الى الصيدلاني قائلا له : لدي كلب كبير شرس قام بعظ الكثير من المارة يجب علي قتله, ولكن ليس باطلاق النار عليه, هل يمكنك مساعدتي؟ فأنا اريد سما قويا وسريع المفعول دون ان يحدث أي الم لقد اخبرني الطبيب بأن هناك سما يدعى (اكونتاين) اجابه الصيدلاني : نعم هناك سم يدعى اكونتاين, ولكنني لا استطيع صرفه لك, يجب عليك احضار اقرار خطي من طبيبك حتى امنحك هذا السم, رد اللورد : ان طبيبي هو السير ماثيو ريد كما انني اللورد آرثر سافايل, هل علي احضار اقرار خطي .. كما انني سأغادر البلد قريبا, انني في عجلة من امري, لقد سمع الصيدلاني باسم الدكتور ماثيو ريد من قبل, بل ان هذا الطبيب اشهر من نار على علم عندها قال الصيدلاني للورد : حسنا, ياسيدي اللورد, ان تعدني بأن تستخدم السم لقتل الكلب.., هنا قاطعه اللورد قائلا : نعم, بالطبع, اعدك بذلك, فقال الصيدلاني : حسنا سأقوم بتركيب السم واحضره لك حالا, بعد ان جهزها كانت حبة السم تبدو ظاهريا كحبة حلوى صغيرة ومستديرة. بعدها بنصف ساعة تقريبا, اشترى اللورد صندوقا صغيرا للحلوى من محل في بيكاديلي, بدأ برمى قطع الحلوى بعيدا وابقى حبة السم في الصندوق بعدها اتجه لزيارة الليدي كليمنتينا بوتشامب. عندما رأته الليدي سرت كثيرا وقالت : آرثر , انني سعيدة لرؤيتك, كيف حال سيبيل خطيبتك؟ هل كل ترتيبات الزواج جاهزة؟, اجابها اللورد : ان سيبيل بحال افضل, شكرا لك, لقد ذهبت لزيارة الليدي ويندرمير, وانا ذاهب لرؤيتها لاحقا, قالت الليدي بسرور واضح : كم هو لطف منك ان تأتي الى هنا لزيارتي, فأنا كما تعرف عجوز مريضة, كما انني اعرف بأنكم يا معشر الشباب تظنون بأني مزعجة, وزائري الوحيد هو طبيبي, قال لها اللورد : اعلم بأنك لست على مايرام, لذا جلبت لك بعض الدواء, سلمها الصندوق الصغير فنظرت بداخله واخرجت حبة السم ونظرت اليها وقالت : تبدو وكأنها قطعة من الحلوى, هل انت متأكد من انها حبة دواء؟ هل يمكنني تناولها الآن؟, رد عليها قائلا : انها دواء .. نعم .. ولكن لا تتناوليها الآن انها ذو جودة عالية تناوليها قبل النوم وستساعدك كثيرا في النوم, شعرت بالامتنان له وقالت: كم انت طيب يا عزيزي, سأحاول تناولها اليوم قبل النوم, فكما تعرف اني امرأة عجوز ضعيفة الذاكرة ولكنني سأحاول جاهدة ان لا انسى موعد زواجك وسأحضر الحفل, بعدها ودع اللورد الليدي كليمنتينا بعدها توجه ليرى حبيبته سيبيل في منزل ابيها في بارك لين, لقد اراد تغيير موعد الزواج ولكنه لم يكن يريد ان يجرح سيبيل, لذا طلب منها الانتظار قائلا لها : سنتزوج ياعزيزتي, ولكن ليس الآن, ارجوك ان تمنحيني بعض الوقت, وكل شيء سيكون على ما يرام صدقيني, لم ترتح سيبيل لكلامه, ولم تستطع ان تفهم لماذا يريد اللورد تأجيل موعد الزواج, جلس اللورد معها وتحدث اليها حتى المساء بعدها استقل قطار منتصف الليل المتجه صوب مدينة البندقية في ايطاليا.