نجوى عبد القادرطه حسين عميد الأدب العربي, صاحب المدرسة الحديثة التي وجهت الدراسات الأدبية وجهة جديدة نقلتها إلى عصر القوة والحرية والانطلاق, عاش في خضم تيارات عصره بكثير من الصدق والجرأة والإخلاص, فهدم وبنى وجرح وداوى برفق, وشارك كل تلك الأحداث بمقالاته ومحاضراته وكتبه وندواته بحس الأديب ورزانة المفكر, وعظمة الإنسان الحر المتمرد على الجمود.[c1]إن مقالاته التي انتظمتها بعض كتبه [/c]وهي مقالات كتبت في زحمة الأحداث تعكس أحداث عصره ومجرياته, وهو في جميع كلماته يعطي العقل المكان الأفضل لمعالجة الأمور بروية واتزان.“.. فالشعوب لا تعيش في هذه الأيام بالتهريج ولا ترقى باللعب ولا تنهض بأعباء الحياة وهي نائمة كاليقظة ويقظة كالنائمة. والحضارة التي تلائم الحياة الحديثة شيء كامل لا يمكن أن يؤخذ بعضه ويترك بعضه الآخر, وإنما يؤخذ كله أو يترك كله, فالذين يأخذونه كله هم الذين يحيون ويرقون ويفرضون أنفسهم على الزمان وعلى غيرهم من الناس, والذين يتركونه كله أو يأخذون بعضه ويتركون بعضه الآخر هم الذين يموتون أو يخملون أو يتعرضون للإذلال والاستغلال ويطمعون الناس في أنفسهم ووطنهم ومرافقهم كلها..”“ وفي الحضارة الحديثة كثير من النقائص, وكثير من الآثام ولكن الشعوب الجديرة بهذا الاسم تجد في إصلاح هذه النقائص وهذه الآثام تنقية الحياة الإنسانية من كل شائبة تنقص من قدرها, فإذا دعونا إلى الأخذ بأسباب الحضارة الحديثة كاملة فنحن لا ندعو إلى الأخذ بما فيها من النقائص والآثام, ولم نسمع قط أن الفن الجميل نقص أو إثم وإنما سمعنا دائماً وعرفنا أن الفن الجميل كمال ونقاء, فيه تزكية القلوب وترقية العقول وتصفية الأذواق”“.. ولابد من أن نلاحظ أن الذين طوروا الذوق الأدبي في النصف الأول من هذا القرن لم يكونوا - كما يظن كثير من الناس في هذه الأيام - يعيشون في البروج العاجية, ولا يعتزلون الحياة الشعبية, ولا ينأون بحال من الأحوال عن آلام الناس وآمالهم ولا يهملون قدرتهم وطاقاتهم, وإنما كانوا يعيشون مع الشعب بل يعيشون بالشعب وللشعب, يعيشون له لأنهم كانوا يعربون عن ذات نفسه, يصورون آماله ليحرص عليها ويجد في تحقيقها ويفتحون له آفاقاً جديدة من الأمل ليسرع إليها ويمعن فيها, ويصورون له آلامه ليبرأ منها ويضع عن نفسها أثقالها..”“ وأيسر القراءة في ما كانوا يكتبون تبين ذلك في غير لبس ولا غموض.. فهم الذين صوروا له الاستقلال وزينوه في قلبه.. وهم الذين بغضوا إليه الاحتلال وأثاروه على الإنجليز.. وهم الذين كرهوا إليه الاستبداد وأطمعوه في الحرية وأغروه بالإلحاح في طلبها.. وهم الذين أعدوه للثورة وأسخطوه على حياة سيئة كان يحياها, وهيؤوا ضميره ليسرع إلى الخير حين يدعى إليه, وينصرف عن الشر حين يرد عنه, ويتقبل الإصلاح حين يعرض عليه.. وهم قاوموا الاستبداد ولقوا في مقاومته ضروباً من الأذى وفنوناً من الذكر.. وهو قوموا المعوجين من الحكام وجدوا في صرف الشعب عنهم وتزهيده منهم..“ فعلوا كل هذا, وتقبل الشعب منهم ما فعلوا, واستجاب الشعب لهم حين يكتبون, ويسمع لهم حين يخطبون أو يتحدثون وهم على كثرة ما فعلوا وحسن ما أبلوا قد احتفظوا للأدب العربي بروعته ونضرته.”بمثل هذه الخواطر واللمحات من آرائه المنتشرة في الصحف والمجلات كان طه حسين يصور بعض نزعاته التجديدية وآرائه الجريئة.
|
ثقافة
آراء طه حسين الأدبية والفكرية ونزعاته التجديدية
أخبار متعلقة