من أعلام السينما العربية
إعداد/ داليا عدنان الصادق:تعلق الشاب فؤاد المهندس بنجم الكوميديا الكبير نجيب الريحاني، وكان يتسلل إلى الكواليس خلسة ليكون قريباً منه ويدرس كل تصرفاته وطقوسه قبل أن يصعد إلى خشبة المسرح ومع انتهاء عرض الرواية يجري فؤاد المهندس ناحية الكشك المواجه للمسرح الذي تعود نجيب أن يشتري منه السجائر كل ليلة.. وكم كان يتمنى أن يأخذ منه النقود و يشتري له علبة السجائر ويبقى الريحاني في عربته..تقابل فؤاد المهندس مع نجيب الريحاني وجهاً لوجه والفضل يعود في ذلك إلى شقيقته الإذاعية "صفية المهندس" التي أخذت تشق طريقها بنجاح في عالم الإذاعة وتعززت مكانتها أكثر وأكثر بعد أن تزوجت من الإذاعي الكبير "محمد محمود شعبان" الذي كان صديقاً للريحاني ودعاه لحضور حفل زفافه على صفية المهندس.. فكان كلما ذهب نجيب الريحاني إلى هنا أو هناك يجد فؤاد المهندس واقفاً أمامه أو إلى جواره لدرجة أشعرته بالاختناق منه وصرخ في وجهه قائلاً: " يا أبني حرام عليك.. خنقتني ومش عارف أتنفس ياللا أبعد من هنا" إلا ان فؤاد المهندس لم يتحرك من مكانه كأنه لم يسمع شيئاً وأدرك محمود شعبان الأمر فترك عروسه في الكوش واقترب من الريحاني وعرفهما على بعض وقال له إنه شقيق العروس وأنه مجنون وعاشق نجيب الريحاني ويقلده في كلامه وخطواته وتحركاته وجاءت اليهما صفية لتقول له يا أستاذ نجيب شقيقي الأصغر مجنون ومفتون بك وحول البيت إلى مسرح لأعمالك فضحك الريحاني وأخذه في أحضانه وربت عليه: معلش يا حبيبي أوعى تزعل مني ولم يتركه إلا بعد أن أخذ موعداً لزيارته في المسرح بشارع عماد الدين.كان فؤاد المهندس لايزال طالباً بكلية التجارة وأصدرت الكلية مجلتها السنوية وكانت مفاجأة للعميد وللأساتذة أن أجرى فؤاد حواراً مطولاً للمجلة مع النجم نجيب الريحاني قليل الأحاديث الصحفية والإذاعية فمنحه العميد مكافأة مالية ونشر صورة الريحاني مع فؤاد المهندس على الغلاف وتحتها عنوان "أصغر طالب في الكلية يجري حواراً مع أكبر نجم في مصر".. أقترب المهندس من الريحاني كثيراً فكان يعرف مواعيد سفره للخارج أو إلى الاسكندرية ويذهب للمطار أو إلى محطة السكك الحديد ليودعه.. ثم يكون أول من يستقبله وصارت بينهما معرفة قوية ويسأل عنه الريحاني إن غاب بسبب هذا الحب تفرغ فؤاد المهندس للعمل كسكرتير متطوع للريحاني وكان من نتيجة ذلك أن رسب عامين في الكلية وتلقى إنذار بالفصل وأضطر إلى أن يذاكر من جديد وينجح حتى لا تمنعه أسرته من التمثيل في فريق الكلية خاصة وأنه أصبح رئيساً لفريق التمثيل وكانوا يخططون للفوز بالكأس المهداة من الفنان الكبير يوسف وهبي لتقام عليهما مسابقات في فن التمثيل بين كليات الجامعة.. والكلية الأفضل هي التي تفوز بكأس يوسف باشا وهبي!!نجح فؤاد المهندس في أقناع عميد الكلية بأن يتعاقد مع نجيب الريحاني لاخراج رواية لفريق التمثيل بالكلية حتى تحصل على كأس يوسف وهبي وبالفعل بدأ الريحاني عمل البروفات لمسرحية بعنوان "رواية كل يوم" وكان البطل بالطبع هو فؤاد المهندس الذي كان يواظب على حضور البروفات يومياً لمدة 4 ساعات.. وأنتظر الجميع ليلة العرض التي اهتمت بها كل كليات الجامعة فهي من إخراج نجيب الريحاني لكن حدث ما لم يكن في الحسبان فقد توفيت والدة بطل الرواية فؤاد المهندس واضطر الريحاني أن يسند دور البطولة لشاب آخر كان يحضر البروفات وحفظ السيناريو والنص تماماً.. وبرغم أن فؤاد المهندس لم يشارك في المسرحية إلا ان اللجنة أعطته جائزة أحسن ممثل بناءً على توصية الفنان نجيب الريحاني الذي أبلغهم بأنه ممثل ممتاز وموهوب وينتظره مستقبل كبير.ومنذ هذا اليوم أصبح فؤاد المهندس من أقرب الناس إلى قلب نجيب الريحاني خاصة وأنه قد تخرج وحصل على بكالوريوس التجارة (شعبة محاسبة) وتم تعيينه موظفاً برعاية الشباب في جامعة عين شمس ومن خلال هذا العمل اضطر ان يقرأ كثيراً عن المسرح وتاريخه وأصول الإخراج والتمثيل في مكتبة الكلية واخرج بعض المسرحيات ذات الفصل الواحد مجاناً لكلية الآداب والحقوق والتجارة والعلوم. ومن خلال مصاحبته لنجيب الريحاني في خطواته خاصة وأنه كان وحيداً بعد طلاقه من الممثلة والراقصة اللبنانية "بديعة مصابني" تعرف من خلاله على المذيع أحمد طه الذي كان يقدم برنامجاً كوميدياً في الإذاعة أصبح هو الأشهر فيما بعد وهو برنامج "ساعة لقلبك" على البرنامج العام بالإذاعة.انضم فؤاد المهندس إلى فريق عمل برنامج "ساعة لقلبك" وكون ثنائياً ناجحاً مع الفنانة خيرية أحمد زوجة المؤلف الإذاعي والمسرحي "يوسف عوف" الذي كان يكتب الفقرات الفكاهية لساعة لقلبك.ز وخيرية أحمد هي شقيقة الفنانة سميرة أحمد وشكلت ثنائياً ناجحاً ومحبوباً مع فؤاد المهندس وهي التي صارت حديث الناس في الشارع حتى الآن حيث يرددون عبارة "محموووود.. أجيب شاي بالطعمية السخنة ياحبيبي؟!".وفي البرنامج تعرف فؤاد المهندس أيضاً على عبدالمنعم مذبولي ومحمد رضا والإذاعي فهمي عمر.. وتكون ثنائي بين المهندس ومذبولي وكان الأخير هو الذي يقوم بكتابة الإسكتشات والمواقف الفكاهية وتفوق عبدالمنعم مذبولي ايضاً في الكتابة للإذاعة سواء الأعمال الكوميدية مثل ساعة لقلبك أو أعمال للأطفال كان يكتبها ليخرجها باباشارو "محمد محمود شعبات" مثل "عيد ميلاد أو الفصاد" و "حكايات طرزان" و "كينج كونج" و "كنوز الملك سليمان" وفي منتصف الخمسينات كان لابد ان يتزوج فؤاد المهندس ليكون أسرة وقد أختارت له أسرته العروس. ولد فؤاد المهندس في السادس من سبتمبر عام 1924م قدم خلال تلك السنوات العديد من الأعمال الجميلة التي لا يمكن أن تنسى وستبقى خالدة في الذاكرة منها " بنت الجيران- والأرض الطيبة وبين الاطلال وأميرة العرب وأرض النفاق ومطاردة غرامية والشموع السوداء وأخطر رجل في العالم وشنبو في المصيدة كما قدم فؤاد المهنس الذي عرف بخفة دمه وقدرته على أضحاك الناس العديد من الأعمال المسرحية التي ساعدت في إبراز العديد من الفنانين منهم: مسرحية "ربع دستة اشرار" عام 1970م التي أبرزت الفنان سعيد صالح ومسرحية "أنا وهو وهي" عام 1964م التي ساعدت في ظهور قدرات عادل الامام الكوميدية ومسرحية "سك على بناتك" مع الفنانة شريهان وغيرها من المسرحيات التي استطاع الفنان فؤاد المهندس من خلالهما إبراز وجوه جديدة صارت فيما بعد نجوماً ساطعة في سماء النجومية..رحل فؤاد المهندس عن عمر يناهز 82 عاماً بعد نصف قرن من العمل الفني في المسرح والسينما..