لندع الحروف تكتمل بين الأصابع فيما تستعد طيور التغيير التحليق في فضاء المعرفة .. والثقافة برونقها وحيويتها وعنفوانها تحمل على الدوام معاناة الناس وتعبر عن تساؤلاتهم وقلقهم وترفع عالياً قدرتها على فتح نوافذ الحرية .سعيد صالح بامكريد :لا شك إن النقاشات العميقة تؤدي إلى إيجاد مناخات صحية لتبادل الآراء وتلاقح الأفكار ونمو الوعي وتوطيد مفاهيم ثقافية وإنسانية عميقة وبالغة الأهمية مثل العمل على إرساء ثقافة الحوار داخل المجتمع , واتساع مساحة الحريات والإسهام في خلق ثقافة المواجهة والتصدي للمشاريع الصهيو أمريكية , وبكلمات أدق تكريس ثقافة المقاومة داخل مجتمعاتنا العربية باعتبارها ثقافة نوعية , ثقافة بقاء ووجود وانتصار .ما جرى ويجري في لبنان منذ بضعة أشهر يفضي إلى انتشار ثقافة المواجهة والمقاومة عند قطاعات واسعة من أبناء الشعوب العربية , ويعمق في الواقع الحياتي قدرة الشعوب العربية على التغيير وفتح نوافذ الحرية .لم يعد خافياً على أحد الدور الكبير الذي يلعبه الإعلام الجاد والصحافة الملتزمة بروح الأمة وقضاياها على ترسيخ ثقافة المقاومة الداعية كسر شوكة الغطرسة الصهيونية والاستكبار الأمريكي .. وبالمقابل لم تعد تنطلي علينا تلك الأباطيل والأكاذيب الزائفة التي يقذفها إلينا صباح مساء الإعلام الأمريكي المضلل وفضائيات الطبل والمزمار العربية .لماذا يحاول الغرب بكل وقاحة خصوصاً الأمريكي فرض مفاهيمه وأفكاره على المنطقة العربية وشعوبها دون احترام لخصوصيتها الثقافية وموروثها الفكري والإنساني ضارباً عرض الحائط بكرامتها وأصالتها ؟!هل يعي صناع القرار الأمريكي استحالة طمس وإدابة هوية ثقافية ضاربة في أعماق التاريخ ؟! وربما يسأل العرب والمسلمون أنفسهم أحياناً لماذا استهدافهم بالحقد والكراهية والحروب واتهامهم بالعنف والإرهاب ؟!لِمَ يصر الغرب الأمريكي والأوروبي على النظر إلى حضارتنا وثقافتنا بأنها ثقافة صدام ونزاع ورفض للآخرين بينما الحقيقة خلاف ذلك تماماً .الثقافة التي يطرحها الإسلام ويقدمها العرب والمسلمون هي ثقافة التسامح والتعايش واحترام الآخر ونبذ العنف والكراهية , لكنها ثقافة لا تقبل أن يكون صاحبها وحاملها في موقع الضعيف الواهن التائه .الحقيقة الماثلة أمامنا اليوم أن الغرب بجناحيه الأوروبي والأمريكي أصبح أداة أو آلة تحركها الصهيونية العنصرية نحو كراهية العرب والمسلمين. إن الشك والريبة تجاه الآخر هي ثقافة صهيونية وليس عربية إسلامية فإسرائيل هي التي ترتكب المجازر البشعة ضد الآمنين في فلسطين ولبنان , ثم ترفع عقيرتها بالصراخ شاكية باكية من الإرهاب اللبناني الفلسطيني .. هل بعد هذا كذب وزيف ؟!اليوم ثمة إشكالية تبدو أكثر بروزاً ووضوحاً من ذي قبل تتمثل في اتساع الهوة والفجوة بين الشارع العربي والحكام العرب .. بين أغلب الأنظمة السياسية في البلاد العربية والجماهير العريضة .. فالشعوب العربية تتحرق شوقاً وتغلي قهراً لمواجهة العدو الصهيوني بينما بعض الأنظمة تعلن على الملأ أمام الإملاءات الأمريكية , ولهذا ما يجعل المنطقة العربية بؤرة معارك مشتعلة , ومن البديهي القول إن الغزو والاحتلال يعطي شرعية كاملة لحق المقاومة , وكذلك القهر والظلم من قبل الحكام يستدعي بالضرورة رفضه والعمل على إزالته .. أليست لهذه سنة الحياة .تؤكد الحقائق والوقائع أن كثير من البلاد الإسلامية والعربية التي حققت تقدماً مادياً ومعنوياً ظلت محافظة على منظومة القيم التي تشكل جوهر الثقافة العربية الإسلامية , فالإسلام الذي يرفض الهيمنة والتسلط نجده يدعوا المسلمين للسعي نحو الحضارة والتقدم لكنه يمنعهم من الخضوع والانحناء لغير الخالق .نحن بحق ننفرد عن كل شعوب الأرض بأن ثقافة المقاومة مستمدة من المبادئ الأساسية للإسلام الحنيف , وهي مبادئ تؤكد فكرة الاختلاف والتميز عن الآخر دون أن يكون هذا الاختلاف مدعاة لعدم التسامح أو التعايش في سلام مع الآخر .إنهم يعلمون جيداً بأن حضارتنا العربية الإسلامية تمتلك شهادة تاريخية عن تسامحها وروعتها مقارنة بالحضارات والديانات الأخرى , ففي عصر انتشار محاكم التفتيش في قلب أوروبا كان الإسلام بإحتوائيته وشموليته يسعى دائماً لدمج الشعوب والثقافات الأخرى فيه , لأنه لم يقم وينهض على العرقية أو الشعوبية , بل هو ثقافة ربانية عامة يمكن أن تحتوي جميع الأعراق والطرائف والشعوب , وهذا ما حدث فعلاً عبر التاريخ الإسلامي والأندلس خير شاهد ومثال .من حسن الطالع أن ثقافة المقاومة أصبحت في السنوات القليلة الماضية وصولاً إلى يومنا هذا هي الثقافة الشعبية السائدة لملايين العرب والمسلمين في طول وعرض كوكب الأرض , وصارت هذه الثقافة هي المبادرة التي ينتجها المجتمع المسلم بشكل جماعي لدرء المخاطر عن نفسه وحماية كرامته والدفاع عن حقوقه وثرواته , وبالتالي فالمجتمع المسلم ليس بحاجة لمحرك خارجي أو وصاية خارجية لنيل حقوقه وصون كرامته , لأن هذا المحرك موجود أصلاً في جوهر عقيدته وحضارته وثقافته.العالم العربي بموقعه الاستراتيجي وممراته البحرية الهامة وما يمتلكه من ثروات نفطية ومعدنية يحظى باهتمام دولي متزايد , لا لشيء , إلا لإخضاعه ونهب ثرواته , وللأسف هذا هو السائد اليوم , لذا فالمواجهة والمقاومة ضرورية ويجب أن تتصاعد وتستمر ضد المستعمرين المحتلين لصوص ثروات الشعوب , ومن الضروري بمكان تغذيتها بثقافة عميقة رائعة المضامين جميلة الأشكال , متنوعة الصور ومتعددة الأضواء والألوان .
|
ثقافة
لنرسخ ثقافة المقاومة
أخبار متعلقة