مرافئ
ينتمي محمد محمود السلامي الى نوعية المخرجين التلفزيونيين المبدعين، والى القلة التي صنعت نجاح تلفزيون عدن من أواخر الستينيات من القرن الماضي، وحتى خروجه "غير الانساني" الى التقاعد وهو في اوج عطائه وابداعه!(37) عاما كاملة قضاها السلامي في عالم الابداع الاعلامي الذي بدأه عام 1968م من اذاعة عدن مقدما لبرنامج "اخواننا في المهجر"، محلقا عبر الاثير مع "النورس"، وداعيا الى عودة طيور "السنونو". ولكنه حقق شهرته الاولى في برنامج"رسوم على الهواء" الرمضاني عام 1969م.. اما نجاحه التاي فقد جاءه عن طريق البرنامج الاذاعي "فضل القمندان"، الذي جلب له شهرة اضافية كمخرج وفنان مبدع.فالعمل كان عن شخصية كبيرة لها شهرتها ومكانتها كشاعر وملحن. وقد اربتطت حياته بتطوير الاغنية اللحجية، وادخالها الى عصر جديد لم تعرفه من قبل هو الامير الشاعر احمد فضل القمندان.وكاتب العمل هو شاعر وملحن كبير، وقد عاصر القمندان. وهو واحد من الذين عقدت عليهم الآمال بتطوير وتجديد الاغنية اليمنية اللحجية. ولم يكن هناك من هو اقدر من الفنان الشاعر عبدالله هادي سبيت للكتابة عن القمندان.وساعد على الاسهام في نجاح البرنامج بالاضافة الى العاملين السابقين اشتراك ثلة من المذيعين البارزين في تقديم نصوصه امثال : عبدالقار سعيد هادي، احمد سعييد الحاج، والشاعر احمد صالح عيسى.بعد ان سجل السلامي شهادة ميلاده في الاذاعة كمخرج مبدع، نقل ابداعه هذا الى التلفزيون، اي الى الصوت والصورة بعد ان كان يعتمد على الصوت فقط. فواصل مسيرة صعوده الناجح من خلال برنامج (محطات على الطريق).اما النجاح الاكبر، فقد حققه السلامي باخراجه لبرنامج »نادي التلفزيون« ، مع المذيع النجم احمد ناصر الحماطي. وقد نقله هذا البرنامج الى طور جديد، وكرسه كمخرج (منوعات) من الطراز النادر.وقبل ذلك، فانه حقق شهرة كبيرة باخراجه لـ "مجلة التلفزيون"، حيث شكل ثنائيا ناجحا مع الاعلامي الكبير علوي السقاف - رحمه الله - كرئيس تحرير للمجلة، معتمدا على ثلة مذيعين مبدعين منهم : عبدالرحمن بلجون، عبدالقادر سعيد هادي، بدر الحماطي، ناصر هيثم وسميرة قائد. وكانوا جميعا ينتمون الى فئة المذيعين المثقفين.ونفس النجاح كان من نصيب برنامجه التلفزيوني (فنجان شاي) الذي يستضيف خلاله ابرز وجوه المجتمع في حوار ممتع يشمل الكثير من اوجه حياتهم وحياة المجتمع.وظل السلامي ولعشرين عاما كاملة يخرج بصبر واناة برنامج (المسابقات الرمضانية) في التلفزيون، ويبتكر في كل عام فكرة جديدة تختلف عن سابقتها مما يدل على انه فنان مبدع لايحب ان يكرر نفسه، ويحترم مشاهديه، وهكذا يواصل تألقه ونجاحه في سهرات غنائى على الهواء مستضيفا ابرز نجوم الغناء اليمني، وكان من ضيوفه احمد قاسم، محمد محسن عطروش، احمد السنيدار وسواهم. وتناوب على تقديمه الصحفي المتألق عبدالقادر خضر، والمذيع النجم جميل مهدي،ولم يكتف ابن السلامي بمقدرته الابادعية التي تتبدى اكثر ما تتبدى في برامج المنوعات، بل انه يسعى نحو مجال جدد هو الدراما الاذاعية والتلفيونية فيحق ق فيهما نجاحا وتألقا لايقلان عن بقية نجاحاته السابقة. ومن اشهر مسلسلاته التي ذاع صيتها "حنتوش" من بطولة الممثل الفنان سالم العباب، تأليف احمد اللحجي، ومسلسل " نعمان" ، من تأليف : احمد مسعد، وتمثل " فرقة لحج ". واخرج للاذاعة عددا كبيرا من المسلسلات التي حصدت النجاح.هذا جزء يسير من ابداع هذا الفنان والمخرج المبدع الذي حقق نجاحه بدأب، واستطاع بقلق الفنان المبدع وسعيه الى تقديم الافضل ان يجد دائما مخرجا لقهر الصعاب، ورغم الامكانيات المحدودة للتلفزيون يومها تمكن من جلب المتعة والفائدة للمشاهدين عبر برامج ستظل محفورة في ذاكرتهم، وجء من ذاكرة التلفزيون وتاريخه.ولعل في هذا بعض العزاء له، وبأن كفاح العمر طوالل تلك العقود التي تقترب من الاربعة بين الاذاعة والتلفزيون لم يذهب سدى. فقد صنع له تاريخا سيكون شاهدا له لاعليه. وحفر لنفسه مكانة في قلوب الناس الذين احبوا اعماله الابداعية، ووضع بصمته الى جانب اولئك الذين يعود اليهم الفضل صناعة العصر الذهبي لتلفزيون عدن.له العزاء في ذلك، او في بعضه. لكن لاعزاء على الاطلاق لاولئك الذين تعاملوا مع كل هذا التاريخ للرجل بأرقام غبية لم تر فيه سوى (الموظف) الذي يستحق الخروج الى التقاعد، لا كمبدع وفنان وانسان، وحتى حين قرروا ذلك فعلوه بطريقة تخلو من الذوق والانسانية!.يذكرني مصير السلامي بقائمة طويلة من المبدعين لم يكن مصيرهم يختلف في شيء عن مصير " سنمار"، ذلك المهندس المعماري الذي بنى للنعمان بن المنذر قصر »الخورنق« كأبدع ما يكون، ولكنه جازاه بالقتل لانه وضع "آجرة" في اساس القصر لو زالت لانهار ذلك القصر!.لكن السلامي وامثاله من المبدعين قدموا عصارة فنهم وابداعهم وكل ما يملكون من جهد وطاقة للمجتمع، ولم يخفوا شيئا، ولم يخرجوا سوى بالستر والعافية.. ولم يكونوا يستحقون هذا الجزاء.