أمل حزام ها أنا أرتشف كوباً من القهوة وأنا أنظر إلى عينيك مندهشة في رؤيتي صامتة وأنا أقدم لك كوباً آخر من القهوة الساخنة في ليلة باردة هبت فيها رياح قطب شمالية دخلت قلوبنا وصار الجفاء صديقنا السامر حينها انتابتنا لحظة صمت حاولنا فيها التماسك وتدفئة أنفسنا بالعيش معاً في حياة روتينية لم تعد تحتمل.فأصبحت مشاعرنا متجمدة لم تعد تحو منبع الاحساس الخلاب في قالب الحب القديم في أيام الشباب هكذا دخل هذا الضيف الغريب دون إرادة منا إلى حياتنا دون أن يقرع جرس الإنذار وما كنا لنسمح له بوضع فراشة بيننا حتى ضاق بنا الفراش ، فصحوت وأنا منتظرة لربما تستطيع الأيام والسنين محو تلك الخطوط السوداء التي بدأت بالظهور في طريقنا لنصبح في يوم وليلة غرباء يجمعنا سقف واحد نعقد تحته اتفاقية وهمية دون كلام على جدران بيتنا الحجري ونكتب عليه.. نبقى معاً رغم كل الظروف والمسافات التي تبعد قواربنا عن بعضها في شاطئ الجفاء يوماً وراء يوم حتى تتلاشى هذه المسافة التي بدأت بالظهور بيننا وتطوى في الأبدية وتتوقف اختلافات الأفكار بيننا وكذلك الخوف من المواجهة والرضوح للمصير في لحظة يأس .أدركت حينها أن فصل الخريف لا يحب المغامرة في ليالي الغربة وشجن الوحدة وقد بدأ القلب يقلل الخفقان ويميل أكثر إلى الهدوء والاستقرار ولذا فضلنا المكوث على طاولة السكوت ورشف القهوة في صمت معتاد ، وفي كل ليلة يطل علينا الأمس إذ لم يعد غيرنا يسكن هذا البيت بكل معالم الزمان والتي أصبحت تترك لمساتها على كل الأثاث . فتأثرت بما أحببنا وتمنيت أن يأتي يوماً يبدأ أحد منا في إختصار المسافات لفتح فرصة جديدة في باب الحوار حتى وان كان لم يعد له أهميته في هذه الأيام ، إذ دق بابنا قدر لم يترك لنا أي حق في الاختيار وأي فرصة لإنهاء هذا الجفاء، حيث ما زال البشر يخافون الوحدة ويرتعبون من شبح الشيخوخة .أفقت وأنا أتوقف عن شرب القهوة إذ لم يعد لها طعم ونظرت إلى رفيق دربي لأراه ما زال صامتاً مستسلماً لهذا الوباء . فقمت مرة أخرى بعد فترة من الجلوس وقربت منه إذ لم يعد له أي رائحة اتذكرها فالقيت عليه قبلة الوداع ولم أشعر بأي شيء تجاهه ، تنفست وأنا أبتعد عنه إذ لم أعد باستطاعتي تدمير نفسي أكثر من ذلك تاركة خلفي جثة مازالت تتنفس إلى حين حاملة في يدي حقيبة الأمل ذاهبة إلى مصير مازال في انتظاري دون علمي. فرأيت ( وأنا أمشي ) بالقرب مني عدداً من أوراق الخريف مثناترة على الطريق لتعبر الأرض بكلمات حق تقرر فيها ولأول مرة كيف لهم أن يعيشوا دون النظر إلى الخلف والتمسك بذكريات لم تعد ملكاً لهم إذ أصبحت في ماض كان.فجأة هتفت صارخة أنا أريد أن أعيش اليوم سواء كنت أنتمي إلى فصل الربيع أو إلى نهاية الخريف جسداً أم دماً أم قلباً .. فجاءت الكلمات قائلة ، ألا يهمك أيها الانسان كيف لك أن تقابل الموت جالساً على كرسي الذكريات في إنتظار همسات الأمس لتجلب لك السلوى اليوم في وقت أصبح صديقك المرض وآلام السنين والجرح القديم أم الأفضل لك أن تنسى ماضي يدمر حاضرك ويبعدك عن حب المغامرة في قارب الأحلام في وسط الريح باحثاً عن جزيرة مازلت تحلم بها منذ الطفولة وعن قلب ينبض بالحياة ويؤمن أن هناك مصيراً كتب له وليس مجرد خيال يجعلك خفياً من شبح الماضي يحاول بكل قوة اختراق الحاضر عبر ذكريات لم تعد تسعده ولو لحظة واحدة بل أصبحت عائقاً في حياته للبحث عن نفسه الضائعة بين صفحات قديمة تذكره بأنه مازال يملك حق الاختيار فالروح تستطيع دوماً أن تبقى في وسط حديقة تنتشر فيها الأزهار لترى نفسك من جديد بأنك مازلت قادراً على العطاء ..
|
ثقافة
الجفاء
أخبار متعلقة