برعاية الأستاذ/ عبدالعزيز عبدالغني عقدت في جامعة عدن ندوة "محمد علي لقمان .. رائد حركة التجديد في اليمن" حيث اختتمت أعمالها ظهر أمس بعقد الجلسة الختامية وقراءة القرارات والتوصيات.وكنا قد غطينا فعاليات الندوة وننشر هنا نصوص الكلمات التي ألقيت في الجلسة الافتتاحية نستهلها بالكلمة التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية الأستاذ/ أحمد محمد الكحلاني محافظ محافظة عدن.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في هذا الموقف الجليل، للوفاء الوطني، يسعدني ويشرفني شخصياً وباسم السلطة المحلية والتنفيذية في محافظة عدن، أن أحيي بكل إجلال وتقدير ندوتكم العلمية التي تحتضنها جامعة عدن، في اطار من الزمالة العلمية اليمنية والعربية والأجنبية .. في هذه البيئة العلمية التي يتصدرها الباحثون والاساتذة المتخصصون وطلاب العلم .. وتحت سقف هذا الصرح العلمي اليمني الشامخ، الذي يتعهد تطوره وتقدمه بكل اقتدار ومسؤولية زميلي الأخ الأستاذ الدكتور/ عبدالوهاب راوح رئيس جامعة عدن .. ومن وراء الجميع تراث غني بالاعمال الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية والأدبية والمسرحية لرائد حركة التنوير في اليمن الأستاذ/ محمد علي ـ لقمان المحامي الذي استطاع بعصاميته المثلى، وثقافته الموسوعية العالية، وشجاعته الأدبية، وقامته الصحافية والسياسية والاجتماعية أن يحفر اسمه في عمق حياتنا الوطنية .. وان تنتظم قافلة الرواد المبدعين في اليمن اسمه المشرق بالنقاء الوطني وكل اعماله التنويرية والإبداعية المتسمة بالريادة في عمق ذاكرة تاريخنا لوطني كعلامة فارقة في الثقافة اليمنية المعاصرة. والمناضل المتجذر نسبه في قبيلة همدان اليمنية الذي إذا ما استنطقنا رصيده، ومآثره، ومواقفه الشجاعة، نكتشف إننا امام رجل وطني وحدوي غيور، استطاع في أشد وأحلك الظروف ضراوة وقسوة وتعقيداً أن يضم بجناحيه الوطن اليمني كله بجميع همومه، وآلامه،وتطلعاته وطموحاته .. كانت كتاباته نسيج العناق الوطني الوحدوي المتين .. وكانت لغته شديدة الوقع والأثر على الإمامة والاستعمار حين يستبد بالوطن اليمني الألم وكانت شخصيته المتواضعة آسرة بإنسانيته وشفافيته الحادة، ومسكونة بقوة الأمل والايمان في المستقبل اليمني الواعد بالتقدم والنماء والازدهار .. أما مسيرة حياته فإنها حافلة بالبذل والعطاء والتضحية .. ورجل بهذا المستوى لايمكن تكريم اسمه، وريادته التنويرية والإبداعية الا بأبجدية الخلود والمجد.وتكريماً لهذا المفكر الكبير الذي يعتبر مدرسة في القانون والسياسة والصحافة أطلق المجلس المحلي بمحافظة عدن على الشاعر الذي كان يقع فيه مبنى صحيفة "فتاة الجزيرة" اسم شارع محمد علي لقمان.[c1]كلمة أ.د. عبدالوهاب راوح[/c]رئيس جامعة عدنالمحامي محمد علي لقمان رجل التنوير الاول في اليمن تدل على ذلك القرائن المعروفة والمجهولة في تاريخ حركة التنوير اليمنية، ذلك أن كشف المجهول ادعى الى اثبات المعروف من جوانب عدة ، وهو باعث على تجسيد ماقيل وما يمكن ان يقال في كثير من الظروف والاحوال. لقد حمل المحامي لقمان اعباء التنوير في ظروف اجتماعية- تاريخية محددة من تاريخ اليمن الحديث والمعاصر على امتداد نصف قرن من الزمان على وجه التقريب لا التحديد. وهي فترة زمنية ليست بالكبيرة، إذا قسناها بحياة الدول او الشعوب على السواء، لكن على الرغم من ذلك، فقد استطاع هذا المنور اليمني ان يحقق انجازات كبيرة للغاية في كثير من مستويات الواقع الذي عاش فيه، في تلك الفترة الاجتماعية- التاريخية المحددة.ومن المهم هنا الاشارة إلى أن المحامي محمد علي لقمان كان قد قدم منجزه الحضاري- التنويري- في ظروف صعبة ومعقدة، فقد مرّ خلال حربين عالميتين، الواحدة منهما أسوأ من الاخرى في تاثيرها على المنطقة العربية، ومنها اليمن ولعل مراحل التشكل والتكون بعد الحرب العالمية الثانية كانت هي الادهى والأمر، لقد عاصر الحركة الوطنية اليمنية واندمج فيها، وانخرط في الصفوف الاولى منها، وابتدأ العمل الصحفي الوطني - اليمني- الاهلي، وحقق نجاحا منقطع النظير حيث اخفق الآخرون قبل ذلك ، ولا نستطيع نحن ان نحصي مجالات المنجز الحضاري التنويري في هذه المقدمة التي ترغب في تحديد الامور في شيء من الايجاز والوضوح، ذلك ان مجرد الاحصاء لاغير يحتاج الى كتابات مطولة.لكننا لابد ان نشير هنا الى ذلك الموقف الوحدوي الكبير الذي وقفه لقمان والذي تجلى في احتضانه حركة الاحرار اليمنيين، ومشاركته الفاعلة في ثورة 1948م، ومساندته ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وهو الشيء الذي عبر عنه في كثير من المواقف العملية والنظرية ، وقد اتضح كل ذلك في كتابه « قصة الثورة اليمنية».كل ذلك املى على جامعةعدن اقامة ندوة علمية تحاول التعمق في اتجاهات فكر لقمان ومنجزه الحضاري التنويري الذي حققه داخل اليمن وربما خارجه، وتعمل على بعث تراثه الفكري والادبي الذي كاد ينطمر بفعل عوامل التعرية المتعددة التي هبت عليه من جميع الجوانب، ونحن نجد ان الدراسات والورق العلمية المقدمة الى الندوة قد استطاعت ان تكشف كثيراً من مبادئ هذا الفكر وكثيراً من اهداف ذلك المنجز الحضاري التنويري، غير ان لقمان مازال بحاجة الى قراءته واعادة قراءته.ولابد هنا من توجيه الشكر الى الباحثين والى الذين عملوا على تحقيق هذه الندوة في اللجان العاملة، والمطبعة وهم كثيرون لكنني اخص بالشكر الاستاذ الدكتور احمد علي الهمداني الذي تحمل مشاق انجاز هذه الندوة وصعوبة انعقادها في وقتها المحدد.ولايسعني هنا الا ان اتوجه بالشكر والعرفان الى الاستاذ عبدالعزيز عبدالغني رئيس مجلس الشورى الذي رعى هذه الندوة رعاية كريمة واغدق عليها الشيء الكثير من اهتمامه وعنايته.[c1]كلمة أ.د. أحمد علي الهمداني[/c]نائب رئيس جامعة عدن لشؤون الدراسات العليا والبحث العلمي نائب رئيس اللجنة التحضيرية- رئيس اللجنة العلمية -المحامي محمد علي لقمان وعدن ظاهرتان متلازمتان لاتنفصل الواحدة عن الاخرى ولا تنفصم الواحدة عن الاخرى، الظاهرة المدينة اخذت تستعيد عافيتها وتسترد انفاسها متحدية ومتجاوزة في الآن نفسه عوامل التعرية. الظاهرة الرجل - المحامي لقمان بدأ يفصح عن نفسه ويعلن على رؤوس الاشهاد تراثه الفكري والنضالي الذي دفنته الاوضاع الكالحة والاحوال الكابية التي اصابت الظاهرة المدينة والظاهرة الرجل على السواء في وقت من الاوقات.كيف تصبح المدينة ظاهرة، هذا أمر لا يجهله العارفون بحقائق سيرورات المضامين الاجتماعية- التاريخية الكبيرة، اما كيف تصبح الشخصية ظاهرة فهذا مايحتاج الى بعض التوضيح، ذلك ان موضوع المدينة الظاهرة لايعنينا -على الاقل- في هذه الندوة التي اطلقنا عليها عنوان" المناضل الاول عندما اصدر صحيفته الناطقة باللغة الانجليزية التي كان يجيدها ويتقنها قراءة وكتابة اجادة تامة واتقاناً كاملاً يلهج به الجميع.وقد كان الاول وهو ينشر قصته او روايته، كما يحلو للبعض تسميتها تحت عنوان " سعيد" عام 1939م، وهي اول عمل قصصي- روائي يمني، وظل هو الاول عندما اصدر عمله القصصي- الروائي الثاني " كملا ديفي" عام 1947م، ونحن نعلن اليوم اكتشافاً جديداً حمله الينا احد الزملاء من مدينة المكلا الساحرة، وهو انه عثر على رواية تمثيلية تحت عنوان" الشاب السكير" او " الخمر ام الكبائر" ، كان المحامي لقمان قد نشرها في صحيفة " العرب" الاسبوعية الصادرة في سنغافورة، عندما كان مراسلاً لهذه الصحيفة، في العددين (62) و(63) في شهر نوفمبر من العام 1923م، وعلى هذا النحو يتزحزح تاريخ اول عمل روائي- قصصي او روائي تمثيلي منشور الى عام 1923 وليس عام 1939، كما كان الأول وهو يشكل اول حزب يمني في عدن عام 1949م، لقد كان الاول في اشياء كثيرة للغاية ولامجال لذكرها في هذا المقام.ويجب الاشارة في هذا الصدد الى ان المحامي لقمان لم يكن بعيداً عن الحلقات الثلاث التي ذكرها الاستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم في كتابه الآنف الذكر،لقد كان عمل لقمان في حركة الاحرار اليمنية عظيماً ومؤثراً في مجموعة من الاتجاهات وفي مجموعة اخرى من الابعاد استقبل لقمان رجال الحركة في عدن، اسهم معهم في كل ما قاموا به داخل هذه المدينة الطيبه وخارجها ، ابتداء من تشكيل الحزب واصدار الصحيفة الى صياغة الدستور او الميثاق المقدس حتى قيام ثورة 1948م. وعندما سقط الانقلاب كان لقمان في صنعاء وقد نجا باعجوبة من سيف الجلاد احمد.على هذا النحو يصبح عنوان الندوة القائم على اساس رائد حركة التنوير في اليمن مشروعاً وصائباً ، فلم نعرف ان احداً قد سبقه في ذلك تؤكد صواب هذا الرأي حقائق التاريخ والجغرافيا، ولن تغير رأينا في هذا الامر سوى وثائق اخرى تقرر غير ذلك.ولن نستطيع نحن ان نقوم هذا الجهد المبذول ونقدره حق قدره من دون الاطلاع على تراث هذا الرجل سواء في ذلك الكتب والكتيبات ام المقالات والافتتاحيات في صحيفتيه " فتاة الجزيرة، وأيدن كرونيكل" وغيرهما وهو تراث هائل، متعدد الموضوعات، متباين الاتجاهات ،متنوع الابعاد، ونحن هنا في هذه الكلمة سوف نشير الى عناوين الكتب والكتيبات لاغير، اما مقالات وافتتاحيات الرجل فهي قائمة طويلة يتطلب سردها زمناً طويلاً للغاية، من هذه الاعمال( هل هذه قصاصة ورقية؟) بماذا تقدم الغربيون؟ رسالة رجب، سعيد، الشعب البريطاني،ارض الظاهر، كملا ديفي، انتصار الفكر في الثورة الفرنسية الكبرى، قصة الدستور اللحجي،عدن تطلب الحكم الذاتي، قصة الثورة اليمنية ،جولة في بلاد الصومال) الى غير ذلك.ولعل اجمل صفحة في حياة هذا المفكر والمنور هي موقفه من الحركة الوطنية اليمنية ومن الثورة اليمنية، كان موقف لقمان من كل هذا ايجابياً وعادلاً في جميع الظروف والاحوال ولابد من ان يرجع القارئ الناقد الى كتاب لقمان " قصة الثورة اليمنية" حتى يطمئن الى ذلك فقد دخل في علاقات متينة مع رجل الحركة الاحرار اليمنيين الفارين الى عدن من سيف الجلاد، والماكثين في صنعاء يترقبون الخلاص من الأئمة والإمامة، واصبح نصير الثورة السبتمبرية في عدن وكانت له روابط متينة مع كثير من قادة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ، وفي مقدمتهم المشير عبدالله السلال، وفي هذا تجلى الطابع الوحدوي في فكر الرجل ونضاله الذي تطور من مر حلة الى اخرى.على هذا النحو تبنت جامعة عدن فكرة اقامة ندوة حول المحامي محمد علي لقمان رائد حركة التنوير في اليمن، واصبحت هذه الفكرة حقيقة واقعة اليوم، ونحن نفتتح هذه الندوة التي يقدم فيها اربعون باحثاً وباحثة من اليمنيين والعرب ومن الاجانب الاصدقاء اكثر من اربعين بحثاً وورقة علمية اتسمت معظمها بالرصانة الاكاديمية والدقة العلمية، لقد عملت اللجنة التحضيرية منذ اليوم الاول من صدور قرار الاخ رئيس جامعة عدن الاستاذ الدكتور عبدالوهاب راوح الذي قضى بتشكيل اللجنة على الاتصال بالباحثين الواحد تلو الآخر.واهدت الى كل باحث اعمال لقمان المنشورة في مجلد طبع في بيروت على نفقة ابنه المهندس ماهر علي لقمان، وهو الشيئ الذي وضع المادة الاولى- اي اعمال لقمان في ايدي الباحثين واعفاهم من البحث والتنقيب عن هذه الاعمال التي لم يكن احد ليستطيع الوصول اليها ومن المهم الاشارة الى ان جميع البحوث المقدمة في هذه الندوة قد خضعت للتحكيم وقام بريازتها اساتذة متخصصون، وهو الشيء الذي يسبغ على اعمال هذه الندوة الطابع الاكاديمي المعروف في جميع الندوات العلمية، ولابد من الاشارة هنا الى ان اللجنة التحضيرية قد شكلت في اجتماعها الاول لجاناً فرعية، هي على النحو الآتي: اللجنة العلمية اللجنة التنظيمية ، اللجنة الاعلامية، لجنة العلاقات والسكرتارية، وقد قامت هذه اللجنة التحضيرية وتلك اللجان الفرعية بعملها على أكمل وجه. انعكس هذا العمل في هذا التحضير الجيد للندوة ، وفي الدعاية الاعلامية التي سبقت الندوة وصاحبت قيامها، الشيئ الذي تستحق عليه كل ثناء وشكر.اسمحوا لي في الاخير ان أحمل الشكر الجزيل والثناء العاطر الى الاخ رئيس جامعة عدن الاستاذ الدكتور عبدالوهاب راوح الذي قدم كل الدعم الى هذه الندوة، والذي احاط هذه الندوة بعنايته مشرفاً على كل تفاصيل التحضير لها ومتتبعاً كل جزئيات انعقادها ، مانحاً اياي الثقة الكاملة والحرية المطلقة في تصريف امور الندوة، كما احمل هذا الشكر وذاك الثناء الى الاخ الاستاذ المهندس ماهر محمد علي لقمان الذي لولا اصداره اعمال ابيه على نفقته الخاصة لما كانت هذه الندوة، ولن استطيع ان أفي الاستاذ عبدالعزيز عبدالغني رئيس مجلس الشورى حقه من الشكر والثناء وهو الذي تكرم برعاية هذه الندوة، واسبغ عليها حضوره شرفاً ورصانة علمية متميزة، متجشماً عناء السفر ليشاركنا في هذه الندوة التي نتوخى منها إعادة الاعتبار الى علم من أعلام الفكر المعاصر اليمني والعربي وحتى العالمي، والتي ينبغي كذلك ان تكشف كل ثراء فكره وعمله المتعدد الجوانب الذي تشكل على امتداد نصف قرن من الزمان على وجه التقريب لا التحديد.[c1]كلمة أسرة محمد علي لقمان[/c]الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم معالي الاستاذ عبدالعزيز عبدالغني رئيس مجلس الشورىسعادة معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي أ.د. صالح علي باصرةسعادة المحافظ الاخ/ أحمد محمد الكحلانيسعادة رئيس الجامعة /أ.د. عبدالوهاب راوحسعادة نائب رئيس الجامعة/ أ.د. احمد علي الهمدانيحضرات السادة الاساتذة المبجلين المشاركين في اللجان التحضيرية والعلمية والمالية والاعلامية والعلاقات العامة والتنظيمية والسكرتارية.السادة / الحضور الكرامشاءت ارادة المولى عز وجل ان يمتد بي العمر لاقف بينكم في هذا الموقف بعد سنين طويلة من الاحباط وخيبة الامل التي كنت اشعر بها ويشاركني فيها عدد كبير من مواطني هذا الوطن العزيز واحمد الله الخبير بعباده التي شاءت ارادته ان نرى عظمة قدرته تتجلى وحقاً جلت قدرته حين جاء في كتابة العزيز انه (إنه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون) وحقيقة ان هذا الموقف لم يكن ممكنا لولا المناخ الديمقراطي الذي تعيشه بلادنا العزيزة والتشجيع الكبير للعلم والادب والقائمون عليهما والذي اوجده فخامة رئيسنا وقائدنا الاخ الرئيس/ علي عبدالله صالح حفظه الله وايده سبحانه وتعالى بالبطانة الصالحة الناصحة لما فيه الخير لوطننا العزيز المعطاء.سيدي أ.د. عبدالوهاب راوح -رئيس الجامعة-سيدي أ.د. احمد علي الهمداني -نائب رئيس الجامعة-نيابة عن اسرة آل لقمان وارحامهم في أرض الوطن وخارجه اتقدم اليكم جميعاً باعمق آيات الشكر والتقدير لهذا التكريم العظيم لوالدي الراحل/ محمد علي لقمان المحامي وأحمد الله العلي القدير انه استطاع في حياته كما في مابعد مماته ان يساهم في الحركة الفكرية لهذا الوطن العريق ذي التاريخ المجيد.واسمحوا لي ان لا اتكلم اليوم عن محمد علي لقمان رجل الفكر والادب فهذا الموضوع متروك لكم فأنتم اهله ولكن اسمحوا لي ان احدثكم عن محمد علي لقمان الانسان ونواحي حياته التي لايعرفها الكثير ممن عاصره فلقد كنت اصغر ابنائه التسعة بخلاف بناته الاربع وكان دائماً ما يصحبني معه الى اماكن كثيرة.. الى المساجد للصلاة والى الجمعيات والى نادي التنس ونوادي الاصلاح والى السجن لزيارة بعض المساجين وحتى إلى مكتب الوالي البريطاني آنذاك ليقدم ضمانته الشخصية لبعض الأشخاص ومنهم الأحرار اليمنيون وكذلك إلى المحكمة لسماع مرافعاته وفي بعض المرات لمشاهدة أفلام السينما قبل عرضها على الجمهور وكان دائماً ما يستقطع منها الكثير من المناظر الخليعة والمخلة بالآداب.أن أجمل ما أتذكر عن محمد علي لقمان هو حبه اللا محدود والعميق لهذا الوطن ولأهل هذا الوطن . كان يحب كل ما هو يمني ولا يشوب هذا الحب منافسة سياسية أو صحفية أو فكرية، وكان يؤمن با لخير الكثير الذي ينتظر أهل هذا الوطن.كان جريئاً لا يخشى في الحق لومة لائم ولا يخاف أحداً إلا الله عز وجل ولم تكن له مطامع شخصية أو تجارية ، كان حنوناً رقيق القلب مع كل أهله وخاصة والدته رحمها الله.كان دائماً ما يأتي ليأخذني من المدرسة ظهراً ومعه في السيارة اثنان أو ثلاثة أفراد مرضى من رجال أو نساء من الأقارب أو الفقراء ويتجه بنا إلى المستشفى في كريتر أو خورمكسر ليشرف على علاجهم بنفسه ويشتري لهم الدواء على حسابه.كان يزور أرحامه وأصحابه رجالاً ونساءاً بصفة مستمرة ويواسيهم وينصحهم في الله وكان أكثر ما يحث عليه أرحامه وأصحابه هو ضرورة الاهتمام بتعليم أولادهم وبناتهم.وعندما تزوج من والدتي رحمها الله كان أول همه هو تثقيفها بداية بالقراءة والكتابة العربية ثم اللغة الانجليزية ثم بدأ بتحضيرها فكرياً لتأسيس جمعية خاصة بالنساء في عدن وفعلاً نجحت الخطة وأصبحت رقية بنت محمد ناصر البيضاني رئيسة للجمعية العدنية للنساء وأنضم إلى الجمعية مئات النساء ، وقامت بجمع التبرعات من داخل الوطن وخارجه لبناء دار خاصة بالجمعية العدنية للنساء تتعلم النساء فيها فن التفصيل والخياطة وأعمال السكرتارية والطبخ وحضانة وتربية الأطفال ومبنى الجمعية لا يزال قائماً حتى يومنا هذا وإن كان قد تغير الغرض منه فأصبح مركزاً لمحو الأمية وقد عمت به المنفعة للشعب بشكل أو بآخر والحمدلله والله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) .كانت له روح كلها ثقة بالنفس وبمقدرات شعب هذا الوطن والمستقبل الوضاء الذي ينتظره بشرط أن يجعل العلم والتعليم والأخلاق الحميدة النبراس إلى الرقي والتقدم.وفي عام 1958 أتذكر أننا قمنا بزيارة مدينة هرجيسة في الصومال البريطاني آنذاك فكان أول ما قام به والدي رحمه الله وأنا برفقته هو تقديم طلب لزيارة الثأئر الحر الصومالي محمود جامع أوردوح في سجن هرجيسة وكان متهماً برمي القاذورات والتظاهر ضد الوالي البريطاني وكان محمود أوردوح تلميذاً لوالدي وقد سأل الضابط البريطاني (مدير السجن) والدي لماذا تحضر من عدن الى الصومال لترى هذا السجين ؟ فأجابه والدي ونحن في سجن هرجيسة حضر سواق مدير المعارف الاستاذ / أحمد علي أحمد الذي كنا في ضيافته وأعطى والدي برقية وصلت لتوها من عدن ومفادها أن مطابع دار فتاة الجزيرة قد تعرضت لقنبلة من قبل مجهولين وأحدثت بها بعض الاضرار فعاد والدي أدراجه الى عدن في أول طائرة.كان نشاطه لا يقتصر على الأعمال الفكرية بل كان يمارس الانشطة الرياضية مثل التنس والسباحة وركوب الخيل وقصته في أرض الظاهر (بلاد العواذل) عندما وقع من صهوة جواده بعد أن أنزلق على أرض صلبة ملساء وحمل على محفة وهو بين الحياة والموت من عريب الى عدن عبر نقيل ثرة.ومرة أخرى عندما كان في زيارة الى الحبشة وفي ضيافة الاستاذ / علي خليل اليناعي قام بقيادة السيارة بنفسه فانقلبت به عند أحد المنعطفات ونقل الى المستشفى في أديس أبابا للعلاج.وفي إحدى الحوادث العجيبة التي وقعت له كان يفتح الثلاجة بقوة حتى وقع على الارض ووقعت الثلاجة عليه بعد أن انخلع السلك الكهربائي من الفيش بالجدار وانقطع التيار وأصيب بكسر في كاحله ولكنه نجا من موت محقق برحمة من الله سبحانه وتعالى .كنت أنا وأخي المرحوم الدكتور حافظ لقمان نلعب بدارة منزلنا في صيرة في صباح يوم باكر والتقطنا إسطوانة معدنية صغيرة مربوطة بسلك معدني وبدأنا نفككها وكان والدي يحلق في الحمام فنظر إلى ناحيتنا من نافذة الحمام وألقى بالموس من يده وجرى بإتجاهنا واختطف الاسطوانة من يدنا وسارع برميها في الحوش الخارجي ثم أتصل بالشرطة التي حضرت لتكشف بأن هذه الاسطوانة ما هي إلاّ قنبلة وضعت أمام بوابة دارنا حتى إذا ما خرج والدي بسيارته انفجرت ومرة أخرى نجاه الله وقد كان للوالد دراية بالاسلحة وذلك من سابق خبرته في جيش الدفاع بعدن أيام الحرب العالمية الثانية وحتى الآن لا ندري من وضع هذه القنبلة ولحساب من؟عندما سافر الى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج عام 1966م قام بزيارة المدينة المنورة وللسلام على الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وعندما أراد أن يقترب من قبر الرسول الكريم نهره العسكري فأختلف معه الوالد رحمه الله وبعدها غادر المدينة في طريقه الى جده ومنها الى مكة المكرمة لأداء الفريضة إلاّ أنه بعد دقائق من مغادرة المدينة المنورة طلب من السائق أن يعود أدراجه الى المدينة المنورة والى الحرم النبوي تحديداً ثم دخل مرة أخرى وأعتذر الى العسكري الذي نهره وقبله على رأسه ثم عاد الى جده وفي تلك الليلة كانت السهرة في بيت أحد كبار رجال التجارة في المملكة وحضر السهرة عدد كبير من أنصار الملكيين ودار نقاش حامي الوطيس بينهم وبين الوالد الذي كان يدافع عن الحكم الجمهوري لليمن ويحاول إقناعهم بأن الحكم الجمهوري هو الافضل والانسب لليمن وشعبها بدلاً من الحكم الامامي القبلي وشاءت إرادة الله أنه عندما قام الوالد رحمه الله لصلاة الفجر وللاستعداد للإحرام للحج بمكة أن وافته المنية ودفن بمقبرة المعلا جوار السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوج الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى عليه جموع حجاج بيت الله الحرام .كان يحضر في المساء الى البيت ونظن أنه ترك المكتب ليرتاح ويمرح معنا فنفاجأ ببعض الشباب اليمنيين يأتون الى بيتنا حيث يقوم والدي رحمه الله بتدريسهم اللغة الانجليزية والترجمة.وبالرغم من ذلك يطلع معنا بعد ذلك الى سطح الدار حيث كانت كل سرر أولاده وبناته واحفاده مرتصة إذ لم يكن هناك تكييف في تلك الايام وكنا نبلل الفرش بالماء لتبرد. كنا نجتمع حوله فإما يقص علينا من قصص البطولات والروايات ويستعمل المؤثرات الصوتية والحركية لتشويقنا وليشحذ فينا حب المغامرة وحب التخلق بالاخلاق الحميدة والمبادئ السامية وكان دائماً ما يردد القول الفرنسي ( شرشيه لاجلوار) أبحث عن المجد . وإذا كانت سماء الليل صافية فكان يعلمنا اسماء الكواكب والنجوم والمجرات حيث كان له إهتمام بالفلك ، كان يتمتع بمقدرة عظيمة على قوة الملاحظة وتحليل الاوضاع بدقة وبفراسة أكتسبها من عمله كمحام لسنين طويلة.من الطرائف الكثيرة أنني حضرت معه إحتفال الخطوط البريطانية في لندن في عام 1965م بحوالي سنة قبل وفاته عام 1966وكانت الخطوط تحتفل بتدشين الطائرة النفاثة الى عدن وفي الاحتفال قدموا المشروبات الكحولية كعادتهم فكان الحضور يطلبون مثلاً الويسكي بالثلج أو بالصودا أو بالماء وهكذا فلما جاء الدور على والدي قال هل ممكن تعطيني ماء بدون ويسكي فضحك الجميع .وعندما زارني في لندن حيث كنت أدرس أخذته وبرفقة زوجتي الى تلة جميلة جداً في منطقة بوكسهيل في مقاطع صراي وتحتها وادي أخضر رائع وكنا ننظر الى الناس من حولنا فلاحظ جمال الشابات فأنشد يقول من أغنية عدنية قديمة لا أدري لمن هي:[c1]يامورد الخد تفاح الوجن من كم ذي مهجتي مؤلمة قصدي أداويها كيه هب لنا قبلة في الخد والمبسمكل الاطباء يقولوا لي الدواء فيها[/c]وأتذكر أنه قال في تأبين الفنان الراحل محمد جمعة خان " إن محمد جمعة خان لم يمت فمن ترك هذا الإرث العظيم من الأدب والفن لن يموت وستبقى أعماله خالدة وذكراه في القلوب".وعندما أقيم تأبين الاربعين للوالد رحمه الله سمعت الدكتورة صباح عبدالمجيد لقمان تقول لو أن محمد علي لقمان قام الآن لتمنى أن يموت من جديد حتى يرثى هذا الرثاء الجميل مرة ثانية ولا يسعني اليوم إلاّ أن أردد ما قالته .سيدي سعادة المحافظ الأخ / أحمد محمد الكحلانيسيدي سعادة رئيس الجامعة / أ.دعبدالوهاب راوحسيدي سعادة نائب رئيس الجامعة /أ.د أحمد علي الهمداني السيدات والسادة الحضوربما أن جامعة عدن قد أخذت على عاتقها هذا الدور الريادي في تنوير مجتمعنا اليمني بدور رواد الفكر والادب والاعلام والصحافة فإنني أتمنى عليهم أن يستمروا في هذا المجهود الجبار لتعريف الأمة والاجيال الناشئة بما قدمه كثيرون من ابناء اليمن من أمثال الشيخ/ محمد بن سالم البيحاني وعلي أحمد باكثير وعبدالمجيد الاصنج وأحمد محمد سعيد الاصنج والسيد محمد عبده غانم ومحمد سعيد جرادة ومحمد علي باشراحيل وعبدالله هادي سبيت وأدريس حنبلة ولطفي جعفر أمان وعبده حسين الاهدل ومحمد حسن خليفة وعلي محمد لقمان واساتذة التعليم أمثال إبراهيم رويلة وعبدالرحيم لقمان وغيرهم الكثيرين من أعلام الفكر والتربية والتعليم والادب باليمن .وأخيراً يجب علينا جميعاً أن نحفظ تاريخنا لأن أمة بلا تاريخ كشجرة بلا جذور تعصف بها الرياح في كل اتجاه ولا وجود لها ولا فخر ولاكبرياء .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|
ثقافة
من وثائق ندوة « المناضل محمد علي لقمان» رائد التجديد في اليمن
أخبار متعلقة