رحلتي مع المسرح .. من أثينا الى عدن الحلقة رقم (210)
في الحلقة السابقة رقم (209) من هذه السلسة المنشورة في صحيفة (14 أكتوبر ) الغراء يوم 8 مايو 2006م. وقفنا مع المجادلة التي أدارها الشاعرعلي لقمان ببراعة واقتدار فني بين (حواء) و(الفتاة) التي غلبت أمام منطق حواء حتى سقطت أرضاً عندما حاولت البطش بحواء. واليوم ننتقل الى مشهد أداره المؤلف بين( الأميرة -ملهمة الفتى الشاعر ) و(حواء) و(أبولو) الذي سمع من (الشريب ) قوله عن (الشاعر) : لقد ضاقت الأرض في عينه ** فضاقت به في الوجود الأمم**هو ابن السماء! فيقول(أبولو)ولكنه **يحن الى أصله في القدم**(وتقترب منهم حواء وكيوبيد)، وتسأل الأميرة حواء عن الفتاة : كيف وجدت حالها ؟ ( حواء بحزن ): في وحشة مجهولة ** تصوّرت أهوالها **قيّدها في حبه ** من في الهوى أذالها **تبكي على فلذتها ** بصورة يرثى لها **ولم يزل وجه الحبيب ساحراً خيالها ** اشارة تعجب من سماعها قول (الفتاة ) لنفسها : لا تبك من ماتا ** بل فابك من جنا ** ما كان أحلاه لو لم ... وتغص بريقها ولم تكمل ، و لو أكملت لقالت : "لو لم يخن عهوده".. ونسأل هل يبقى في قلب المخدوع للجاني ذرة من احساس أو من عاطفة أو من حب له؟ ! لا أظن أن يدوم من حسنات وحلاوة عشرة من خان الحب وتنكرله ذرة في قلب منخدع به .. ولكنها وجهة نظر لدى المؤلف أراد تسجيلها .. ولا عتب عليه .. ويجتمع قرب غرفة (الفتاة) كل من كيوبيد والأميرة وحواء وأبولو حول جسد (الشاعر) الذي آذن بالرحيل ،ونلتقط من حوارهم ما نفهم منه مشاعرهم نحو الشاعر والفتاة :(الشاعر لكيوبيد وحواء متهدجاً) : من الواقفان على جثتي ؟ (كيوبيد ): صديقان ! (الشاعر) : هيهات ! (كيوبيد ) :لا تضطرب ** ( الشاعر ) : متى كان في الأرض خدن متى **يواسيك في الشجن الملتهب **(كيوبيد) : هما الساهران اذاما رقدت**( الشاعر ): ألا فليكن لي رقاد الحقب ** ( كيوبيد ): هما الباكيان اذا ما رحلت عن العالم المستبد الكرِب **(يحاول الشاعر أن ينقلب على وجهه فيعجز لضخامة جسمه فيغمض عينيه ) حواء لكيوبيد : كيف ترى نجمع هذا بالفتاة هنا ؟ (شاعر) : هل نستطيع يا أبولو نقله من هنا ؟ * ( أبولو ): ليس سمو المرء سهلاً كما يبدو هبوط المرء من مجده ** من يبلغ السلّم في رأسه **فليحذر الوقعة من حده **فمن يقع يا صاحبي ينكسر ** وهل يقوم المَيـٌت من لحده ** ( الأميرة ) هذا نصيب الأرض فاسترحموا **عاد فتى الشعر الى مهده **( ونسمع صوت الفتاة آت من غرفتها تصيح بصورة جنونية : بني استفق من قيود الرغام ! ( ويقول الشاعر لنفسه ) ذا الصوت أعرفه من قديم**بلى! لا! فذي جِنّة في خصام ** (حواء لكيوبيد): يسترجع الماضي في صفحاته **نزق الصبا وجريمة الأعوام ** (كيوبيد لحواء : حواء قد آن أن نأتي بصاحبه **فربما انتفعا ان اللقاء دوا** ( أبولو( : وهل من يعي حي ؟ لفد ضعفت أنفاسه واستبدّ الهولُ والفزعُويستمر الحوار بين الذين اجتمعوا حول جسد الشاعر، والمؤلف يصوغ لكل منهم مقالاً يصور وجهة نظره الخاصة ، فحواء على عادتها مناكفة ناقدة لائمة لا تعذر ، والأميرة متهمة كيوبيد باصابته الإنسان بسهام الحب الذي لا يجد أحد منه فكاكاً، والذين يتألمون بالحب ومعاناته أكثرمن الذين يذوقون السعادة والتطواف في العالم العلوي للحب ..[c1]الفتاة تقف على جسد الشاعر[/c]وتظهر عليهم الفتاة مرسلة الشعر مهملة الأسمال ، مقرحة الجفنين ، ويقول كيوبيد لحواء : هذا مقام الجلد **فاصطبري واتئدي ** ( وتروح الفتاة تتحسس الجسد الممتد ) ،( وتقول حواء ): أرى موقفاً ما مثله في المواقف **به كلمات العذل مثل القذائف **وأسمع من فيها ملاماً كأنه ** صواعق مجتاح شديد العواصف ** وأبصره قد أدرك الذنب مشفقاً ** كما أشفق الرعديد بين المخاوف **لسوف نراها تضمر الوجد والهوى ** وتبكي فيبكي من شجون قواصف ** (ثم يقول الشاعر لنفسه) : أدركت هذي الدار دار ملاعب **كنا نرود فساحها وملاهي ** (فتقول الفتاة في حيرة): عينان مغمضتان ! جسمٌ هائلٌ **وحشٌ لعمري لا يكادُ يبينُ ** ( وترجع الى الخلف) : من أنت تغزو وحدتي فكأنما **هذا الخلاء عرينك المسكون * * ( ويفتح الشاعر عينيه وينظر اليها ياستغراب ) : رجلٌ تعيسٌ في الحياة مشردٌ ** أذته في الناس اللئامِ عيون **متقلقل الخطوات مضطَّرِب الحشا ** ورجاؤه في العالمين سكون ** من أنت ؟ (الفتاة ) : والدةٌ بلا ولدٍ ولا ** زوجٍ وذاك شقاوةٌ وجنونُ ** قد خانني رجلٌ فعشت ذميمةً ** ما لي صديق في الحياة يعين ُ [c1]للشاعر أمنية ورجاء:[/c]هنا الشاعر لا يرجو سوى أن يخلد الى سكون النفس بالموت من تأنيب الضمير ووحشة الفلاة .. ولم تعد الفتاة ترى في الشاعر خيطاً من ضياء محبة وفنونِ ، كما قالت من قبل ( ما كان أحلاه .. بل هو(الخائن الذميم الذي خلع من ذمامته عليها ما جعلها في أعين الناس ذميمة لا تستحق صداقة ولا عوناً من معين ).. ونحن نسمعها الآن تناشد السماء أن تقتص لها ولوليدها منه فهاهي تقول له : أنا لم أقتل الوليد ولكن **أنت أوديت بالحبيب الوليد** أنت أغريتني فعفت عفافي ** ان بيع العفاف أمر عسير ** (وتقول باكية): واوحيداه ! هاهنا القاتل الوغد **(ثم تحاول أن تخنقه ، ثم تكف يدها وتقول) :فلولاه ما قتلت وحيدي ** ويشكو الشاعر دهره ويبكي حظه) : شقيت باثمي واغتربت معذباً ** فطال شقائي واستفاض حناني **أطوف في شرق البلاد وغربها ** فيجتنب الناس اللئام مكاني **يقولون عني كل ذم وسبة **ويشتد في ظلمي البغيض زماني ** وكم في الورى من قاتل متستر ** وآخر مكشوف اللثام وزانِ **كأن الذي لا قيت في العيش من أذى **قصاص وفي بعض القصاص معانٍ ** ( يخف صوته وهو مغمض العينين ، تتحسسه الفتاة ، ثم تصيح ) : أمتَّ ؟ أجب ! ويلاه !رباه قد قضى ** قضيتَ ومالي للمعونة ثانِ (وتقول حواء) : منظر تهلع القلوب لديه **قاتل قد قضى فجنّ القتيل ** ( تلتفت الفتاة بعداء الى الجمهور ، وتقول حواء مستدركة : نزلوا من الأفق ** من مطلع الشرق **( أبولو يتقدم الشعراء والحوريات ليجس نبض الشاعر ) ثم يقول : لقد آن أن يستريح الطريد ** رددوا الشعر من عيون الرثاء ** وادفنوا جسم شاعر في السماء ** وتصيح الفتاة : أنا أولى به ! (أبولو) : ولكنه في الأفق يلقى الهناء بعد العناء (الفتاة تعترض): لا ! ( ثم تزداد أنفاسها تصاعداً ،وتسقط ميتة ، ويقول أبولو : ألا فادفنوا صوت العدالة واضرعوا الى الله أن يعطي العدالة حقها ( الجميع يرفعون أيديهم ضارعين وهم يرددون ):هذا هو العدل والمنطق الفصل ، ......وينزل الستار [c1]ملحوظة:[/c]هذه هي الحلقة الأخيرة من المسرحية الشعرية ( العدل المفقود ) للشاعر علي محمد لقمان يرحمه الله ، وقد تأخر نشرها لزحمة المواضيع السياسية والثقافية التي تتابعت في الصحيفة. وسوف نتبعها بتاريخ ( فرقة المصافي الكوميدية ) بإذن الله ..