أدب الاعترافات
عمر عبدربه السبعتعتز مدينة توتنجهام بروائيها الشهير لورنس،وتفخر بأدبه الفج الذي يصور الفعل الفاضح في الجنس،واعتبار أن هذا النوع من الأدب الذي يغوص في عالم الواقعية والجنس بأدب الرواية أو السيرة الذاتية،أو أدب الاعترافات..وقد قال ذات يوم الكاتب الروائي الكبير،الأديبالعربي الحائز على جائزة نوبل،الأستاذ نجيب محفوظ:"إن مقياس الحكم على السيرة الذاتية يجب أن يكون هو الصدق في تصوير الحقيقة".وبقي أن نعرف ما المقصود بالصدق في تصوير الحقيقة،وهل لهذا الصدق من التزامات وقيود،أم أن هناك حرية مطلقة في قول كل شيء وإن خرج عن اللياقة والكياسة والاحتشام.يقال إن مساحة الحرية محدودة،بل إن خير الحريات هي الحرية المسؤولة،وفي الأدب يعتبر تهذيب الألفاظ سمة أساسية يتحلى بها الأديب،ويتجنب من خلال الأساليب المختلفة،التي لا يقدر عليها غيره،ذكر القول الصريح فيما يعرض من أفكار إباحية،وينأى بنفسه عن السرد المباشر الفج والخالي من الأصول والقواعد وسقط الكلام..صحيح أن المذاهب والعقائد والإيديولوجيات متباينة وإن ما يبدو واقعياً في رواية ما عند صاحب إيديولوجية ما،قد يكون قولاً فاضحا ًوتعبيراً قبيحاً بمنظور رجل العقائد لذات الرواية.والأديب لورنس اكتسب شهرته الأدبية بعد أن هاجمه النقاد والقراء معاً واعتبروه من كتاب العري والجنس وبعد أن صودرت روايته واسعة الانتشار الموسومة"قوس قزح"في عام 1915م،وفي عام 1928صودرت روايته الأخرى الاكثر شهرة"عشيق الليدي شاترلي"لعباراته المباشرة والمغمورة بالفواحش المنكرة لكل ذي دوق سليم وإيمان رصين..ولكن النقاد الأوروبيين في الخمسينات من القرن العشرين،كان لهم رأي شديد التباين والاختلاف عن نقاد الحقبة التي سبقتهم،فأعادوا الاعتبار للروائي لورنس وروايته شديدة الإباحية "عشيق الليدي شاترلي"لأن نظرة النقاد للإباحية والسلوكيات المشبوهة بين الرجل والمرأة نوع من الأدب الواقعي وأدب الجنس،وازدادت الرواية شهرة واتساعاً عندما عرضت في دور السينما. فإذا كان موضوع اختلاف النقاد والأدباء والقراء حول مواجهة أدب الاعترافات والأقلام الفاضحة موضوع قديم،فإن هذا الموضوع لا يزال بين الفينة والأخرى يتجدد كلما سنحت الفرصة ودار حوله النقاش.فالكاتب المغربي محمد شكري قد حرك المياه الراكدة في ثمانينات القرن الماضي عندما كتب سيرته الذاتية أو روايته"الخبز الحافي"وضمنها سرداً مباشراً فيه من الإباحية الشئ الكثير،فأطلق عنان قلمه وفكره في سرد مواقعة ساقطات المجتمع،وترحم للزمن الجميل في طنجة فتهور ما شاء له التهور بحجة العلمانية وحرية الفكر وحق التعبير،ولو بطريقة الفسق والفجور وكبائر الأمور..وقد انتقد الدكتور عبدالقادر القط كتاب(الخبز الحافي)واعتبر الرواية مكتظة بغلظة المفردات،وركاكة البناء والمباشرة الفجة،وقبح الشعور وضعف التعبير...وقد تاب لورنس من سعير النقاد فاختار منفاه وألف عدداً في كتب الرحلات وأبدع ومن أهم كتبه كتاب عن المكسيك،ومات في عام 1930م عن عمر ناهز 42عاماً.وبعد هل تتفق معي إن ساحة الحرية يجب أن تكون محدودة ومقننة،أم لك رأي مغاير والأفضل في رأيك ترك الحبل على الغارب ؟!