بعض الأقوال يبدو مؤلماً وربما جارحاً، لكنك عندما تستبين كمية الصدق فيه، تجد أنها نسبة كبيرة جداً. التصريح الذي بين يدي يصنف ضمن الفئة التي تحدثت عنها قبل قليل. انه للسفير الدانمركي في الجزائر براويك بوير، وهو قلل من أهمية مقاطعة المسلمين لمنتجات بلاده على خلفية نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في صحيفة دانمركية، قائلا:«إنهم (المسلمين) لا ينتجون، فكيف سيأكلون؟»، وأضاف:«الصادرات الدانمركية للبلدان العربية والإسلامية لا تتعدى 30 من صادرات الدانمرك». واعتبر أن دعوات المقاطعة لا تلزم إلا الشعوب التي «لا يمكن لأحد أن يجبرها على شراء أو مقاطعة منتج ما، أما الحكومات العربية فلا يمكنها الوقوف في وجه سلعة مهما كان مصدرها»، بسبب القوانين والمقررات التي صادقت عليها مع منظمة التجارة العالمية، معتبراً أن الشارعين العربي والإسلامي الغاضبين على الإساءة لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يقيسان الأشياء بموازينها».. لذا فإن الكيفية التي تعاطى بها الشارعان العربي والإسلامي إزاء ما نشرته (صحيفة جيلاندز بوستن) أضر بسمعة الإسلام والمسلمين أكثر مما أضر بسمعة الدانمرك كدولة، خاصة بعد ما حدث في كل من لبنان وسوريا وإندونيسيا»، في إشارة إلى حوادث اقتحام مقرات البعثات الدبلوماسية لبلاده في الدول الثلاث. الشيخ عبدالرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قال أن «هذا الكلام يعد استفزازا صارخا لمشاعر المسلمين في العالم»، ووصف تصريحات السفير الدنمركي بأنها «استفزازية» و«مهينة للمسلمين»، وأقر بما قاله العالم الجزائري، لكن جزءاً كبيراً من كلام السفير براويك بوير لصحيفة الشروق اليومي الجزائرية (الأربعاء 8-2-2006) صحيح ومؤلم، لا سيما فيما يتعلق بالانتاجية! نسبة الإنتاج في العالم الإسلامي ضعيفة جداً، ومن لا ينتج واعتاد على الاستهلاك ستكون تضحيته كالرغوة التي تذهب جفاء. علينا أن ندرك أننا مجتمعات مستهلكة من الطراز الأول، وأذكر أن حملة عارمة شنت في العالم العربي والإسلامي شنت تجاه المنتجات الأميركية وساهم الغوغاء في الاعتداء على مطاعم في القاهرة تحمل اسماء تجارية اميركية بالتكسير والتخريب، لكن القائمين على السفارة الأميركية قرروا أن يوسعوا المائدة التي يقيمونها بشكل سنوي في احتفال الاستقلال الأميركي في الرابع من يوليو، ووسعوا الدعوات، فانكب المصريون على المائدة العريضة أكلا ونسيوا المقاطعة كما كتب ذلك زميلنا الصحافي المصري محمد صلاح في جريدة الحياة. ختاماً أشير إلى أن فعل المقاطعة وإن اختلفت معه، هو تصرف حضاري، طالما كان موزوناً وبعيداً عن التعدي على من لا علاقة له بالموضوع، وهو ما حدا بكثير من المؤسسات الوطنية التي ضمت فوق بيعة قوائم المقاطعة إلى الإعلان بشكل يومي، والى استخدام علماء ومشايخ للتأكيد على أن لا علاقة للمنتجين بالدنمرك من قريب أو بعيد. وكان أجمل هذه الإعلانات ذلك الرجل المسن الذي تبدو سعوديته على تقاسيم وجهه، والذي يمسك بعلبة حليب ويقول: إذا كنت أنا دنمركي، فهذا المنتج دنمركي!.ــــــــــــ*نقلا عن جريدة "الرياض" السعودية
|
مقالات
مؤلم ومستفز... ولكن!
أخبار متعلقة