حكاية
دخلت سعاد إلى غرفتها وأخذت تبحث عن خاتمها الفضي ذي الفص الأزرق كي تزين به أناملها في حفل زفاف ابنة خالتها وبحثت عنه كثيراً ولكنها لم تجده فقررت البحث عنه في دولاب ملابسها وخلال بحثها المستمر لفت انتباهها صندوق اسود كانت تحتفظ به في خزانة مساحيقها التجميلية ففتحت ذلك الصندوق ويداها ترتجفان وجدت شيئاً لم يكن تريد رؤيته إنه دفتر مذكراتها التي حاولت كثيراً تجنبه والابتعاد عنه حتى لاتتذكر مامضى من الوقائع الجميلة والأليمة في آن واحد حاولت جاهدة إعادة الدفتر إلى الصندوق لكنها فشلت في فعل ذلك وكأن شيئاً ما كان يدفعها الى فتح تلك المذكرة لترى مادونت على أولى صفحاتها من ذكريات فبمجرد قراءتها السطور الأولى حتى عادت بها مخيلتها إلى الوراء.سعاد فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً كانت تعمل في إحدى القطاعات الحكومية ولم تكن تعلم بأنه سوف يأتي اليوم لها تسلك فيه هي الأخرى طريقاً رفض قلبها مراراً أن يسلكه فلقد أخذت على نفسها عهداً أن لاتحاول أو تفكر في خوض تلك التجربة التي حاولت أكثر من مرة عدم خوضها فلقد كانت تهزأ من صديقاتها عندما كن يروين لها مغامراتهن العاطفية ومدى تعلقهن بمن أحببن وبأنهن لايستطعن أن يعيشن دون ذلك الحب وراحت سعاد تهزأ بهن وتضحك على تلك المشاعر المجنونة ولم تعلم بأنه سوف يأتي يوم تصبح هي الأخرى مصابة بمس من الجنون حينها كانت الأقدار ترسم لها خيوط ذلك اللقاء الذي لم يكن من المتوقع حدوثه.فعن طريق الصدفة فرضت عليها عملها الذهاب إلى إحدى الشركات لتعرف طبيعة عمل الشركة وهناك كان اللقاء غير المنتظر جلست بالقرب من مكتب الشخص القائم بأعمال هذه الشركة للتعرف على بعض الانجازات والخطط التي سوف تقدم على انجازها.تعرفت سعاد الى هذا السيد عن كثب كان رجلاً بمعنى الرجولة وذكياً بمعنى الذكاء يمتلك شخصية قوية يصعب على أحد الإقتراب منها ولم يكن هذا السيد فارسها المنتظر الذي انتظرته طويلاً فلقد كان يكبرها كثيراً بالعمر ولم تكن مواصفاته هي المواصفات التي تمنتها تحدثت إليه ونظرت في عينيه فوجدت ان نظراته لم تكف عن مراقبتها ولم يكف عن التمعن في ملامح وجهها فأحست سعاد حينها بنوع من الخجل والاستحياء كل تلك النظرات جعلتها تشعر كما لو كانت مخلوقاً غريباً مختلف كل الاختلاف عن سائر البشر على الأرض.لماذا كلما ذهبت إلى مكان تشعر كمل لو كانت مخلوقاً غريباً مختلف كل الاختلاف عن البشر حتى في سفرها إلى الخارج ينظر إليها الناس نظرة مختلفة ويسمعونها كلمات الإعجاب.فهي تعرف تماماً أنها جميلة الشكل حسنة المظهر وأنها تمتلك صوتاً كهديل الحمام ولكن جمالها لايختلف كثيراً عن جمال العديد من الفتيات فهناك من هن أجمل منها ولكنها كانت دائماً تتمنى أن تصحو في يوم من الأيام لتجد الناس ينظرون اليها كباقي الأشياء العادية التي اعتادوا النظر إليها كل يوم.عادت الى المنزل ولم تكن تشعر بشيء تجاه ذلك الرجل ارتمت سعاد فوق سريرها لتغفوا قليلاً بعد يوم طويل من العناء والمليئ بالمشاق واستيقظت عند غروب الشمس ونست كل شيء عن ذلك السيد الذي قابلته ومر على لقائها به بضعة أيام وإذ بها ترى رقماً غريباً على هاتفها ففتحت مذكرة الهاتف لتتأكد من صاحب الرقم فإذا بها تجد أنه السيد صاحب الشخصية القوية من هنا بدأت رحلة سعاد ورحلة معاناتها مع ذلك السيد التي انخدعت به وندمت كثيراً على حبها له..لم تكن تعرف بان ذلك الشخص يختبئ ورائه قناع مزيف من الطيبة والوفاء والإخلاص يخبئ لها كثير من المفاجآت فبعد لقائها الأول به كان من غير المتوقع ان تلتقي به مرة أخرى ولكن العكس صحيح التقت به للمرة الثانية (صدفة) وهذه المرة رأت في عينيه نظرات الغيرة التي كادت تقتله لم يكف عن ملاحقتها من زوة الى أخرى فاكتفت سعاد بتجاهله وعدم الاهتمام بوجوده كأنها لاتعرفه فانتظرت رحيله الذي فاجأها به سريعاً فبدأت بالبحث عنه في كل أرجاء المكان الذي خيم عليه الحزن وقتها دون أن تعلم لماذا فأخبرتها صديقتها المقربة التي كانت لاتفارقها كظلها بأن ماتشعر به سعاد تجاه ذلك السيد هو ماتشعر به الكثير من الفتيات لم تصدق حينها وأخبرتها بأنه مجرد إعجاب ليس أكثر لكنها أصرت على كلامها هذا فقررت سعاد الاعتراف له بمشاعرها تجاهه فلم تكن تدري بأنه مجرد الاعتراف له بذلك بأنها سوف تفتح على نفسها جهنم بيدها لتلقي بنفسها على طريق التهلكة فذلك السيد بمجرد سماعه اعترافها بدأ يعاملها كأنها طفلة صغيرة مازالت في المهد وانقطعت رسائله عنها وبدأ يقسو عليها كثيراً وأصبح غيابه عنها طويلاً لم يعد الرجل الذي أحبته لقد تبدل حاله من الأحسن إلى الأسوأ... ندمت سعاد كثيراً على تسرعها واندفاعها وتهورها لماذا لم تتأن قليلاً قبل أن تصرح له بحبها كانت دائماً تحاول أن تعالج الأشياء بمنظورها الخاص وكانت تحاول الإقتراب منه وحاولت مساعدته كثيراً ولكن للأسف اكتشفت بأنها أحبت رجلاًُ مريضاً لم يكن يحب سوى نفسه لقد سمعت عنه بأنه أناني لديه الكثير من الأقنعة ليرتديها وكل قناع لديه وقت وحين مناسب بل والأسوأ من هذا وذاك أخبرتها زميلة لها في العمل بأن ذلك السيد يحبها وأنها لاتفارقه أبداًَ حينها لم تصدق سعاد ماسمعت وحملت نفسها لتتأكد من صحة كلامها هذا وإذ بها تسمع نفس الحديث ممن يعملون معه وبأن تلك الفتاة لاتفارقه وبأنهما أصبحا لايفترقان أبدا فتعجب الكثير من الدموع التي كانت ترقرق في عينيها وهي تسمع هذا الحديث حينها تمنت أن تنشق الأرض لكي تبتلعها وكانت آلاف الأسئلة تدور في رأسها لماذا أفضل إمرأة غير جميلة وكبيرة في السن على فتاة جميلة وصغيرة في السن؟حينها أجابت عن كل تلك التساؤلات فهو لم يكن يغار عليها بل كان يغار منها ومن نجاحها وتقدمها الدائم في عملها فهو لم يستطع النيل منها ولم يجدها مثل باقي النساء اللاتي عرفهن في حياته لم يجد سوى تلك المرأة التي كان لاينظر إليها سواه أما سعاد فقد كان يخاف من تواجده معها في مكان واحد خوفاً من أن ينظر إليها جميع الحاضرين فهي تقدمت منه الآن كيف تعيش لنفسها مثله تماماً فنظرت سعاد لتقرأ السطور التي ماقبل الأخيرة التي كتبت فيها قائلة:عدت إلى المنزل لأرمي كل شيء وراء ظهري فهو لم يعد بالنسبة لي سوى ذكرى لقد تغير كل شيء لم يعد لحبه أي اثر في قلبي فهو الآن بالنسبة لي في عداد الموتى ولم يعد له أي وجود فهو الآن بالنسبة لي كأي رجل عادي لقد صحوت اخيراً قبل فوات الآوان لقد انتهت حكايتي مع ذلك السيد لأغلق آخر صفحة من صفحات قلبي الذي قد افتحه لرجل مناسب آخر في الوقت المناسب.أغقلت سعاد الدفتر عند سماعها صوت أختها الذي أعادها من الماضي الأليم إلى الحاضر لتمسح بيدها دمعة كانت قد سقطت على خدها لتمسح بها كل تلك الذكريات الأليمة والمحزنة التي انتهت بالخداع والغش أعادت سعاد دفتر مذكراتها إلى الصندوق الأسود وعندما كانت تتأهب لقفل الصندوق رأت شيئاً يتلألأ داخل الصندوق لقد كان ذلك الشيء خاتمها الفضي ذي الفص الأزرق لبسته في أصبعها لترسم ابتسامة رقيقة على شفتيها وأمسكت بالمشط وأكملت تسريح شعرها الأسود الطويل الناعم وهي تلتفت إلى الأمام تاركة الماضي خلف ظهرها وتاركة معه الرجل الذي أحبته لمالكه الأصلي وهي تردد (الحمد لله لقد عدت سالمة).