تأليف / كمال محمود اليمانيفي رابع أيام عيد الفطر المبارك قررت أن أكسر رتابة الأيام والساعات ، فكان أن نفضت عن نفسي غبار الكسل ، وأتجهت إلى السينما (هريكن) حيث تعرض مسرحية "عائلة دوت كوم"، كان أول ما لفت انتباهي هو الحضور الطيب لجمهور النظارة لا سيما وأننا في العرض الثاني من اليوم الرابع ، أي أنه العرض الثامن ، مما يدل على أن حضوراً أكثر ؛ كان من نصيب العروض الفائتة ، انها أيام العيد وفيها يبحث الناس عادة عن كل ما يمكن أن يهش قطعان السعادة إلى نفوسهم ، فيدفع ملالة رانت على قلوبهم ، أو هموماً جثثت عليها ، ولا أدل على ما أقول من حضور هذا الجمع إلى خشبة مسرح تعرض مسرحية لثلة من الشباب الذين لم يسبقهم تاريخهم التمثيلي معرفاً بهم ومسلطاً الضوء عليهم .هل كان قيام هؤلاء الشباب بمثل تجربة كهذه نوعاً من التهور ، والسير على طريق المجازفة ، في اعتقادي أنه كان كذلك لو أنهم لم يكونوا يحملون في ذواتهم إيماناً راسخاً بنجاحهم ، وثقة عارمة تملكت جنبات أفئدتهم ، إنهم فتية آمنوا بصدق تجربتهم ، وصدق مواهبهم ، وعظمة رسالتهم فكان لهم ما أرادوا من النجاح والتفوق .فعلوا مالم يفعله الكبار ، وأعادوا لعدن ألقها وتألقها .ما أن أطلت جبالها وبيوتها على حيث تفتقت ابداعاتهم حتى رسمت على ثغرها أجمل البسمات ، كيف لا ، وعدن ترى بأم عينيها هذه الثلة التي حملت على عاتقها بذرات النهوض بالحركة المسرحية - بإذنه تعالى - بعد أن أصابتها السكتة الدماغية وغدت قاب قوسين أو أدنى من إعلان وفاتها .مسرحية "عائلة دوت كوم" مسرحية كوميدية اجتماعية من تألف الشاب المتألق عمرو جمال ، ولقد عرفته قاصاً بديعاً ، وهو شاب خلوق ونبيه ويحمل في عينيه طموح مستقبل عريض عريض .لم أشاهد مسرحية من تأليفه وإخراجه قبل هذه المسرحية ، فأنا كما ذكرت لكم سلفاً تمر بي الأيام رتيبة ولعل نفسي تستمرئ ذلك ، ولا أخفيكم أني قد ندمت على تقصيري ذاك ، فلقد عشت وقتاً جميلاً وممتعاً مع مسرحية استطاع مؤلفها ومخرجها وممثلوها أن يقدموا لنا من خلالها طبقاً شهياً وحلواً .ولعل أجمل ما فيها أن الممثلين على حداثة سنهم ، وقلة خبرتهم قد أستطاعوا أن يبرهنوا على أن حبهم للتمثيل أكبر من أية عقبات قد تعترض طريقهم ، لم يأبهوا لحالة الركود حولهم ولا لتكاليف المسرحية من استئجار لخشبة ودار السينما وللديكور والصوتيات وغير ذلك من مستلزمات المسرح لأن النجاح هو الهدف الذي ارتسم أمام أعينهم ، وما كانوا يسعون إلى تحقيقه .. كان الكسب المادي هو آخر أهدافهم وبهذا فقد لقنوا الكبار درساً أرجو أن يكونوا قد وعوه وأدركوا مقاصده .توزع الممثلون أنصبتهم من البطولة ، فهي لم تكن حكراً لأحد تقاسموا حظوظهم من إعجاب النظارة وتصفيقهم ، كلهم هاوون لكنهم بدوا وكأنهم محترفون للعمل المسرحي منذ سنوات .فأين أنت من تجلي رائد طه وعدنان الخضر وسالي أحمد وسهى علوان ، وابداعات ابراهيم بدر وبكيل محمد والمشاركة الفاعلة والطيبة من قاسم رشاد وغسان صلاح .كلٌ كان له دوره ، وكلٌ أتقن الدور وأداه على أحسن وجه وأكمل وصف .أما موضوع المسرحية فقد شكل محوره الأساسي ، هذا الصراع الدائر منذ أن وجد الإنسان على ظهر هذه الخليقة ، ولا أقصد به صراع الخير والشر ، الحق والباطل ولكنني أقصد صراع الأجيال ، وهو صراع ينحو مناخي عدة ، ويسلك طرقاً متعددة ، تبرز هنا وتخفت هناك بدرجات متفاوته ، غير أنه كان وسيظل إلى حين لا يعلمه إلاّ اللَّه.ولقد أختار المؤلف أن يطرق الباب بصورة أقل دراماتيكية وعنفاً ، ليتحول الأمر إلى أقل من الصراع بكثير ، مما يجر إلى امكانية الالتقاء في نقطة وسط ، يتقدم نحوها الجيل الصاعد خطوة ، ويخطو الخطوة المقابلة جيل الكبار ، تؤدي إلى الجمع بينهم دون صدام وبدون خسائر ، إن جاز التعبير .إذ يرى الشباب أن الوسيلة إلاّمثل لأن ينهل أحدنا من معين الثقافة والعلوم هو الاتجاه نحو أجهزة الحاسوب ، فيما يرى الكبار أن الكتب هي السبيل الأوحد ، وتعقد مسابقة بينهما يكتشفون بعدها أن كلا الفريقين قد كان نصف محق ونصف مخطىء .فالسبيلان ، الحاسوب والكتب ، يهديان إلى النتيجة المثلى ، وبالطبع فإن حوارات ضاحكة وتحركات لافتة ، قد ضمتها المسرحية وحملت أفكاراً جانبية أخرى تصب في نفس المجرى الذي حدثتكم عنه ، والمفضي إلى صراع الأجيال .لا أملك في الأخير إلاّ أن أشد على أيدي الشباب جميعاً واحداً واحداً ، وأدعو لهم بالتوفيق ، وأن ألفت مكتب الثقافة في عدن إلى ضرورة الاهتمام بهذه البذرة وغيرها من البذرات لعلنا نعيد لعدن مجداً سالفاً ونهضة مسرحية وثقافية كادت تندثر.شكراً لكم شباب .. وجود لك عزيزي عمرو جمال .
|
ثقافة
حين ضحكت عدن مع عائلة "دوت كوم"
أخبار متعلقة