كتب / احمد علي عوضتلعب الثقافة دوراً هاماً في خلق مكونات الابداع الداخلية لدى كل فرد ، وذلك من خلال تعاضد المساعي بين جميع مجالات المعارف العلمية والانسانية ، لكن مايثير القلق راهناً هو الحماس لدخول مجتمع المعرفة بالتحديث العلمي والتكنولوجي دون الانتباه الى ضرورة تنشيط مكامن الابداع وتركه وحيداً يواجه تحديات داخلية وخارجية تولَّد عنها ازمة في تعريف الانتماءات الثقافية وكيفية خوضها.تجربة التحديث في مجتمعات تهيمن عليها سلطة التقاليد والتعمية الفكرية وسلب الافراد حقوق المواطنة ليغدوا ذواتاً خاضعةً تعيد انتاج الخطاب السلطوي مما ترتب عن ذلك تفشي وانتشار الامية الابجدية والثقافية تحت مزاعم رفض الجديد بصفة عامة والقبول بسلبيات التحديث العشوائي تخوفاً من الابداع بصفة خاصة ليجابه المبدع في زمن تغدو فيه حرية الإبداع ضرورة - تحديات تقيد إنطلاق العقل لتعيق حرية التعبير واكتمال اساليب التحديث الفكرية مما يقود التحديث العلمي والتكنولوجي نحو العزلة ويجعله في موقع الغرابة والانفصال عن المجتمع لتنشأ ازمة اخرى في تعريف مفهوم الخصوصية الفنية، ومع هذا فإن الثقافة استطاعت ان تنمي ادراك عقل المتلقي وارتباطه بالحقائق المستمدة من اعماله الابداعية الفنية التي من وحي نسيج خياله بأطر ومساحات تتبع السياق الاجتماعي والتاريخي وتميل الى التوجه التقدمي بنفس مقتضى مفهوم التقدم العلمي السائد بما يدفعه الى المقاربة بالظواهر الطبيعية وفق منظور يتفق مع رؤيته كمبدع تهدف الى تطوير قدرات ادوات عقله وتعميق ادراكه بما يكفل له تأمين سلامة تقييمه للأعمال الفنية القادرة على اثراء الواقع .وفي اتجاه آخر تلعب العلوم الانسانية والطبيعية المعتمدة على البحث الذهني أهمية قصوى في تحريك العقل على قاعدة يصل من خلالها الى نتائج جديدة تختلف تماماً عن منظور الفنون لاعتماد الثانية على الخيال.وقد عزا بعض الباحثين تراجع مستوى العمل الفني الى تضاؤل الاهتمام بتنمية القدرات الابداعية وملكات الابتكار في مراحل التعليم المختلفة اضافة الى حظر بعض كليات الفنون مناهج بعض المواد الدراسية الاساسية للتدريب الفني من ناحية وتدهور المناهج التعليمية وازدواجية معايير القيم جراء القمع الفكري بمؤسسات التعليم من ناحية اخرى، وبدلاً من توفير سبل تحرير العقل والخيال للإسهام في مجالات العلوم والفنون على حد سواء ، نجد ان التحديث الجزئي اعتمد استيراد المصانع والتكنولوجيا الجاهزة دون تهىئة الجو الفكري الملائم لدراستها مما اعاق قيام حركة فكرية وفنية متكاملة على عكس التحديث الاوروبي الذي جمع بين تزامن تحديث الفنون مع التحديث العلمي الابداعي في مجالات التعليم والسياسة والاقتصاد لتشكل حداثة متكاملة مما جعل وضعية الابداع الفني العربي في مأزق بين اختيار الانسياق الى تقليد المنجز الغربي كما هو او اختزال الهوية في التراث تحت طائل من الصراعات بين الاصالة والمعاصرة في ظل تعاظم الفجوة الثقافية بين المجتمعات المدنية المؤمنة بحرية الفرد والمجتمعات القبلية التي لازالت تحجم انطلاق الخيال وتحجر على الفكر.
|
ثقافة
الإبداع الفني بين الاصالة والمعاصرة
أخبار متعلقة