حروب ضد الأمة بمسميات ناعمة
قراءة / شفاء منصرلم تعد آليات الحرب المفروضة على الأمة تعتمد على تبريرات مراوغة وذرائع واهية لإستخدام القوة المفرطة في الغزو العدواني على شعوبنا العربية - فليس هناك اعتبار أصلاً لمنطق الأخلاق في عرف أمريكا وإسرائيل بسبب غرور القوة والهيمنة- بل إن آليات الحرب الجديدة التي تعتمدها أمريكا قد نحت منحاً استشراسياً خطيراً وغدت حرباً (لغوية) مستندة الى استراتيجية عدوانية حددها (د.إدريس معقول ) في دراسة له بعنوان :«آليات الحرب اللغوية على الأمة » على موقعهالألكتروني بثلاثة أساليب:الأسلوب الأول : أسلوب (التزوير) من خلال عمليات (التهويد) التي تستهدف طمس التاريخ وآلية التزوير تلك إحدى أهم الوسائل الاحتيالية في حرب إسرائيل على الفلسطينيين نظراً لسلطة الإعلام التي نسجت الأكاذيب والأوهام ورسخت الأباطيل مثال على ذلك : التزوير الخبيث لأسماء الأماكن الفلسطينية في اتجاه تهويدها عبر تحريف اسمائها الحقيقية..الأسلوب الثاني : من أساليب الاستراتيجية العدوانية لأمريكا وإسرائيل في الحرب اللغوية على الأمة هو ماسماه الكاتب (بالتبرير) المراوغ من خلال عملية المبادأة بالعدوان الذي يستهدف إدعاء الظلم والإلتفاف على مفهوم الحق وأصحابه في الوقت الذي تباشر فيه آلتها الاعلامية حملة موازية واستباقية للعدوان تعمل على تبرير وجه الظلم بأنه دفاع عن النفس !؟والأسلوب الثالث: من أساليب تلك الاستراتيجية الماكرة في حربها اللغوية على الأمة هو عمليات (التمرير) من خلال بناء شعارات عدائية تستهدف النيل من الخصوم بطريقة تعمل فيها اللغة والصورة والسيناريو عملها النفسي في إحداث حالة من “الإحباط الردعي المزمن” حيث اللغة لم تعد وسيلة توصيل بريء للمعلومات بقصد الإفادة بل تحولت لتصبح وسيلة من وسائل الهجوم في الحرب النفسية .فمن أجل (تبرير) الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية الفلسطينية عمدت الامبريالية والصهيوينة العالمية الى توظيف السينما الامريكية ودعمها لإنتاج أفلام دعائية تصور اليهودي مغلوباً على أمره والفلسطيني إرهابياً ينشر الرعب والهلع ولم يقتصر استخدام اللغة بطريقة مخادعة مضمرة على الفنون والآداب الصهيونية كما يقول : د.إدريس مقبول .. بل هي صلب الخطاب الاستكباري الامريكي الاسرائيلي وللتمثيل على أن اللغة لا توجد من فراغ كما يقول كاتب آخر هو “المسيري” وإنما توجد داخل أطر إدراكية تجسد صوراً مجازية ونماذج معرفية “ يورد لنا الكاتب عدداً من الامثلة :المثال الأول : الحملة العسكرية الاسرائيلية المسماة ( أمطار الصيف) التي جاءت رداً على العملية التي قام بها رجال المقاومة الفلسطينية والمسماة (الوهم المتبدد) التي حطمت اسطورة الجيش الذي لايقهر فزحف الجيش اللاسرائيلي في حرارة صيف (2006م) لينتقم من الشعب الفلسطيني محاولاً إطلاق سراح الجندي الاسرائيلي “جلعاد شاليت” فسمى تلك العملية الارهابية (بأمطار الصيف) والصورة الاستعارية في هذه التسمية هي صورة مقتبسة من البيئة والمقصود من تركيبها على ذلك النحو المتناقض يدل على أن هذه الأمطار (الحملة العدوانية) لا تكون إلاّ فجائية في غير أوانها والتي يحتمل ان تكون مهلكة لاتنزل برداً وسلاماً على أهلها.. وهذه الصورة الاستعارية كما يرى الكاتب هي صورة ترتبط عضوياً في السياق الكوني ببنية عقائدية اسطورية فوقية تتغدى بموروث (توراتي) يستهدف اثارة الانتباه الى ان الامطار عقاب الهي للعصاة خاصة إذا كانت في فصل غير فصلها.والمثال الثاني: العملية المسماه (عناقيد الغضب) التي سنها العدو الاسرائيلي على لبنان الشقيق في القترة الواقعة بين 11-26 أبر يل 1996م وكان الهدف منها نزع سلاح المقاومة وهذه التسميه هي في الاصل عنوان لرواية كتبها الروائي الامريكي (جون شتاينبك) ونال عليها جائزة نويل سنة 1962م ومن يقرأ تلك الرواية سيجد أن مسارها انساني ولاتربطها أي علاقة بالعملية الاسرائيلية الهمجية.ففي التسمية (عناقيد الغضب) صورة استعارية مزجت بين عنصرين أحدهما (نباتي حلو ) والثاني ينتمي الى مجال مختلف مجال النفس الانسانية (المر الساخن) في اشد حالاتها اضطراباً (الغضب).وفي تلك الصورة الاستعارية تحديد لطبيعة العملية العدوانية التي تبتدء كما يبدأ عنقود العنب بحبة لتتوالى الحبات متراصة متكاثفة فتكون عناقيد (الغارات).واذا كانت الجرائم العسكرية والحروب البربرية التي تشنها إسرائيل على امتنا العربية وشعوبنا الإسلامية تتخفى تحت مسميات ناعمة ومخادعة تستعيرها من دورة الحياة في الفصول الأربعة (أمطار الصيف) و (غيوم الخريف)..!؟فالولايات المتحدة الأمريكية التي تشن حرباً كونية على كل معارض لسياستها الخارجية تستدعي تسميات (الكائنات الحيوانية) التي تحضر بكثافة في أفعال التسمية حين يكون موضوعها الحروب والعمليات العسكرية للإشادة بنزعة الإنسان العدوانية.مثال على ذلك العملية العسكرية المسماه (النسر النبيل) التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد تفجيرات سبتمبر للثأر مما حل بها في ذلكم التاريخ المشؤوم فأشهرت حربها على أفغانستان أولاً ثم على الإرهاب ثانياً حرباً وهبتها الاسم سالف الذكر (النسر النبيل) والنسر كما هو معروف من الجوارح ومن طبيعته الافتراس والانقضاض ولكن الاستعارة هنا تحوله إلى رمز للنبل !! رمز للدولة الاستكبارية المتعالية (إنها الأسطورة اليهودية الأمريكية في أنهم أكثر قرباً من الإنسانية والنيل من أي إنسان).أخيراً لاشك في أن أسماء الجرائم العسكرية البربرية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على امتنا العربية وشعوبنا الإسلامية كثيرة لايتسع الحيز لاستعراضها وشرح تراكبيها الاستعارية واللغوية المخادعة التي تضمر لنا الحقد الدفين لكنها في مجملها تلخيص واختزال للخطاب العدواني المستكبر الذي يبين لنا كما يبين التاريخ أن أمريكا الأكثر استعداداً لإدعاء الانتساب إلى قضية سامية ونبيلة وهي غالباً المسؤولة عن اقتراف أكثر الجرائم بشاعة ومأساوية.