معرض في المتحف الوطني الفرنسي للفنون الآسيوية
باريس / متابعات: إنها رحلة في عوالم من الجمال والإبداع ينقلنا إليها معرض "كنوز التراث الافغاني" المقام حالياً في المتحف الوطني "غيمية" للفنون الآسيوية في باريس والذي يستمر حتى آخر نيسان "ابريل" 2007م.يرمي هذا المعرض الذي جاء بعد معرض أول حول الموضوع نفسه عام 2002م وكان بعنوان "افغانستان تاريخ الف سنة" إلى إبراز مراحل تطور تاريخ افغانستان من العصر البرونزي إلى تاريخ امبراطورية كوشام، بحيث تبرز القطع المعروضة، وعلى رغم اختلافها وتنوعها، الاستمرارية والثراء اللذين يتمتع بهما التراث الافغاني بحكم موقع هذه المنطقة التي خضعت ولا تزال تخضع للعديد من التأثيرات الثقافية كالفارسية والصينية والهندية وغيرها.لأول مرة تعرض 220 قطعة من القطع الاستثنائية التي تنتمي إلى إحدى مجموعات المتحف الوطني الافغاني والتي تشتمل على أكثر من 20 ألف قطعة اكتشفها الباحث والمنقب الروسي فيكتور سرينيدي عام 1978م قبل دخول البلاد في دوامة العنف والحروب. وقد عرفت هذه المجموعة تاريخاً مملوءاً بالمغامرات والمفاجآت انطلاقاً من عصر الاسكندر المقدوني مروراً بالحروب والازمات التي عرفتها افغانستان في تاريخها القديم والمعاصر ووصولاً إلى زمن طالبان وما عرفته المواقع التراثية من تدمير وتهديم كما جرى لتماثيل بوذا التي دمرت على مرأى ومسمع من العالم في اذار "مارس" 2001م، وهي من أشهر كنوز افغانستان العريقة.يرتكز المعرض على تقديم مجموعات آتية من اربعة مواقع مختلفة هي : فلول، ايكنوم، تيلا تيب وبرجام، المنطقة الشمالية من افغانستان المعروفة بـ "التلة الذهب" وهي المنطقة الواقعة بين اعالي جبال الهندوكوش وعمو داريا نسبة إلى امبراطورية "باكتريان".تعد قطع هذه المجموعة من القطع الفنية النادرة، ومنذ استخراجها من تحت الرمال عام 1978م من جانب الباحث الروسي فيكتور سرينيدي، لم تعرض قط امام الجمهور الواسع، بما فيه المتخصصين بالفنون الآسيوية. ويعود تاريخ هذه القطع إلى أكثر من الفي سنة، أي إلى عهد الحضارة الهيلينستية وتاريخ الامبراطورية الاغريقية "باكتريان".وقد ظلت هذه الكنوز، ومنذ اكتشافها مخفية في صناديق المصرف المركزي الافغاني بعيداً من الهزات والحروب التي ضربت التاريخ المعاصر للمجتمع الافغاني. وكانت هذه الكنوز قد اخفيت في عهد محمد نجيب الله في دهاليز القصر الحكومي في صناديق تابعة للمصرف المركزي.واغلقت ابواب تلك الدهاليز بسبعة مفاتيح كما تقول بعض المصادر، ووزعت هذه المفاتيح على رؤساء بعض القبائل التي احتفظت بالسر طويلاً وذلك لغاية ربيع 2004م حيث قرر الرئيس حميد كرزاي اخراج الكنوز إلى العالم لتسافر عبر عواصمه وتعرض في أكبر متاحفه كما هو الحال اليوم في باريس، شاهداً على تاريخ وتراث غني ومتنوع.وقد رويت حول هذه الكنوز الكثير من القصص والحكايات المجنونة كتلك التي تحدثت عن ضياعه بنسبة 80 في المائة وسرقته وبيعه في محلات بيشاور. وقيل انه تمت اذابته ليباع ذهباً خاماً في اسواق باكستان. كما قيل ان اسامة بن لادن قام شخصياً باخراجه من افغانستان لتمويل عملياته الارهابية, لكن الكنوز افلتت وبأعجوبة من ايدي المتربصين به سواء كانوا من الجنود الروس أو من جماعة طالبان وغيرهم ممن حاولوا المتاجرة بالممتلكات الثقافية الافغانية.نلاحظ من بين هذه القطع المتأثرة بعوالم وثقافات عدة منها الرومانية واليونانية والهندية والصينية، تماثيل عن الهة الحب أفروديت وتماثيل اخرى تمثل الحيوانات ومجموعة كبيرة من المجوهرات والمرايا الصينية وعشرات القطع الذهب. اضافة إلى الاواني ذات الاستعمال اليومي والمصنوعة من العاج والمعدن وإلى غير ذلك من القطع من اصل روماني وهندي، قطع تبرز القوة والترف كما تبرز الدور الكبير الذي لعبته هذه المنطقة كهمزة وصل مهمة بين الشرق والغرب، وفي مجال التبادل بين مختلف الحضارات الانسانية، وقد اعتبرها القائد المقدوني الاسكندر الاكبر قبل 2300 سنة مفتاحاً للسيطرة على طريق الهند وآسيا.تتوزع القطع المعروضة هنا وهناك في صالات المتحف، وهي مضاءة بأسلوب يتلاءم والفضاء الواسع ويفسح المجال لرؤية كل قطعة على حدة كتحفة قائمة بذاتها، وهي قطع لاتزال تحافظ على نقائها ورونقها، تماماً كما عرفت في وقت سابق كيف تصهر معارف ومفاهيم الشرق والغرب في بوتقة واحدة وهو ما نلمسه بقوة في هذا المعرض.تفتح القطع الفنية النادرة المعروضة اليوم في متحف "غيميه" الباريسي آفاقاً على عوالم من الابداع والابتكار الانساني الخلاق، وهذا ما يمنح المعرض بعده الاستثنائي بين معارض الموسم الفرنسي الحالي.