
لقد أصبحت الثأرات نارا لا ترحم، تتغذى على مفاهيم بالية كالكبرياء، والمناطقية، ورفع الرأس، وكأن هذه القيم الزائفة أغلى من دم الإنسان، وأقدس من حياة شاب في ريعان عمره، أو رب أسرة تعلّق به أطفال ينتظرون عودته.
ما يؤلم أكثر أن أغلب النزاعات لا تنشأ من قضايا حقيقية تستحق الاقتتال، بل من سوء فهم، أو خلاف بسيط تضخمه العصبية، ويتحول إلى دم لا يغسل. ثم وبعد سنوات من الدمار والمآسي قد يعود الخصماء إلى الحلول العقلانية نفسها، ولكن بعد أن نكون قد خسرنا الكثير.
اليوم ندرك في هذا الزمن أن الكل أصبح في المجتمع أسرة واحدة، لا فرق فيه بين فلان وعلان، لم يعد للسلاح دور سوى إشعال الأحقاد. نعم.. الكل يملك البندقية، ولكن ليس الكل يملك الحكمة. والبندقية لا تصنع الهيبة، بل من يصنعها هو صاحب العقل الرزين، والكلمة الطيبة، والتصرف المتزن والحفاظ على أولاده وأهله وأصحابه وقبيلته.
إن طريق الثأر لا ينتهي، ولا يورث إلا الحزن والعداوة، بينما طريق العقل والصلح ينبت الود، ويرجع القلوب إلى صفائها، ويجعل من كل دار واديا للسلام.
المطلوب اليوم هو موقف موحد من أبناء المجتمع، من عقلائه، من شيوخه، من وجهائه ومثقفيه، كي يتصدوا لهذه الآفة، ويحيوا في الناس روح التآخي والتسامح، ويقيموا اللقاءات الأخوية والمصالحات الجريئة التي تعيد للمجتمع شبوته الحقيقية أرض الأخوة والشهامة لا أرض العنف والثأر.
فلنطفئ الأحقاد بين أبناء المجتمع ونار الثأر، قبل أن تطفئ فينا ما تبقى من نور.