إن أولى هذه المخاطر تتمثل في التحيز الكامن داخل خوارزميات الذكاء الاصطناعي. فبينما يفترض أن يكون أداة حيادية، إلا أن الذكاء الاصطناعي قد يعيد إنتاج التحيزات البشرية ذاتها إذا تلقى بيانات غير متوازنة. وقد ظهرت بالفعل حالات لأنظمة اتخذت قرارات مجحفة في مجالات مثل التوظيف ومنح القروض وتقييم المخاطر، ما جعل العدالة الرقمية على المحك.
وهنا من بين التحديات الأكثر حساسية، يبرز تهديد الخصوصية الناتج عن جمع ومعالجة كميات هائلة من البيانات الشخصية. هذه البيانات قد تستخدم بطرق غير معلنة، أو تخزن في منصات قد تتعرض للاختراق، مما يجعل المستخدم في مواجهة خطر غير مرئي، بالذات في بلد يعاني من ضعف الرقابة في هذا الجانب المتطور.
أما الخطر الذي يثير القلق، فهو سوء استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل البعض، وهو ما يعرف بظاهرة سوء الاستخدام المعرفي، حيث تبقى آلية اتخاذ القرار همجية في التعامل مع معلومات التطور لدى بعض الأفراد، وقد يكون استخدامهم لهذه المنظومة غير قابل للتفسير. هذه الضبابية تجعل من الصعب تحديد من يحاسب عند وقوع خطأ.
وإلى جانب الاستخدامات المفيدة، فمن الممكن أن يفتح الذكاء الاصطناعي أبوابا لسوء الاستخدام، من بينها إنتاج صور وفيديوهات مزيفة يصعب كشفها، أو شن حملات تضليل واسعة، فضلًا عن استخدامه في الهجمات السيبرانية. ومع تزايد قدرات هذه التقنيات، يتضاعف تأثير المحتوى المزيف على الرأي العام والاستقرار الاجتماعي.
كما تثير الأتمتة مسألة حساسة تتعلق بمستقبل الوظائف، إذ باتت بعض المهن مهددة بالاختفاء أو التراجع أمام موجة الروبوتات الذكية. ورغم أن التكنولوجيا تخلق وظائف جديدة، إلا أن عدم التوازن بين الوظائف المفقودة والمستحدثة قد يزيد الفجوة الاقتصادية والاجتماعية.
ولكن كيف يمكن ضبط المخاطر؟.. رغم حجم التحديات، فإن ضبط الذكاء الاصطناعي ليس مستحيلًا، بل يتطلب منظومة أخلاقية وتشريعية وتقنية متكاملة.
تشريعات واضحة ومسؤولة تتفق الجهات المختصة على ضرورة سنها بما يحدد مسؤوليات الشركات والمطورين، وتفرض ضوابط لحماية خصوصية المستخدمين وضمان شفافية الأنظمة.
إن فهم الجمهور للمخاطر وآليات الحماية يساعد على الاستخدام السليم لهذه التقنيات والحد من آثارها السلبية المحتملة. الذكاء الاصطناعي يحمل وعدًا كبيرًا بجعل المستقبل أكثر ذكاءً وتطورًا، لكنه في الوقت ذاته يفرض علينا مسؤولية بناء أسس أخلاقية قوية تحمي الإنسان من أي استخدام غير عادل أو غير آمن. وبين الفرص والمخاطر، تبقى الحوكمة الرشيدة هي الطريق نحو ذكاء اصطناعي أكثر إنسانية.
