وإذا ما القينا نظرة على ولاية تعز وعاصمة اقليم الجند في العصر الحديث ودور أبنائها في الحركة الوطنية والثورة اليمنية وأنشطة الحياة المختلفة في اليمن فإننا نجد ان تعز كانت الحاضن والمسهم اسهاماً كبيراً في الحركة الوطنية والثورة اليمنية لدرجة ان ثورة 14 أكتوبر كانت تتلقى كافة أوجه الدعم السياسي والمادي والمعنوي من تعز حيث كانت تأوي إليها قيادات الثورة ويتم فيها تدريب الثوار على استخدام مختلف انواع الاسلحة المناسبة لمواجهة الاستعمار البريطاني كما كان الدعم المادي يتضمن تقديم السلاح والمال ومعسكرات الايواء والتدريب.
وفي مجال الدعم المعنوي كانت إذاعة تعز في معظم برامجها موجهة إلى جنوب الوطن تذيع اخبار العمليات التي يقوم بها الثوار وتلهب حماس الشعب بالبرامج والاغاني الوطنية والتحريضية مثل اغنية (برع يا استعمار) لمحمد محسن عطروش ولم يقتصر دعم تعز لثورة اكتوبر على هذا المستوى الشامل من الدعم بل تعداه إلى انخراط الكثير من أبناء تعز في الكفاح المسلح لثورة 14 أكتوبر، وكان منهم الكثير من الشهداء الذين يعرفهم جيل الثورة والثوار.
وإذا كان هذا دعم تعز وأبنائها لثورة أكتوبر، فإن دعمهم لثورة سبتمبر كان واضحاً وملحوظاً من خلال انخراطهم في صفوف المدافعين عنها وخوضهم للكثير من المعارك التي ابلوا فيها بلاء حسناً وقدموا العديد من طوابير الشهداء خلال المراحل المختلفة لثورة 26 سبتمبر حتى انه في أشد الظروف صعوبة التي كانت تواجهها ثورة سبتمبر كحصار السبعين للعاصمة صنعاء، فإن تعز كانت تمثل العمق الاستراتيجي للدفاع عن الثورة وفك الحصار عن العاصمة من خلال ارسالها للعديد من قوافل السلاح والرجال حتى تم تحقيق النصر وكسر الحصار واستقرار الموقف.
وعلى الرغم من التضحيات الجسيمة التي قدمها ابناء ولاية تعز في سبيل انتصار الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، إلا ان ذلك قد انعكس عليهم فيما بعد بالكثير من الاهمال والتهميش واستبعادهم من المراكز المؤثرة وخاصة في القوات المسلحة والأمن بدرجة لا تتناسب مع ثقل هذه المحافظة وكثافتها البشرية وادوار أبنائها الوطنية، ليس ذلك فحسب بل اصبحت في ظل النظام الاستبدادي الفردي في شمال الوطن وتدار من قبل متنفذين من خارج المحافظة وخاصة ممن ينتسبون لاجهزة الأمن المختلفة والقوات المسلحة إذ كان الواحد من هؤلاء المتنفذين يتدخل في كافة قضايا المواطنين حتى كان الواحد منهم يأتي إلى تعز فقيراً ثم يكون غنياً يملك المال والعقار حتى امتلأت الأرض منهم ظلماً وجوراً وفساداً وظلت هذه الأوضاع المأساوية هي السائدة في ولاية تعز لأكثر من ثلاثة عقود.
ولذلك فإنه عندما قامت ثورة الـ 11 من فبراير الشبابية السلمية الشعبية عام 2011م، رأينا كيف انتفضت هذه الولاية عن بكرة أبيها في امواج بشرية هائلة تموج بمئات الألوف التي خرجت في ساحة الاعتصام الرئيسة بمدينة تعز وفي غيرها من المدن والمديريات التابعة لها حيث شكلت تلك المسيرات والحشود الهائلة صورة ثورية مهيبة لتلك الجماهير واصرارها على رفض الواقع المأساوي الذي تعيشه تعز في ظل النظام الاستبدادي الدكتاتوري وذلك على الرغم من الاساليب القمعية الوحشية التي واجه بها النظام الفاسد الجموع الثائرة في محاولة لارهابها وكسر ارادتها وتخليها عن حقها الطبيعي في المطالبة بالحرية والكرامة ورفض الظلم والاستبداد وتحقيق التغيير نحو الأفضل وسيظل التاريخ يذكر بمزيد من الخزي والعار تلك الجريمة النكراء التي اقدم عليها نفر من زبانية النظام الاستبدادي الفاسد من الجبناء الذين تخلو عن الانسانية والرجولة وقاموا باحراق ساحة الاعتصام ليلاً لتأتي نيران حقدهم وجبنهم وانحطاطهم على كثير من المعتصمين الابرياء الذين حاصرتهم النيران من كل اتجاه ولم يتمكنوا من الهرب وخاصة منهم كبار السن والمعاقين الذين تفحمت اجسادهم الطاهرة وارتقوا إلى ربهم صابرين محتسبين وليظلوا لعنة في تاريخ نظام الظلم والطغيان والاستبداد في محرقة ترتقي إلى جرائم الابادة الجماعية الوحشية، بينما يتطلع أولياء الدم وثوار فبراير في تعز وعلى مستوى اليمن ان يأتي اليوم الذي تطال العدالة تلك الايادي الاجرامية التي تسببت في هذه الجريمة النكراء حتى تنال جزاءها العادل على ما أقدمت عليه في تدبير هذه المحرقة التي يهتز لها الضمير الانساني.
ان المظالم التي قامت ثورة فبراير من اجل ازالتها والقضاء عليها مازالت ـ وللأسف ـ قائمة على مستوى اليمن، ولكنها على مستوى تعز أكثر بكثير من غيرها من المناطق الاخرى لدرجة ان هناك عصابات مسلحة في بعض المناطق وخاصة في مديرية التعزية تغير على أملاك المواطنين من العقارات والاراضي الزراعية وتستولي عليها جهاراً نهاراً بقوة السلاح والمجموعات الاجرامية المسلحة وقد كتبت الصحف المحلية واشارت بعض القنوات التلفزيونية في برامجها إلى هذه الظاهرة الخطيرة ويبدوا أن السلطة المحلية وعلى رأسها محافظ تعز لاتلقي بال لمثل هذه التعديات الإجرامية الخطيرة التي تفرض على المواطنين الابرياء شريعة الغاب ومقولة البقاء للاقوى.
وفي هذا الصدد نذكر هؤلاء المسؤولين بأن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب كان وهو بالمدينة كان يخشى لو عثرت بغلة بالعراق ان يكون المسؤول امام الله في عدم تسوية الطريق لها فأنظروا أين انتم من ذلك ومن رفع المظالم عن الناس ومن لم يستطع العمل في اطار اختصاصه فليترك المسؤولية لغيره وإلا فان حسابه سيكون عسيراً ان لم يكن في الدنيا ففي الاخرة.
لقد قدمت ولاية تعز الكثير من التضحيات على مستوى الحركة الوطنية اليمنية وعلى مستوى الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وفبراير كما اسهم ابناؤها في مختلف انشطة العمل والبناء ولم يكونوا في يوم من الايام قطاع طرق أو مخربين للمصالح العامة للشعب اليمني ومع ذلك فإن تضحياتهم واسهاماتهم البناءة والشريفة لم تلق سوى المزيد من الجحود والظلم والاهمال.
واخيراً .. وعلى الرغم من ذلك فستظل تعز ايقونة الثورة وصورة للمدينة المتحضرة التي يفخر بها الوطن وشعلة متقدة لثورة فبراير التي لن تنطفىء حتى تحقق اهدافها العظيمة في الحرية والكرامة والتغيير نحو الأفضل وصولاً إلى الدولة المدنية الحديثة وفق مخرجات الحوار الوطني.