لكن ما الذي حدث لهذه المشاعر الجياشة والتطلعات المشروعة والمواقف الإيجابية للمواطن اليمني تجاه قيام الوحدة المباركة وكيف تصرفت القيادة الجديدة لدولة الوحدة الوليدة وهل كانت في مستوى الأمانة والمسؤولية الكبيرة التي تحملتها ؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات استناداً إلى الواقع والتجربة التي عاشتها اليمن منذ قيام الوحدة وحتى عام 2012م لتؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن المواطن اليمني قد فقد الثقة بقيادة دولة الوحدة التي تألفت من رئيسي الشطرين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض ومن حزبيهما الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام حيث تم دمج سلطتهما في سلطة واحدة تشريعية وتنفيذية وقضائية وبما يحمله كل واحد منهما من مساوئ التشطير كالفساد والشمولية والإقصاء والتهميش فالنظام المتخلف في الشمال قائم على اغتصاب السلطة بعد مؤامرة اغتيال الحمدي والنظام في الجنوب رفض استيعاب أبناء بعض المناطق والمحافظات وخاصة شبوة وأبين ودخل الوحدة كعصابة يمثلها وزراء وقياديون ينتمي أغلبهم إلى مناطق محدودة في الجنوب ولم يكتفوا برفض أبناء المناطق التي اختلفوا معها عام 1986م في أحداث يناير المشؤوم بل إنهم اشترطوا على رئيس النظام في الشمال لكي يأتوا إلى صنعاء بعد إعلان الوحدة أن يطرد من صنعاء كل القيادات الجنوبية التي اختلفوا معها وفي المقدمة الرئيس علي ناصر محمد الذي أرغم على السفر من صنعاء إلى الحبشة بينما خرجت القيادات التي كانت معه إلى جهات مختلفة.
وعلى الرغم من أن الوحدة اليمنية قد تمت في الـ 22 من مايو 1990 وبهذه الصورة المؤسفة وبقيادات من الشطرين لم ترتق إلى مستوى هذا الحدث الوطني العظيم بعد أن وجدت نفسها في ظل متغيرات دولية كان أبرزها انهيار المنظومة الشيوعية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب التي كان يتم في ظلها الاستقطاب والاحتواء للدول الصغيرة لتدور في فلك الدول العظمى ولو على حساب مصالح تلك الشعوب المستضعفة ولذلك فما كان أمام القيادات في الشطرين سوى الهروب إلى الأمام والدخول العشوائي في الوحدة لتحقق هدفين مهمين بالنسبة لهذه القيادات:
الهدف الأول الإفلات من الأوضاع الاقتصادية المنهارة التي وصل إليها الشطران نتيجة للفساد والسياسات الخرقاء والتبعية التي كان يتصف بها كل منهما، والهدف الثاني تحقيق لمجد الزائف لقيادتي الشطرين كأبطال تاريخيين صنعوا الوحدة ووصفهم من قبل الإعلام الرسمي بالزعامة التاريخية وبالرمز الوطني وبالقيادة الملهمة والفذة والحكيمة إلى غير ذلك من أوصاف البطولة والشجاعة والوطنية وصناعة تاريخ اليمن الحديث ومجده وحضارته ونهضته إلى غير ذلك من الأوصاف التي مل من سماعها الشعب اليمني وهو يسمع جعجعة ولا يرى طحناً.
وبالإضافة إلى ما سبق من المساوئ التي قامت عليها الوحدة اليمنية فقد اعتمد النظام السياسي لدولة الوحدة في السنوات الأربع الأولى لقيامها على أسلوب التقاسم للوظائف ونهب المال العام وإدارة دولة الوحدة الوليدة بطريقة الفيد والفساد مما تسبب في الصورة المأساوية للوحدة لدى المواطن والانتقاص منها كقيمة وطنية عظيمة وعدم إدراك الكثير من الناس في اليمن وخاصة البسطاء من الناس الذين يستغلهم أصحاب المشروعات الصغيرة المعادية للوطن الواحد ودفعهم إلى كراهية الوحدة من خلال إقناعهم بأنها السبب فيما حصل للشعب من ظلم وطغيان وفساد بينما الواقع والتاريخ والعقل والمنطق كل ذلك يؤكد أن الوحدة قوة ولو لم تكن كذلك لما تمسكت بها الأمم والشعوب والكيانات الكبرى مع تعدد أعراقها وأديانها ولغاتها ولهجاتها وثقافاتها المختلفة كما هو حاصل الآن في الهند وروسيا وكندا وماليزيا وجنوب أفريقيا ومعظم دول العالم وكما أدرك أهميتها في الزمن القديم الأعرابي القائل:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
كما أن ديننا الإسلامي يحثنا على التمسك بالوحدة والأخوة وينهانا عن الفرقة والكراهية قال تعالى: (إنما المؤمنون أخوة ) وقوله سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وفي الحديث الشريف : يد الله مع الجماعة) ولذلك فإن كل النصوص التي وردت في الكتاب والسنة تدعو إلى التعاون والتضامن والوحدة الوطنية ولنا في الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فعندما قدم إلى المدينة وجدها تضم الأوس والخزرج وهم أهل المدينة من العرب وكانت بينهم خصومة شديدة وقد أسلم الكثير منهم قبل قدوم الرسول إليها فلما أقام بها الرسول صلى الله عليه وسلم كان الوضع السكاني العام للمدينة يتكون من المسلمين والمنافقين واليهود حيث تعاملت الدولة الإسلامية الوليدة مع هذه التركيبة السكانية المتناقضة بإقرار حقوق المواطنة للجميع وتثبيت مبدأ التعايش السلمي بينهم ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم وثيقة لحقوق والواجبات لسكان المدينة التي تعتبر أول دستور في العالم يعترف بحق المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات على الرغم من اختلاف الدين والعرق.
ولقد كانت الوحدة اليمنية رد اعتبار للتاريخ اليمني الواحد والوطن اليمني الواحد الذي امتلأت أمهات الكتب بالحديث عن دوره الحضاري والإنساني منذ النشأة البشرية الأولى ولم نجد في كتاب المجد اليمني سوى الحديث عن يمن واحد وشخصية يمنية واحدة وحضارة يمنية واحدة وهذا لا يتعارض مع قيام بعض الدول وممالك اليمنية التي سادت ثم بادت في إطار اليمن ناهيك عن التشطير الذي قسم اليمن إلى شطرين نتيجة لضعف الدولة المركزية وإلى الأطماع الاستعمارية لاحتلال اليمن كما حدث ذلك من بريطانيا في احتلال عدن عام 1893م ثم امتد نفوذها إلى المناطق الجنوبية الأخرى.
ولا شك أن الشعب اليمني وهو يعيش أفراح العيد الـ 24 لقيام الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية عام 1990م يجدد التأييد والوقوف خلف قيادته الجديدة بزعامة الأخ المناضل الوحدوي عبدربه منصور هادي - رئيس الجمهورية ليعيد الاعتبار للوحدة مما لحق بها من إساءات وتشويه من القيادات السابقة التي لم تكن في مستوى المسؤولية وأوصلت اليمن إلى حافة الهاوية وتركت الشعب اليمني يعيش فقراً وتخلفاً واختلافاً بعد أن نهبت مليارات الدولارات من حقوقه وأمواله وهي الآن تقف حجر عثرة أمام الجهود الحثيثة والصادقة للرئيس هادي بتحقيق عملية التغيير السلمي وفق مخرجات الحوار الوطني وما تضمنته المبادرة الخليجية إلا أن الشعب اليمني بإدراكه لمخاطر المرحلة التي يمر بها الوطن والتحديات التي تواجهه وتأييده واصطفافه خلف القيادة السياسية الحكيمة بزعامة الأخ الرئيس / عبدربه منصور هادي سيصل في النهاية إلى أهدافه وحقه في الحرية والعدل والمساواة والدولة اليمنية الاتحادية الحديثة.. وكل عام والشعب اليمني منتصرً وموحد.