لست متشائما، ولا أحب أن أكون كذلك، ولكنهم يجبرونني، كما هو الحال مع بقية سكان بلادي، على أن أكون في أعلى درجات التشاؤم.. أخبروني كيف استمر في تفاؤلي -الذي لا اريد فراقه- وأنا أرى بلادي تدمر على أيدي من يدّعون أنهم ابناؤه.. كهرباء، نفط، غاز، اتصالات، انترنت.....الخ، جميعها تتعرض كل ساعة لأبشع الاعتداءات.

يبدو أننا مقبلون على يمن بلا كهرباء، فالمسكينة لن تقوى على ان تظل منتصبة، وهي تجد كل يوم مجرما يتربص بها، والغريب أنه معروف باسمه وصفته ورقم هاتفه، ولا يجد من يقول له حتى «عيب استحي من فعلك القبيح»، ناهيك عن الامساك به وتقديمه للمحاكمة.

ان ما يحدث للعنصر الاساسي -الكهرباء- الذي يبقي الحياة الاقتصادية مستمرة، لا يمكن تفسيره سوى بأن هناك هدنة بين الدولة والمجرمين، وإلا كيف نفسر عدم اصطياد من يصطادون يوميا ابراج الكهرباء في وضح النهار.. والمخزي أن الجهات الامنية، تذيع على المواطنين اسمه ومواصفاته وأرقام تلفوناته، وكأنها تقول لهم: انا عاجزة، تفاهموا انتم معه بالطريقة التي ترونها مناسبة.. أي مهزلة تعيشها الدولة.

لم نر الكهرباء في مدينة رداع طوال اسبوع كامل، بينما اصوات الرصاص لم تغادر مسامعنا، وتحليق الطائرات فوق رؤسنا.. نتعجب كيف تحوم طائرات لاصطياد مجهولين، بينما تغض الطرف عن مجرمي الكهرباء، وهي تعرفهم واحداً واحداً.. ألا يستحق الامر الاستغراب، أم أن الاستغراب قد تم قطعه كما هو حال الكهرباء.

ما الداعي لأن تبقى المحطة الغازية والابراج الناقلة للكهرباء في محافظة مأرب، أليس من العقل والمنطق أن يتم نقلها الى مناطق آمنة؟؟ اعتقد ان تكاليف النقل او انشاء محطة جديدة يوازي الخسائر التي تتكبدها الدولة من جراء الاعتداءات المتكررة، هذا بالإضافة الى الذين يموتون يوميا في المستشفيات بسبب هذا الاجرام اليومي.

اجزم بأن المسؤولين لا يهمهم حال الكهرباء، فكل واحد منهم قد امتلك مولدا كهربائيا ينير حارة بأكملها، لوحده فقط، فيما مدينته في ظلام دامس.. وهنا اشير اليهم بأن يغلقوا مولداتهم ليوم واحد فقط، حينها سيشعرون بما يشعر به بقية المواطنين.

سئمنا من الوعود المتكررة، خاصة الصادرة عن الجهات الامنية، فتلك الجهات تتفنن في الوعيد، وليتها تسكت، لأن رد المخربين اسرع من صوت وعيدهم، فكلامهم ينقلب وبالا علينا نحن المواطنين، فكلمة منهم تبقينا أياما بلا كهرباء.

هناك من يساعد ويمد هؤلاء المخربين، لأسباب سياسية، والضحية المواطن المغلوب على أمره، فالصراع على السلطة انتقل الآن من الشارع الى ابراج الكهرباء، والضغط يزداد من أجل التأثير سواء بكسب نقاط سياسية، أو لإثارة المواطنين ضد الدولة، وهذه الاخيرة لا تقوى على فعل شيء، ولم تخرج ببيان رسمي تبين من خلاله للشعب من هي الجهات التي تقف وراء المخربين، وطبعا بالدليل، فلا نريد كلاما انشائيا، بل أدلة وبراهين.

وحتى نجد حكومة قادرة على انصافنا من يد هؤلاء المجرمين، نقول يد الله فوق أيديهم، وسيقذف الله بهم وبمن يعينهم في ظلمات جهنم... حينما تقف كل نفس ماتت بسبب احتياجها للكهرباء، وتقتص منهم يوم لا ينفع مال ولا بنون، وبطبيعة الحال لا شيخ ولا جاه ولا سلطان.. فهل نبحث لنا عن حكومة تنقذنا؟ أم ستبحث الحكومة عن شعب آخر يحب العيش في الظلام؟.

* أستاذ مساعد بجامعة البيضاء