وبهذا ادركت ان شهر نوفمبر ليس في ذاكرة اليمنيين فقط بل هو في ذاكرة الاشقاء بالجزائر، فالشعبان الشقيقان يحتفلان فيه بالتخلص من المستعمر الغاصب.. ففي الأول من نوفمبر اندلعت الثورة الجزائرية في الفاتح منه عام 1954 ضد المستعمر الفرنسي والتي دامت 7 سنوات ونصف, ونضال الإخوة في الجزائر العتيد والذي أصبح مضرب الأمثال استشهد فيه أكثر من مليون ونصف مليون جزائري , فقد جاءت الثورة الجزائرية لتخلص الجزائر من المستعمر الفرنسي الذي احتلها لما يربو على 130 عاما , واعتبرها المستعمر جزءا من أراضيه وعدها قطعة تابعة له فنهب خيراتها الوفيرة وقتل أبطالها وعزلها عن العالم بغية الاستفراد بها , ولولا المجاهدون الجزائريون الذين ضحوا بأرواحهم وقدموا الغالي والنفيس لما نالت الجزائر استقلالها .
وفي تلك الأثناء كان الثوار في شمال وطننا الغالي يكافحون الإمامة الرجعية , وقد ساندنا الأشقاء في الجزائر في التحرك نحو الثورة , وكان لوصول الجزائري الأستاذ الفضيل الورتلاني إلى صنعاء سنة 1947م قادما عن طريق عدن وهو عالم وخطيب لا يجاريه أحد في ذلك واتى لليمن وروح الثورة تتقدمه , فمر بعدن وضاعف من حماس قادة حزب الأحرار وأعضائه، ذلك الحماس الزاحف مع الفضيل الورتلاني إلى كل مكان حل فيه, وفي (تعز) شرع الفضيل الورتلاني في إقامة الندوات وإلقاء المحاضرات في المدارس والمساجد والحفلات، فتسري روحه إلى الشباب والضباط وطلاب المدارس , وصل الفضيل الورتلاني يحمل مشعلاً آخر، وبدأ يخطب الناس بأسلوب جديد دفع الشباب اليمني دفعاً إلى اعتناق الثورة، ولولا الورتلاني ما توحّد الأحرار في اليمن فالورتلاني هو مهندس ثورة 1367هـ - 1948م , وان لم يكتب النجاح للثورة في هذه الفترة إلا أنها كانت مقدمة حتمية لثورة 26من سبتمبر عام 1962م , وبعد قيام الثورة في الشمال انتفض الجنوب على المحتل الغاصب وتفجرت ثورة 14 من أكتوبر عام 1963 م , وكان الإخوة في الجزائر ممن ساندوا الثورتين , حتى أن الرئيس الجزائري الراحل هواري بو مدين أرسل موفدا خاصا للتضامن أثناء حصار السبعين يوما وظلت السفارة الجزائرية هي الوحيدة المفتوحة مع الأشقاء الصينيين إبرازا للدعم والتضامن .
بالمقابل وجد الثوار اليمنيون في الثورة الجزائرية ركيزة قوية فقد ذاق اليمنيون من نفس الكأس , فالاستعمار البريطاني ظل جاثما على أرضنا لما يقارب نفس فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر , ولهذا كانت المعاناة متشابهة والتطلعات مشتركة والنضال هو السبيل الوحيد , ولذا فقد خرجت الثورتان من رحم معاناة واحدة , لتنقض على الغاصب كالغضنفر, بحيث استطاع الثوار دحر المستعمر وتطهير الأرض , وكما كان الفاتح من نوفمبر هو يوم خلاص للجزائريين كان الفاتح منه أيضا يوم خلاص لليمنيين ففيه وتحديدا عام 1967م أي قبل 43 عاما تخلصت اليمن والى غير رجعة من تحكم الطغاة .
ولان الشعبين ناضلا طويلا ضد الاستعمار , فقد خرجا برؤية صحيحة عن أغراض المستعمر في امتلاك الأرض وهتك العرض ونهب الثروات , وهو ما يحدث الآن في فلسطين الحبيبة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين التي يدنس ترابها الطاهر الاحتلال الصهيوني .
قال لي أخي الجزائري: انكم تحتفلون في هذا العام بعيد الاستقلال بوضعية مختلفة، فقلت له: وما هي هذه الوضعية؟.. فأجاب: انه الحوار الوطني.. فزادت دهشتي وتعجبي، وقال: انكم خرجتم من ازمتكم بفضل ما عرف عنكم من حكمة، لقد اجتزتم الوضع الصعب، ويجب ان تكونوا فخورين بما انجزتموه لوطنكم .
لم أشأ ان انغص على شقيقي الجزائري نشوته وفرحته بنا، ولكني سأقولها لكم: لماذا يفخر الآخرون بما حققناه.. فيما هناك من اليمنيين من يسعى لنسف مخرجات الحوار الوطني، سواء عبر رفضها من خلال حرفها عن اطار المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة.
علينا جميعا ان نخدم بلدنا كما خدمها اجدادنا الذين حققوا الاستقلال المجيد.. رحم الله شهداء اليمن الابرار واسكنهم فسيح الجنان، ومنَّ على اليمن بالامن والسلام ونجاح الحوار الوطني، الذي هو الطريق الوحيد للعبور مما نحن فيه، وهو الشعرة الفارقة فيما يحدث بيننا وبين الدول الاخرى، التي بدأت تفكر اخيرا بالحوار بين فرقائها السياسيين.... كل عام والوطن والمواطنين بألف خير.