في صباح يوم من أيام هذا الشتاء القارس كان الجو عاصفاً بارداً، دقت الباب بأدب شديد وقالت: الجو بارد بالخارج أتمانعين إن جلست في غرفتك حتى يدق جرس الحصة الأولى، أقول تفضلي، بكل سرور. ثم قالت: «ميس» هل أنت مشغولة الآن؟ كنت أطالع بريدي الإلكتروني على شاشة الكمبيوتر، فقلت للأسف كل ما لدي هو عشر دقائق قبل أن أذهب إلى اجتماعنا الأسبوعي، أريد أن أريك شيئا، هكذا قالت، هي ليست من طالباتي ولم أعلمها يوماً لكننا دائماً ما نتبادل البسمات والتحية حين نتقابل.حضرت معي بعض دروس الصحة النفسية والاجتماعية العام الماضي، وكانت دائماً متحمسة مبادرة وصاحبة رؤية، كانت تحتضن كراسة مزركشة تحملها كما تحمل الأم وليدها، اقتربت من مكتبي، فتحت لي الكراسة فحملتني معها إلى عالم مبهج حلو يحتفي بالتفاصيل والذكريات والبشر.قالت هذا كتاب التذكارات الخاص بي scrapbook، بين دفتي هذا الكتاب الضخم جمعت وبإخراج بديع كل ما تهتم به وكل ما تعايشه في حياتها، صور أصدقائها وأفراد أسرتها ومطربتها المفضلة، تذاكر سينما، قصائد تكتبها وتحلم أن تجد من يغنيها، آراء أصدقائها فيها، أسرار صديقاتها مكتوبة بخط صغير لا يقرأ، أقوال مأثورة تؤمن بها، ترسم صوراً لصديقاتها تتخيلهن في كبرهن بشعور فضية ووجوه تملؤها التجاعيد، أوراق ملونة وقطع قماش ذات تصميمات بديعة، دانتيل وحرير ومخمل ولؤلؤ وخرز ملون، ألوان فسفورية وألوان هادئة، كل صفحة تعكس حالة من حالاتها النفسية وكل تفصيلة تؤرخ للحظات غالية على قلب الصغيرة،غزلت ذكرياتها بعناية شديدة على ورق لا يبليه الزمن وبكل الخامات الممكنة فخرج الكتاب تحفة تسر العين، كم حلمت بأن أبدأ كتاباً مماثلاً وأن أتعلم هذا الفن، أنفقت وقتاً طويلاً في الاطلاع على صفحات هذه الهواية عبر الإنترنت وجمعت خامات كثيرة لهذا الغرض، وفي كل مرة يضيع الحلم تحت وطأة الانشغال بالحياة اليومية وفكرة أن هناك ما هو أهم.قالت بدأت هذا الكتاب لأن عندي شعوراً بأنني سأرحل عن هذا العالم وأنا صغيرة، نفس الفكرة التي تراودني، أسألها إلى أي مدى صغيرة؟ فتقول قبل أن أكمل عامي الثامن عشر، فأعرف أنني أكثر تفاؤلاً منها حيث أظن أنني سأرحل قبل الخمسين، ليس المهم الرحيل- حفظها الله وأطال عمرها- المهم كتاب التذكارات الذي جمعت فيه الصبية تفاصيل عمرها الجميل بفن وإبداع وشغف.قالت أريد أن أترك هذا الكتاب لأهلي كي يعرفوا أي شخص كنت، ولأظل دائماً حاضرة في ذاكرتهم، تقول ذلك ولا تفارق البسمة وجهها، تسير معي لتوصلني إلى غرفة المعلمين، وتظل تتكلم بحماس وحب عن صفحات كتابها وتقترح عليّ عناوين كتب تستحق القراءة من قائمة كتبها المفضلة وأغنيات ستعجبني إن سمعتها، أقول لها أتسمحين أن أكتب عنك وعن كتاب تذكاراتك، فتحتضنني وتقول شكراً يا «ميس» أنا أحبك كثيراً، ولا تعرف هي أنني أنا الممتنة لها فهي الملهمة وهي المعلمة.
|
آراء
دانتيل وخرز ملون
أخبار متعلقة