جدتي عيشة امرأة مسنة جاوزت السبعين عاماً تتحلى بروح الفكاهة والعيش في ذكريات الماضي الجميل...أيقظتني ذات صباح من أحلى نوم في يوم راحتي بحجة إنها اليوم تريد أن تتحمل مسئولية البيت والدخول إلى المطبخ لإعداد طعام الغذاء..كنت أعتقد في بداية الأمر إنها تهذي في الكلام وعدت للنوم مرة أخرى ولم تستسلم للأمر هزتني بعصاها بقوة لاستفيق وكان لها ما تريد؟! فابتسمت ابتسامة بريئة وأدخلت يدها في كيس مالها بحذر وأخرجت منه المال الذي توفره لشراء أدويتها أخرجت 1000 ريال وقالت لي..يا أبنتي خذي هذه الفلوس وأذهبي إلى السوق وأشتري لي بخمسة شلن بطاط وخمسة شلن بصل وخمسة شلن طماط وخمسة شلن باقي الخضار الأخرى وهذا دينار أشتري به سمك وأعيدي لي ما تبقى من المال لأنني أريد أن أطبخ اليوم الصيادية التي أحبها.وبعد أن أنهت كلامها اتكأت على عصاها وذهبت إلى سريرها لتغط في نوم عميق كعادتها..نظرت إليها وهي مثل الطفل البريء تغط في نوم عميق محتضنة عصاها التي لا تفارقها..وفي يدي الألف الريال الذي تريد به كل ما تشتهيه لأصحو في غمضة عين من زمنها الجميل إلى الواقع المُر الذي يعتصر المواطن والموظف البسيط المحدود الدخل مقارنة مع ما كانت الحياة في الماضي وما عاشته جدتي من زمن لا يعوض وحياة بسيطة كان الجميع عائشين فيها وخيراتها تعم الجميع دون تكلف أو غلاء يعانون فيه الأمرين..تركت جدتي تعيش مع أحلامها الملائكية لأبحث في حقيبتي ما تبقى من راتبي بعد أن أنفقت الجزء الأكبر منه في الالتزامات الشهرية وما تبقى من الديون الأخرى في ظل الغلاء الذي أصبح الهم اليومي للمواطن والشكوى المُرة التي لا توجد لها أذان صاغية ولا حياة لمن تنادي بعد أن ضاع الصوت المبحوح في دهاليز الجشع وسوق المال الذي لا يطاله ولا يتحكم به إلا المقتدرون ويضيع في دهاليزه المواطن البسيط والمحدود الدخل..وفي هذه اللحظة وأنا أنظر إلى جدتي تمنيت أن أعيش في زمنها المثالي لأشعر بمعنى الحياة وراحتها التي حرمت منها ومن متعتها في عالم مجنون وعاشق للتعب والعذاب والعدو خلف السراب وسحر المال الذي يضيع وسط الغلاء ويحرمنا من متعة الحياة الحقيقية..وبمجرد أن انتهيت من إعداد نفسي للخروج والذهاب إلى السوق عدت للواقع المعاش ولرغبة جدتي في الطبخ وإعداد ما اشتهته نفسها.. وانتهى حلمها حين أوقظتها لتناول طعام الغذاء الذي لم تعد تتذكر إنها رغبت في إعداده.
|
آراء
الزمن الجميل والواقع المُر
أخبار متعلقة