لاشك أن واقعنا العربي اليوم بعد ثورات ( الربيع) العربي.. لم يعد كما كان سابقاً ، فقد حدث فيه التغيير ولكن .. هل كانت هذه الثورات .. ثورات ؟! وهل كان ذلك التغيير .. تغييراً ثورياً ؟! وهل كان ما تحقق من هذه الثورات مطابقاً لما كان يتطلع إليه الثوار ؟! وما كانت تأمله الشعوب العربية ؟! تلكم الأسئلة ترشح أمامنا بإلحاح وتتحول إلى قضايا ملحة يجب الفصل بشأنها.. بالقياس إلى حصاد هذه الثورات في الواقع ؟! وللإجابة على هذه الأسئلة لابد من استرجاع صورة الواقع العربي وما كان عليه وما صار إليه !! مع استدراك ما كان مرفوضاً وما كان يجب أن يحدث.. وما كان مأمولاً وما كان ممكن التحقق ! ولا غرو أن قلنا إن الواقع العربي قبل ( الربيع) كان مأزوماً بما لا يقاس وعلى كافة الصعد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ولكنه كان واضح المعالم في أزمته حيث يمكن قراءته وتحديد صورته في مقاربة بسيطة على النحو التالي : نظم سياسية فاسدة وفاشلة قابضة على الحكم من خلال مؤسسات الدولة البوليسية والعسكرية مقابل مجتمعات مقموعة ومحتقنة تعيش في حالة انسداد وتمارس عصياناً مدنياً غير معلن ولكنه فعلي . وفي الجانب الأخر من الصورة نجد أن النظم السياسية الحاكمة بسبب فشلها وفسادها من جهة وتململ الجماهير الشعبية وعصيانها غير المعلن لهذه النظم من الجهة الأخرى نجد أن هذه النظم قد أصيبت بالشلل التام وفقدت هيبتها ولم يبق في يدها من ممتلكات السيطرة غير أجهزة القمع البوليسية والعسكرية وبالأخص ذلك القسم من العسكر ( الجيش) الموالي والمقرب قبلياً لرؤوس النظم تتشابه في ذلك كل الأقطار العربية التي حل عليها الـ (ربيع) . وفي تلك الصورة التي عرضنا تفاصيلها فيما انف ، نرى نضوجاً في الطرف الموضوعي للثورة قلما توفر شبيه له وهو ما جعل الثورات تنفجر بشكل متتابع في كل أقطار ( الربيع العربي ) حيث انخرطت فيها اغلب قطاعات الشعب بشكل عفوي استرسالاً مع حالة العصيان المدني الذي أصبح عبر هذه الثورات معلناً هذه المرة فالمجتمعات العربية التي ظلت لفترات طويلة تحت نير الظلم والقمع كانت تملؤها الرغبة في التغير ويدفعها الغضب العارم من وطأة الظلم الذي مارسته وكرسته نظم الحكم الفاسدة خلال عقود من الزمن تجاوزت ربع قرن لكن هذه المجتمعات الثائرة ومن بينها الطلائع الثورية التي تشكل الظرف الذاتي لثورة لم تكن منظمة بالشكل المطلوب كما أنها لم تكن مدركة لمتطلبات التغير الثوري وفي اغلبها كانت مسكونة بوعي زائف مفاده أن تغيير رؤوس النظم وخلعها سيأتي بالتغيير المطلوب وذلك وعي زائف تم تكريسه من قبل بعض مراكز القوى المعارضة للنظم الحاكمة بهدف الحلول محلها عند خلعها عن الحكم ومثل هذا الوعي لا يمكن أن يكون وعياً ثورياً انه في أحسن الأحوال وعي انقلابي لأنه لا يملك أي مشروع للتغيير بل سعى إلى أحداث تغير في الشكل وترك المضمون كما هو وكما كان في النظام السابق أي انه سعى إلى تغيير في مظهر النظام تاركاً جوهر النظام كما هو وستبدل قوة متنفذه نخبوية بأخرى شبيهة لها وعلى العكس من ذلك فان التغيير الثوري لابد أن يكون تغييراً في الجوهر والمظهر معاً ومثل ذلك التغيير الثوري يقتضي من اجل أن يحدث وجود طليعة ثورية منظمة وذات وعي حقيقي بمتطلبات الثورة ومتطلبات التغيير المتمثلة بالمشروع الثوري البديل والممكن التحقق والمحدد الأولويات والمدروس حيث يجب أن تكون هذه الطليعة الثورية ذات خبرة ووعي تام في المجال السياسي والدولي وقادرة على صياغة برنامج للتغيير يراعي الاحتياجات الملحة لمجتمع ويحدد أولويات القطع مع النظم الفاسدة ويرسم مساراً وخارطة طريق للتغيير. أن ثورات ( الربيع) العربي وان كانت قد نجحت في إسقاط أو تنحية رؤساء النظم القائمة في أكثر من بلد عربي إلا أنها بسبب من عدم نضوج ظرفها الذاتي لم تستطع أن تأتي بالبديل الثوري الذي يحل محل النظم القائمة وسرعان مافقدت سيطرتها على الأوضاع وانفتح أمامها أفق جديد عنوانه الفوضى والعنف والإرهاب والارتطامات التي كان يمكن تلافيها والسيطرة على مبعثها لو أن العامل الذاتي للثورة كان ناضجاً وجاهزاً بالنظام البديل وبالقوة التي تحميه في مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولا غرابة أن تلك الثورات قد أصبحت فرائس سهلة لتختطف من قبل قوى النظام القديم التي قفزت من مواقع النظام المتهالكة لتنظيم الثورة معتمدة على كثير من الدعم الخارجي لها ، ذلك أنها كانت على الدوام مرتبطة بالمراكز الاستعمارية الكبرى في الخارج وبالقوى التقليدية الحاكمة في المحيط الإقليمي التي ليس من مصلحتها حدوث تغيير ثوري حقيقي يحرر هذه المجتمعات من سيطرة القوى النافذة في الداخل والقوى الخارجية والإقليمية الطامعة في مزيد من التبعية لها من قبل هذه البلدان سياسياً واقتصادياً . وعليه يمكن القول في الختام - أن ثورات ( الربيع العربي) لم تكن جديرة باسمها الذي أطلق عليه كونها قد فتحت في البلدان التي حدث فيها باباً (الخريف) قاس من الأزمات ولكن الانجاز الأكبر الذي يمكن التحدث عنه بملء الفم أنها قد وفرت وضعاً ثورياً سيمتد في الزمان ليأتي بربيع ثوري عربي حقيقي إذا ما أدركت القوى الثورية الحقيقة ذاتها وحددت وجهتها بعد أن تصطف من جميع المشارب الفكرية في مشروع حضاري ثوري واحد يقوم على مبدأ التحالفات الواسعة التي تضع برنامجاً موحداً لإحداث التغيير بآليات جيدة تقطع مع آليات النظم القديمة البائدة ويكون هدفها الموحد تحقيق مصالح أكثر قطاعات الشعب وليس مصالح النخب النافذة.
|
آراء
ربيع العرب .. ثورة أم وضع ثوري ؟!
أخبار متعلقة