قبل الربيع العربي دائما ماتمنيت ثورة تغير من واقعنا الباهت والراكد والتي كان اخرها قد حدث أثناء طفولتي تلك التي جلبت لنا القذافي، و صالح، و بن علي. كنت دائما ما ألوم آباءنا على حالنا وكيف اصبحنا مثل الاغنام عند الحاكم يرعاها ويورثها كيفما شاء. حتى اصبحنا لا نستذكر علم اي بلد عربي دون أن نرى صورة زعيمه تتوسطه في مخيلتنا. حتى قامت ثورات الربيع العربي تطالب بالحرية والكرامة واستبشرنا بها كل الخير لأنها كانت عفوية وشعبية وليست عسكرية كما كانت في السابق لكننا سرعان ما اكتشفنا السبب الذي جعل آباءنا يفضلون ذاك الركود والخنوع والطغيان من حكامهم على القيام بثورة. فهمت تماما ان السياسة هي السياسة والموارد هي الموارد والخلل ليس في عقل الزعيم الملهم الذي تعامل معنا على اننا اغنام في مزارعه الخاصة إنما في تلك العقلية العربية القمعية العنصرية المليئة بالجهل، والتي مهما بلغ علم ودماثة نخبها لن تتغير. عرفت ان الحاكم في وطننا العربي دكتاتور لكن ليس على قطيع من الاغنام كما كنا نتصور بل على مجموعات من الذئاب المتسترة ببراءة ووهن الاغنام، حتى إذا تمكنت وسيطرت تحولت إلى وحوش كاسرة ماتلبث ان تفتك بحكامها حتى تفترس اخوانها وشركاءها في الثورة. و يا ليتنا مثل الوحوش في الغاب لا تابه لأحد ، عشوائية في تحركاتها مزاجية في قراراتها، فنحن وإن تلبسنا بثوب الفارس الثائر نستمر بالخنوع والانبطاح بانحناءات مختلفة لتلك القوى الخارجية التي كانت ومازالت تحرك المشهد الداخلي او على الاقل تستغل مخرجاته.ما يحدث في بلادنا العربية اصبح فوضى خارجة عن السيطرة باسم الحرية في مجتمعات مليئة بالجهل والفقر وأكثر ما تعوزه هو لقمة العيش والشعور بالأمن. أقولها والألم يعتصر قلبي، اننا اليوم ندمر اوطاننا بأيدينا وباسم الحرية البريئة منا لأنها في الاساس لم تعرف العقل العربي مهما تمدن، وتدين وتحضر وتلون. في اليمن شارك الجميع في إراقة الدماء اليمنية البريئة بداية بالرفاق في المحافظات الجنوبية ومرورا بحرب صيف 94 التي شاركت فيها كل القوى السياسية في الشمال بدون استثناء وبغطاء ديني مع الأسف، وختاما بأحداث الثورة في 2011 ومسلسل الاغتيالات المستمر إلي يومنا هذا. فالكل ملطخ بالدماء ولو كنا منصفين فالشيء الوحيد الذي يمكن ان يتجادل بة كل فرقاء العمل السياسي في الشمال والجنوب هو في فداحة الاخطاء وكمية الدماء التي سفكها كل تيار او حزب سياسي في اليمن. لايمكن أن نخرج من هذا النفق المظلم الذي تعيشه اليمن إلا بالجلوس على طاولة الحاضر و المستقبل ونسيان كل الجراح التي كانت ومازالت تنزف إلى اليوم. فعلى الرغم من صعوبة تجاوز الماضي لكننا لا نملك بديلا أخر غير الحرب التي حتى لو تمنيناها كُرها لإنهاء هذا الانقسام في اليمن والشعور بالضياع في انتظار المجهول القادم، لكننا نعلم يقينا أن حربا كهذه لو بدأت لن ينتصر فيها أحد، فاليمن لم تشهد من قبل مثل هذا التمزق الطائفي الفئوي والمناطقي. وفي نفس الوقت لايوجد قائد ملهم يلتف الناس حوله فالزمن قد تغير ياعلي وياعلي وياعلي. لايوجد حل اليوم غير طي صفحة الماضي وإيقاف كل القوانين التي تدعو لإجتثاث أو عزل أي حزب او فصيل سياسي، ولا يمكن ان يخرجنا من هذا الفراغ السياسي إلا المجازفة بانتخابات يرتضي بنتائجها الكل مهما كانت النتيجة مؤلمة لأي طرف سياسي فهي ما سيقرره الشارع حتى لو ادعينا غباءه وجهله فهذا ما ابتلينا به في اليمن فنحن لا نستطيع استيراد شعب آخر لننهض باليمن. لكن قبل هذا كله يجب أن يتم حل القضية الجنوبية بشكل عادل وجريء يُمكن الجنوب من حكم ذاته وتمكينه من جزء كبير من موارده. بالإضافة إلى انتخاب هيئة وطنية لمجابهة أي تعسفات إدارية ووظيفية يمكن أن تمارس من أي حزب حاكم على متقلدي الوظائف الحكومية من احزاب المعارضة لتكون الكفاءة هي المعيار عند توزيع المنح والوظائف المدنية والعسكرية مع مراعاة نسبة الثروة والسكان والمساحة الجغرافية لكل محافظة. وأخيرا تشكيل لجان مشابهة لتلك التي أسسها الزعيم نيلسون مانديلا في جنوب افريقيا والتي كانت تعرف بـ «الحقيقة والمصالحة» والتي كان يجلس فيها المعتدي والمعتدى عليه للتصارح والتسامح امام وسائل الاعلام. يكفينا من ثورات الربيع العربي اسقاط ابدية الحاكم والتوريث وأعتقد ان الوقت قد حان لنقول للثوار شكر الله سعيكم وإلى هنا وكفاية! وبدل تضييع اوقاتكم بالتهديد والوعيد وحالة الهيجان الثوري الدائم الذي تعيشونه في البحث عن بطولات جديدة، والذي وصل به الحد ليثور الثوار على أنفسهم ويخون بعضهم بعضاً، نتمنى أن تحولوا هذه الطاقة إلى هيئات ومؤسسات للضغط على الاحزاب لتنفيذ برامجها السياسية و الاقتصادية. إننا في بيئة فقيرة مليئة بالحقد والعنف وفي حالة هيجان طائفي وديني، لهذا إذا انفرط العقد لن يستطيع احد ان يعيد الامور إلى نصابها، ومجرد فتوى صغيرة ولو من خارج الحدود، يمكنها أن تخلف أضراراً ودماء أكثر من تلك التي تخلفها صواريخ اسكود الاسدية في سوريا، وستبقى آثار الحقد والكراهية بين الفرقاء لفترة اطول من تلك التشوهات التي تسببها الاسلحة الكيميائية بضحاياها. والنتيجة ستكون اطلال دولة لن يحكمها أحد وبلاشك سنبكي حكم صالح والامام والاستعمار البريطاني حينها.باحث وعضو هيئة التدريس في جامعة صنعاء
|
آراء
ثوار اليمن .. شكر الله سعيكم
أخبار متعلقة