أدونيس والحلاج
إعداد و دراسة: محمد زعل السلوميؤلف الشعر والمسرح تركيبا موفقا،أو كما قال أندريه آلتير: (ليس المسرح والشعر إلا شيئا واحدا:فكلاهما شهود الإنسان لمصيره) بل إن المسرح والشعر لا يفترقان ، وذلك لسبب بسيط هو أنه (لا فرق بينهما في الكنه والطبيعة)، وهنا تبلورت مسرحية شعرية بغاية الأهمية على مسرح المركز الثقافي الفرنسي بدمشق ،وهي مختارات شعرية لأدونيس والحلاج، بل ويمكن اعتبارها نقطة مضيئة في تاريخ المسرح الشعري بسوريا والعالم العربي ودون أية مبالغة ،سواء على مستوى اختيار كلمات أدونيس والحلاج أو على مستوى الأداء والزي والعرض، فخلال يومين وأنا ألملم كلمات الشاعرين (الحلاج) المتصوف الشهير وأدونيس الشاعر العربي السوري الكبير متسائلا: هل ما شاهدته هو كوريغرافيا الكلمات أم صوفية المسرح الشعري ؟ ثم ما هي العلاقة بين الحلاج وأدونيس ؟ الآن الحلاج ومكتشفه المستشرق الفرنسي العظيم (ماسينيون) أيام كانت فرنسا تنتج عمالقة، وأدونيس المكرم فرنسيا والحاصل على الغونكور الشعرية، أم لحالة الإبعاد لأدونيس عن وطنه وتشرده، والقتل للحلاج،والاثنان يصبان في خانة (التصفية الجسدية) عن الجذور والوطن ،هل هي علاقة المكان بأبعاده الثلاثة والزمان الذي يشكل البعد الرابع في الكون؟ وما هي ماهية الزمكان لكلا الشاعرين؟ أهو تصوف الوجدان والروح والوطن على مأساتهما أم هي أزمة الحرية في عصور تتجلى فيها المادية والمصالح بشكل فج؟ وأعود وأتساءل : لماذا أدونيس والحلاج؟ ألأن الحلاج وأدونيس هما الجسمان الثقاليان اللذان سقطا خارج الأرض وهما يحلقان في فضائهما ليلتقيا بنقطة واحدة داخل تلك الأرض بعد الولوج إليها والتي تبدأ في دمشق وتنتهي في بغداد ؟.يقول الحلاج صاحب (الطواسين) الكتاب الذي نفض الغبار عنه وللعالم أجمع مستشرق فرنسا العظيم (ماسينيون) :رأيت ربي بعين قلبي فقلت من أنتَ قال أنتَفليس للأين منك أينٌليس أينَ بحيث أنتَأنت الذي حُزتَ كل أيننحو لا أين فأين أنتَففي بقائي و لا بقائيو في فنائي وجدت أنتَ هذا التجلي الشامخ هو قمة التصوف والوجد على الإطلاق، بل يشكل لحنا خالداً من ألحان النفوس العظيمة التي تخرج عن ذاتها باحثة عن تلك الذات الإلهية العظيمة لتفنى أمام عظمتها، ولتتحرق ضياءا ساطعا ونارا وقادة، وكأنها بردا وسلاما في أوج الطمأنينة والراحة الأبدية والحرية والخروج على الجسد البالي المتحرق للفناء ،وبهذه الشعرية العظيمة تحاول كل من «حلا عمران» و «نعمى عمران» و «فاندا محمد» ليستخدمن أقصى ما يمكن أن يصل إليه البوح والتحليق والتسامي والتماهي المرافق لسحرية أشعار الحلاج ويتجسدنه سلوكا ومذهبا فمن المولوية والدراويش ليكملن ما قاله الحلاج في وحدانية الوجود :أنا من أهوى ومن أهوى أنانحن روحان حللنا بدنانحن مذ كنا على عهد الهوىتضرب الأمثال للناس بنافإذا أبصرتني أبصرتهوإذا أبصرته أبصرتناأيها السائل عن قصتنالوترانا لم تفرق بينناروحه روحي وروحي روحهمن رأى روحين حلت بدنافي هذا الانسجام والوحدانية يتجلى العشق الإلهي والوجد الصوفي القادم من أعماق القلب والوجدان نافذا إلى أغوار الحس والتذوق،ليتجلى أيضا ما يملأ نفسه من الخشوع في ظاهرة وحدانية نادرة من خلال قيم التعبير وجماليات التصوير ،لكن هذا الحب يكسر حاجز اللغة فيتحول الهيام والغرام إلى أقباس نورانية فياضة تحاول من خلال تلك الكلمات العجيبة أن تتسلل إلى قلوبنا عبر شاعراتنا الممثلات واللاتي رددن عظيم الكَلِم الصادرة عن الحلاج :حويت بكلي كل كلك يا قدسيتكاشفني حتى كأنك في نفسيأقلب قلبي في سواك فلا أرىسوى وحشتي منه وأنت به أُنسيفها أنا في حبس الحياة ممنعٌعن الأنسِ فاقبضني إليك من الحبسفهذا المتصوف البغدادي الذي ضرب ألف سوط ثم قطعت يداه ورجلاه وحز رأسه، وأحرقت جثته وألقي رمادها في دجلة ، ونصب رأسه يومين في بغداد على الجسر ،ثم حمل إلى خراسان وطيف به في تلك النواحي، كانت روحه قبل ذلك قد أخذت اتساعها وضاقت بجسدها الذي امتلأ عشقا إلهيا حد اليقين وهنا يتجلى النقاء بقوله:فأين ذاتك عني حيث كنت أرىفقد تبين ذاتي حيث لا أينوأين وجهك مقصود بناظرتيفي باطن القلب أم ناظر العينبيني و بينك أنى يزاحمنيفارفع بأنيك أنيي من البينفهنا فكر يطمئن إلى ماهية الوجود الأشمل والطريقة المثلى في نفس أبية وهمة علية نحو نورانية خالصة وحقيقة كبرى ومعرفة باطنة لكنها متوردة تعبر عن جمالها الأخاذ والنافذ للقلوب لتشرح صدور العارفين وتوقد أرواح التائهين منارة تضيء ظلام المسافرين في غياهب البحار ، وهنا أدونيس الذي ظهر ديوانه الدمشقي الأول عام1960 في ( أغاني مهيار الدمشقي) ليقول:لا أستطيع أن أحيا معكم،لا أستطيع إلا أن أحيامعكم.أنتم تموجا في حواسيولا مهرب لي منكم.لكناصرخوا- البحر،البحر!لكن علقوا فوق عتباتكم خرز الشمس.ولكن التحرر من الزمان والمكان يستمر لدى مخرجة العمل (أمل عمران) ،ويسلك طريقا وان بدا وعرا لأدمع أدونيس الحرى إلا أنه يبعث على الهدوء والحرارة الإنسانية الحميمية في قراءات مؤدياتنا الرفيعة الحسن والجديرة بالإعجاب :لا تحرق النار موضعا مسه الدمعلذلك أبكيينبت القرنفل في الدمعلذلك أبكي[c1] وهنا تتنازع الروح لدى أدونيس:[/c]تهجم بابل في طاووس وجلادويكون التاريخ هشماوالغيم قياناوتكون الأشجار سباياأحيانا،بابل قبل بابل بعدوبابل وجهٌ للأحياء وللأمواتلهذا يولد في أسمائيبشرٌيزدحمون ويقتتلون،خذيهمدليهم واحتضنيهم...[c1]ثم رمزية وسريالية أدونيس :[/c]اليد قدمالكتف مرفقوما تبقى غير ما تبقىواستسلم ،أنا الراسخكانهيار ثلجيعنقي تهبط في الترقوةوتهبط هذه في الصدرويهبط الصدر في ليل الردفينوالردفان في شمس الأحقادوتكون الأحقاد رصاصا يرسبفي أطراف الساقينوتتنور أعضائي..أعضائي..إذا فأدونيس الحائر بجسده وأطرافه المتنازعة فهل يستبقيه متداخلا غير متناسق،ومضطربا قلقا غير مرتاح أم يرميه بعيدا عنه ليرتدي زيه الأصلي في روح يتباكى جسدها الممزق أشلاء لا تستكين آلامها وأوجاعها ،وكأن ببابل التي ذهبت بين طاووس وجلاد ،وهل جلد الحلاج من أسقط بابل؟· مسرحة الشعرية المتحركة والبينية في «أدونيس-الحلاج»:تتصير القصيدة (حزما رؤيوية) تغور في نفسها أكثر لتتأكد من أنها احتجزت (الكون) في (لامكتوبها) ،ولأنها تظل في حالة (الشك المتيقن) من أنها فعلت ذلك،فإنها تحرق أبعادها وأبعاد الكون لتشكلها ب(كيفية إبداعية) أخرى تحاول أن تختلف حتى عن كيفيتها السابقة وفي هذه الفجوة التوترية المتسمة بعملية التحول ،ليتحول الشعر لدى الحلاج وأدونيس من دينامية إبداعية إلى دينامية إبداعية أخرى.وهنا يتحول المجرد إلى محسوس والمحسوس إلى مجرد والسرد المرتكز على حدث ظاهر (الوحدانية/التصوف/التمزق) ويتوازى في ذلك السرد الشعري الدالي والدلالي(طاووس وجلاد بغداد/بابل قبل/بابل بعد) فضلا عن القص الشعري الدرامي المتغير مع زوايا الرؤية (نحن مذ ذاك كنا على عهد الهوى/تضرب الأمثال للناس بنا) وهذا بدوره يؤدي إلى التحرك مع نبرات الضمائر (أنا/أنت/نحن/هم/أنتم...)،وهذا بغاية الوضوح لدى الحلاج وأدونيس فضلا عن الانتساج الملحمي والانتساج الصوفي المصحوب غالبا برموز والانتساج السريالي المرتكز على عملية(كسر أفق الانتظار-أفق التوقعات) (اليد قدمَ/الكتف مرفق) وكأنها لوحة من لوحات سلفادور دالي وهذا الكسر قد يلاشي أولا يلاشي التوقع نهائيا وكذلك الابتناء المتعمد على الأسطوري (رمزا/شخوصا/زمكانية) ويتم عن طريق الاستحضار واحتمال الإضافة.أيضا القصيدة البارقة (الوامضة) التي تجمع تمظهرين أو أكثر من التمظهرات السابقة.وهنا ينسجم دور المؤديات على خشبة المسرح مع ما تستطيع هذه النصوص من الانفلات من الراكد والمتداول حيث تنجز علائق شعرية بين العناصر الأساسية للشعر أي بين ميكانيزمات الصور وحركاتها وحواسها وحدوسها ومخزونها الثقافي(الموروث=الديني+الأسطوري+ التاريخي+المذاهب الأدبية الأخرى كالرمزية والسريالية...) إضافة إلى(الراهن:اليومي بذاتيته وموضوعيته)،ويتسم هذا التفاعل المسرحي مع القصيدي بانسيابيته وتداعياته بين (البنية السطحية)و(البنية العمقى)، فضلا عن البوح المتشعرن سواء بالقصائد نفسها أو من خلال الممثلات وهذا البوح يخوض في حالة الالتباس(كما لدى الحلاج)والتناقض (عنقي تهبط في الترقوة/وتهبط هذه في الصدر)واللا معنى وإبداع المعنى بتنظيم علامان من وحدات لغوية على إيقاع ومزاوجة وحتى طباق حيث الانشغال بالبوح والرصد والتسجيل ليجسدن عملية الانتقال من الشعرية الثابتة(قصيدة الجمود/القصيدة السوداء)متدرجة إلى الشعرية البينية (قصيدة الميلان/القصيدة الرمادية)إلى الشعرية المتحركة (قصيدة الحدس/القصيدة البيضاء) لتتناغم الألوان(بزيهن الأحمر وشعرهن الأسود) والخلفية السوداء للمسرح مع حركات وأداء وصدى الكلمات في محاكاة وتخييل،ليرقصن على البنية الإيقاعية للشاعرين(أدونيس -الحلاج)ضمن المتناقضات الكلاسيكية(موت-حياة/وجود-عدم/ خصب-عقم/أبيض-أسود) حيث يكشفن عن جماليات السرد الشعري المتماوجة بين الكشف واللا كشف والغور في عملية وشائية تصدر ذبذباتها حركة رجعية ذات إيقاع وصدى واضح وكأنها خلفية لصورة الكلمة وقادمة من أعماق بنية القصيدة اللاتي يطرحنها حرفا حرفا بل وكلمة كلمة،حيث تجرب تلك الكلمة في كيفية الانبثاق صورا في نسق يبني أنساقه المفقودة من انضفار الرمز والغموض والتفاعل اللاهث وراء الصوت والموسيقى الداخلية والجسدية المنسجمة وكأنها(مكتوب)يعكس مخيلة الشاعر،ذاكرته ونسيانه،حضوراته وغياباته،موجودة ولا موجودة،عوالمه اللغوية والإنسانية بذاتها الأخرى،وعوالمه الطبيعية والكونية والصوفية والنورانية يعكسنها كوحدة كبرى هي القصيدة المحدقة في نفسها وفينا وفي العالم أيضاً.[c1]مسألة الزمكان والحوار بين أدونيس والحلاج[/c]الشعرية المتحركة هنا لا تثبت بأية لحظة زمنية (طبيعية /نفسية/نصية) وحتى ممسرحة، فهي تنشئ زمنيتها باستمرار وما انبثاق الزمن هنا إلا الزمن الخارج عن الأزمنة ،أليس هو الزمن الفني الجمالي الإبداعي؟ ،وهي تبتعد عن الزمن الذي توجده إلى زمن سيوجد (قد يوجد وقد لا يوجد،وربما لن يوجد ) لكنه زمن يخرج عن نفسه مذيبا الأبدية المتجمدة المعهودة ،مشعلا (الأبدية المتحركة) (أنتَ..أنتَ،أنا..أنا)، و النتيجة هي (الاستمرار) والذي يخرج بدوره عن مجاله الزمني ليدخل حيزا دلاليا آخر هو (الحركة) الصوفية المتجسدة مسرحيا في إضاءة ثابتة صامتة وهي شعرية تريد الحياة الطالعة من الموت والواهبة للموت موتا يهب خلقاً جديداً.هنا يبرز أيضا الحوار بين أدونيس والحلاج فهو حوار يمتد من الحاضر إلى الماضي من حيث الزمكانية امتداداً وصفياً، جامداً، ظاهرا،يسجل ويبوح ويؤرخ كشكل ثابت فيما البينية (أدونيس- الحلاج) فهي تتراوح بين الزمكانية النصية والنفسية والزمكانية المسرحية والذات الموضوعية والرؤيوية تراوحا يفصح تارة ويغيب تارة أخرى، وينتقل الوصف بين حركتين: (ظاهرة) و(فجوية) متحركا من البنية الزمكانية الرجعية (الذاكراتية/التاريخية/الغيبية/النورانية/الكونية/الأسطورية/الواقعية/ الدينية/الموروثة بصفة عامة) ومع البنية الزمكانية الإبداعية (المتخيلة/الحلمية...الخ).أما الزمكانية المتحركة فتُظهر الزمكانية في (قصيدة التحول) نظاما اشاريا لتتلاحم نبرات الوصف المتسارد بنبرات البؤر البيضاء والسوداء المكتوبة والمحذوفة (حويت بكلي كل كلك يا قدسي/تكاشفني حتى كأنك في نفسي) وهنا تبرز عملية البحث الاستبصاري على خشبة المسرح ومحاولة إبراز الإيقاعات اللامرئية فتتنفس وترى وتجول في تحولات (الصولفيج الروحي) المتناغم مع نفسه ومع الكون، ولا مجال لانبثاق هذا المتناغم-أو هذه المتناغمات- سوى النص الإبداعي،حيث الإيقاعات المتخفية والتي تحاول أن تطفو عبر إشارة ترتفع وتنخفض،تموج وتهدأ، تنشط وتتلاجم، تصمت وتتكلم، وهكذا نتوغل مع هذه الإشارات وكأننا نفك (الشيفرة الإبداعية) لقراءة ملامح الإشارة ونحيلها من إشارة مركبة إلى إشارة بسيطة حتى لو كانت شيفرة دافنشي لدان براون..؟!وهنا تعمل الممثلات على إبراز الإشارة السمعية في حوارية منسجمة متناغمة مع المتفرجين المتفاعلين مع سحرية الكلمات لتتنوع حضورات المخيلة واستحضارها وحثها على التفكير وإعمال العقل الباحث في مونولوغ الصوت،ومونولوغ الحلم التي تحرك الاشارية الباحثة عن الجوهر المفقود من هذا الزمن، حتى وان كان البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست..؟! [c1]ثنائية (أدونيس-الحلاج ) وكوريغرافيا الكلمات:[/c]في الحقيقة تشكل مسرحية(أدونيس -الحلاج) وحدة متكاملة وكأنها قصيدة واحدة في ثنائية ارتكزت عليها الحركة الفنية، والبحث عن بقية انبثاقها وتوظيف الإشارة كتدرجات علائقية من(صورة/رمز/إيقاع مرئي ولا مرئي/موروث ديني،أسطوري،صوفي،أدبي/حلم/ مخيلة/رؤيا /حواس حدسية/حدوس حسية...) وهذه البنائية المتدرجة جعلت من شعرية الشعر حركات رجراجة متفاضئة بين جماليتي(التكامل النصي) كما لعبت الكوريغرافيا دورا مهماً في العرض المسرحي عبر العلامات الحركية الناتجة عن تنوعات شكل الأداء وعن حركة الجسد على الخشبة ووضعه في الفضاء المسرحي فضلا عن التجانس بين الكلام والحركة وهي عناصر مرتبطة بإيقاع العرض لتبدو أوضاع الحركة في مختلف أشكال التعبير الصوفية وبشكل فني يتم تحليلها،وتركيبها مع تدفق الكلمات ،وهذا ما أدى إلى التركيز على القوى الحسية والانفعالية في الجسد واستثمارها بحيث تأخذ شكلها التعبيري من خلال حركات اللطم والرقصات الصوفية كالمولوية والدراويش والزار للتعبير عن التوهج الصوفي فضلا عن حركات الرجع في الكلمات وتكرارها.[c1]الذات الشاعرة في (أدونيس-الحلاج):[/c]تتبلور مسألة (الأنا) لدى الشاعرين في:1 - علاقة (الأنا) مع (الأنا): هنا بالنسبة للحلاج وأدونيس هي علاقة الحلم/الخافية /الواعية/النوم/اليقظة/الوجود المتحقق/الوجود الوهمي/ التمزقات والانسجامات بين (الأنا)و(ظل الأنا) المنكتبة ك(حالات) شعرية ممسرحة عندما يقول على لسان الممثلات:رأيت ربي بعين قلبيفقلت من أنتَ قال أنتَوقوله:أنا من أهوى ومن أهوى أنانحن روحان حللنا بدناوأيضا:فها أنا في حبس الحياة ممنععن الإنس فاقبضني إليك من الحبسوكذلك أدونيس: لذلك أبكي/ينبت القرنفل في الدمع/لذلك أبكي.وقوله: واستسلم،أنا الراسخ2 - علاقة (الأنا) مع الموروث بكل مستوياته (الدينية/ الصوفية/الأدبية...)حين يقول الحلاج:روحه روحي وروحي روحهمن رأى روحين حلت بدناوكذلك حين يذكر أدونيس أسطورة بابل:(تهجم بابل في طاووس أو جلاد/...وتكون الأشجار سبايا.../بابل قبل/بابل بعد/وبابل وجه للأحياء وللأموات.)3 - علاقة (الأنا) مع (الكون) والذات الإلهية المتركزة حول الطبيعيات (الإنسانية+الطبيعية الأخرى) يقول الحلاج:بيني وبينك أنى يزاحمنيفارفع بأنيك أنيي من البينأما أدونيس فيوضح: «لا تحرق النار موضعا مسه/...» والنار إحدى عناصر أنبا قليدس الرباعية (النار،الماء،الهواء،التراب).4 - علاقة (الأنا) مع (الانتماء والهوية) (الوطن+القومي والتاريخي+الزماني والجغرافي) فالحلاج يقول:حويت بكلي كل كلك يا قدسيتكاشفني حتى كأنك في نفسيوأدونيس يقول:تهجم بابل في طاووس وجلاد/ويكون التاريخ هشما/والغيم قيانا/وتكون الأشجار سبايا/أحيانا،...5 - علاقة (الأنا) مع (النحن) و(النحن) مع (الأنا) وذلك ضمن السياقات المجتمعية الحياتية بكافة أبعادها وتداخلاتها (الراهنة والماضية) (النفسية/السياسية/الثقافية) وهذا ما برهن عليه العرض المسرحي وأثبتته الكلمات في نفوس المتفرجين حيث لقيت صدى ووقع ضمن (النحن) والـ(أنت) والـ(أنا) فالحلاج يقول:نحن مذ كنا على عهد الهوى.......تضرب الأمثال للناس بناوأدونيس:( أنتم تموجاً في حواسي/ولا مهرب لي منكم،لكن/اصرخوا-البحر، البحر!/لكن علقوا فوق عتباتكم خرز الشمس).[c1](مأساة الحلاج) لصلاح عبد الصبور وشعرية أدونيس الصوفية:[/c]لقد تنبأ صلاح عبد الصبور بأن المسرح سينتهي شعريا كما بدأ شعريا،لإعطاء الدليل على التفاؤل بأن تتناقص تلك الأصوات الأسطورية التي تطلب السقيا.ولعل هذه التغيرات التي طرأت في وطننا العربي تتمكن من أن تهز قواعد المسرح العربي القائمة، لينهض مسرح جديد، لا يرفض سابقه ولا ينفصل من خلال تجربته العصرية عن أصوله فيكون لهذا المسرح مجال أرحب وأعمق في الواقع الاجتماعي وتعبيرا أكثر مرونة وشاعرية،وكذلك أفق للرؤية الخيالية أكثر إبداعا،إن في ذلك نصرا حقيقيا للواقع الشعري المسرحي ولقيمته الفنية والاجتماعية وهذا ما حصل في مسرحية (أدونيس-الحلاج) وان تواجد الحلاج قبلا في مسرحية صلاح عبدالصبور الشهيرة(مأساة الحلاج) حيث يمضي صلاح عبدالصبور في تصوير طريق النجاح أو النجاة في مثل هذا العصر» حيث تتعاقب الهزائم من سقوط بغداد 2003 إلى سقوط بيروت 2005) ليقول: «لا أدري وعلى كل فالأيام غريبة/ والعاقل من يتحرز في كلماته/لا يعرض بالسوء/لنظام أو شخص أو وضع أو قانون...أو حاكم» ثم يقول الحلاج في مأساة عبد الصبور وهو سجين يرتفع على كتفي آخر ويصرخ: (هيا احملني للقصر الأبيض/كي اشتم مولانا والي الشام/ بمعلقة من حرف اللام/فأعود بمهر وفتاة وغلام).وكذلك أدونيس الذي قال شعرا ترافقه الموسيقا ليخلق جوا صوفيا ممسرحا في قصر العظم قبيل تلك المسرحية (أدونيس-الحلاج).وأخيرا كان العرض مدويا وذا دلالات رائعة وهنا أثني على (أمل عمران) في عرضها الذي قدمته يومي الثلاثاء والأربعاء/16 - 17 / حزيران/2004 والذي يحتمل الكثير من المكنونات الصوفية والوجدانية والروحية بل والرمزية وحتى السريالية والنتيجة هي البحث عن الحرية ولو بجدلية راقية وان اختلف مفهوم الحرية لدى الحلاج عنه لدى أدونيس وقد حضرت لأمل عمران أيضا نص شعرياً آخر ممسرح وهو (الكحل) عام 2003 ،وهو أيضاً عمل له وقعه المختلف.فشكرا للمخرجة والممثلات والصوفي والشاعر وشكرا للمركز الثقافي الفرنسي بدمشق ذي اللمسات الراقية ذات الرؤى المتعددة والتي تبني ثقافة حقيقية وواعية وجادة يتم استدراكها عبر المتابعة الحثيثة فكم تنوعت عروض هذا المركز الذي يعكس عاصمة الغرب في قلب عاصمة الشرق وكم أغنت روحنا الدمشقية.ملاحظة أخيرة: إذا قمنا بتجريد الكلمات من صوفيتها ووجدانيتها ورمزيتها وسرياليتها خصوصا لدى أدونيس فإننا سنجد أن ما يجمع أدونيس بالحلاج هو موضوع العراق بالذات ،حيث كانت الجراح العربية تنزف في الثمانينيات من القرن الماضي على ضياع وطن كلبنان وفلسطين، في حين تحرك قضية إسقاط صنم في بغداد وجدان ملايين العرب وموضوع نزاع مطلق وان كنا نتفق على مناهضتنا للمشاريع الأمريكية البذيئة بمنطقتنا ،ومن الواضح حديث أدونيس عن بابل والتي ترمز لعظمة العراق وكذلك إدراج الحلاج بمسألة أدونيسية معاصرة تتعلق بمأساة وطن ومأساة الحرية والاحتلال ،فالرابط المكاني هو العراق خصوصا والعالم العربي عموما، أما الرابط الزماني فهو تلك الصور المتجددة في تقطيع أوصال وطن واحد أي سايكس بيكو وصولا لحروب لبنان وأخيرا وليس آخرا العراق (اليد قدم/الكتف مرفق/وما تبقى غير ما تبقى/واستسلم،أنا الراسخ/كانهيار ثلجي/عنقي تهبط في الترقوة/وتهبط في الصدر) وهذا ما يعذب الجسد المتمزق أساسا،فذاك -أي الحلاج- يتهرب من التمزق الاجتماعي والديني والمذهبي ويلجأ إلى خالقه وكأنه يتغنى كابن الفارض وابن عربي بخمرته الإلهية في حين يتغنى أدونيس بخمرة حزيران والهزائم الأخرى، وكأنه يجد بالصوفية ملاذه الأخير فلم يبق إلا جسده الممزق داخليا، ليجد بالروح المنقذ الوحيد والمنفذ الأخير لورطة الصراع بالمصالح والأمم السادية التي تزعم التحضر والتي لا تدعنا وشأننا.