نص
فوزي الشلبيبرزت وردة من بين المشربيات إلى مدخل السلم الدرجي الصغير المفضي إلى ساحة البيت. وكانت هذه الوردة تسبقنا للترحيب بالقادمين والضيوف، فكان ذلك يسرني ويسر أسرتي جدا. وذات يومٍ اقتحمت باب البيت طفلة صغيرة، فقطفت الوردة وولت مدبرة‘ فأحزننا ذلك جدا.قالت له أمه: يا بني أمسك عليك زوجك، عسى الله أن يصلح بينكما. لقد تحملت غربتك عنا سنين طوالا..ولم يفت ذلك من عضدي أو احتمال صبري، ولقد كنت في خلدي ابنا باراً رضياً مرضياً، ولا يحملنك البر بي أن تختار بين أمرين في البقاء أو السفر، فما العمر إلا سفر أوشك أن أحط فيه عصا الترحال!.ضمخ ملابسه ووجهه بشيءٍ من العطر، إذ عما قليلٍ سيدخل على عروسه، زوجه الثانية. وقال لما طفرت من عينيه دمعتان: آه يا أم نصيف، أنت التي اخترت لي هذا الموقف، ولم تتركي عذراً لمعتذرٍ أن يعتذر. ألم نعش معاً عشرين سنةً ونيفاً؛ إذ أحببتك لما تخرجت من جامعة بلدكم فأحببتها كما أحببت بلدي، وعشت فيها ما عشت ما طاب لي و لك المقام. وما كانت زياراتي لأهلي معك والأولاد في البلد إلا لماماً، وقد طوفت بنا لقمة العيش في بلاد الغربة شرقاً وغرباً هذه السنين. هل كان للإلف أن يهجر إلا أنا أمام هذا الخيار الصعب.إلا أمي لو تعلمين ما الأم يا أم نصيف، الأم هي ذلك الوطن الكبير!أذكر كلماتك جيداً يا أم نصيفٍ عندما افترقنا آخر الأمر: أذهب معك إلى أي مكانٍ تريد أن تذهب إليه إلا بلدك!قال لزوجه الثانية التي دخل بها الآن:اعلمي أن الوردة إذا قطفتها من حوضها لنفسك، فستستمتعين بمنظرها وعبيرها يوماً أو يومين، أما إذا تركتها في موطنها، فستسعدين بمنظرها وعبيرها، وسيسعد بها الآخرون..