كتب/ شاكر المكحل عند منحنى الخمر يولم نفسه لبريق عينيكأبدعت الكاتبة آمال محمد في اختيارها للمفردات في الجملة الأولى فيولم من وليمة وهي ما يعد من طعام للعرس وغيره ولكننا ننفي صفة الاجتماع التي في مفردة وليمة ونحملها على مقصد العرس وما بعده ويلمح في الصورة تشبيه رائع يفوق الوصف في يولم نفسه ومنحنى الخمر فتكون الصورة المتحركة كالتالي :بعد أن انتشى العاشقان من احتساء الخمر انحنى بهم هذا السكر عن خط المنطق المستقيم إلى متاهات الشهوة فلمعت الرغبة في عيون العاشقة وبدأ العاشق يهيى نفسه لها فـ توقف الهمس ... ذاك الهمس الذي يسبق دائما الرغبة وكأنه لص يمشي على رؤوس أصابعه أو لخصوصية أسرار ستباح فلا ينفع معها إلا الهمس والهمس أيضاً يعبر عن حياء فطري ثم ... تحول إلى صدى يبتكر الجدران ... ذاك الصدى هو انعكاس الكلمات التي قيلت همسا والتي عبرت عن الرغبة ولأنها غالبا لا تكون صريحة المعنى وتخفي عريها تحت كلمات الرومانسية مثل أحبك وكل مفردات الغزل ثم يكّونها الخيال مستعينا باهتزاز النبرات فيبتكر منها أشياء أكثر من مجرد جدران تحيط بالعاشقين أو ينفع أن نقول هنا أن الجدران رمز للحدود فقام الخيال المشتهى برسم حدود أوسع للعاشقين أو نحمل مفردة الجدران على رمزية الستر، فنقول أن العاشقين كانا في مكان ليس فيه خصوصية فأوجدا تلك الجدران الساترة والمعنى الثاني هو الأصح وتفيد مفردات همس وجدران إلى طبيعة مكان الحدث وربما وقته وهو مكان مفتوح ليس فيه جدران وليس فيه ضجة لا ينفع معها التهامس، اذن بعد بلوغ هذه المرحلة راحا يبحثان عن مكان يلوذان فيه ففي هذه الحالة لا تنفع عمومية المكان والهمس الذي حملهما بين الناس توقف فلم يستطع حمل المزيد فأبجدية الهمس بلغت منتهاها وحان دور أبجدية اللمس .( يبتكر ) أصل المفردة من بكر وتحمل على معنيين أحداهما قريب والآخر بعيد أما القريب فهو الابتكار بمعنى الإبداع وإحداث جديد ولم نعرف في قواميس اللغة هذا المعنى للمفردة ولكن من أعطاها هذا المعنى هو اصطلاح الفئة المثقفة في هذا الزمن فيقال : ابتكر بمعنى أبدع أما في لسان العرب فيقال ابتكرت الشيء إذ استوليت على باكورته واصل المفردة من بكر وهي العذراء ... وما كنت سأشتغل بهذا العمق بهذه المفردة لولا أن اختارتها الكاتبة عنواناً لنصها فإن حملنا المفردة على المعنى الدارج نقول : إنهما أي العاشقين اوجدا لهما مكانا أبدعاه فلم يلوذا مثلا إلى غرفة تقليدية وسنرى إن كان في النص لاحقا قرائن تفيد المعنى الآخر الأعمق وليتنا نجد حتى نفغر الفاه دهشة فنعود لذلك المعنى فذاك المعنى يوافق جملة النص تماماً.يخرج اسمك من ضفة الصلب ...تتابعت الأحداث خمر انحنى إلى رغبة صرخ بريقها في عين العاشقة فجهز العاشق نفسه فكاد الهمس يفرش فراشهما في مكان عام فاوجدا ملاذا ... وهنا نجد قفزة مرهقة الضفة بكسر الباء وهي جانب النهر ولا نستطيع أن نحمل المعنى على الفتح فنحن لا نعرف مقدرة الكاتبة اللغوية وهل وصلت إلى ذاك ولكن المفردة الواسعة الانتشار هي بالكسر.الصلب : لا ندري على وجه دقيق فليس في السياق لحد الآن أي معنى يحدد كل أفاق المفردات ولكن الذي يراودنا الآن هو قوله تعالى : ((يخرج من بين الصلب والترائب)) والمقصود فيه هنا معلوم ومعروف ويوافق سياقا سبق ومما يوقفنا هنا مفردة الضفة فتعيدنا للقول : إن للنهر ضفتين وأوردت الكاتبة ضفة واحدة ، وذكر واحدة دل واختصر صورة كاملة فحين نقول ضفة نرى نهرا وضفتين فورا فما هو النهر في الصورة هنا وما هي الضفة الأخرى ؟ اهو ذاك الماء الدافق شبهته بالنهر والصلب ضفة والترائب ضفة أخرى ؟ أم تراها ضفة والعاشق ضفة أخرى أم تراها خبط عشواء وأضغاث أحلام وما نحن بتفسير الأحلام بعالمين.يخرج أسمك : قد يحمل الاسم في هذا السياق على الولد فالولد يحمل اسم أبيه وقد يحمل على ( ما يختصر ويختزل اسمك ) فالاسم صفة خاصة به وحده وأفاد هذا الاختصار كاف ملحقة بالاسم للحصر والنسبة وفي الحقيقة أنا أقف هنا على مفترق طرق غريب غريب فقد جريت في البدء نحو ما يصرخ به ( الخمر) من هاوية وها أنا أجد من القرائن ما يدل على بعد أعمق ويا له من عمق أدهشني !ويعلنه ...يعلنه أي يشهره ولا يعلن سوء ثم قفزت بثلاث نقاط لشيء أبقته محذوفاً وتقدير الحذف على( الملأ ) ربما على الدم .. لعل المقصود هنا وأليه اذهب ـ الفرض على الدم بمعنى أني أرى ولدا كان من ذاك المساء وهو مفروض على الدم فهو من دمها وأفاد معنى الفرض الإعلان على الدم وربما هذا هو السياق المحذوف، فلماذا ترى الولد حملا مفروضاً ؟فيقوم في صوت النعاس ..صحوا تبرج بالصهيللعلنا نقوم معها ونعود للمعنى الأعمق فنقول انه كان زواجا شرعيا وأوردت الخمر لتصف حالة البطلة حينما قبلت بالزواج به فكانت وكأنها ثملة بالشهوة فمنعتها هذه الثمالة من التفكير الواضح وهنا في هذه الجملة أنهت البطلة مرحلة طويلة بلغت سنين اختصرتها ببراعة ببضع كلمات وها هي تحدثنا عن ما بعد تلك المرحلة بجملة تربط تلك بهذه فلم تترك ثغرة ، ما أروعها !صورة رائعة لعروس تستفيق بتيه النعاس بعد أجمل سهرة من ليالي العمر وترى التشبيه الرائع بالفرس وصهيلها ولن أغوص أعمق في الصورة استحياء من الكاتبة الرائعة.يذرف تعاويذ خلدك فوق السريرولكن رويدك فهذا الصهيل يأخذك في منحنى آخر وهو ليس ما أرادته الكاتبة وخدعتك في جملتها الأولى وهي لم تقصد ذاك الخداع وإنما صورت حالتها وما تعرضت له البطلة فعلاً، فانظر معي إلى مفردة ( يذرف ) لعل الكاتبة اخفت فيها ما لا تريد قوله صراحة ولكن لا نقول يذرف الا للدمع ، فهو صهيل البكاء لفرس تبحث عن حريتها من سرير مالكه خالد أبداً ولمفردة التعاويذ منحنيات ومجريات ولكن اللهاث وراء ما سيأتي اعجلنيويعبر النايات بكسرة أبقيتهاتصيحأنا الطريقهو الناي إذن أضاف برمزية حزنه معنى الحزن مشتملا بـيذرفأتراه أختار طريق آخر ! زوجة أخرى ! عشيقة أخرى !ووحدك كنت هناكتختار ... غصة تفيد اختيار كل شيء حتى ... الكأسيرتق الروح على مشهد القيامةينبع من كفك ..القابض على السريرفع الماء إلى ثوب العزلةوتنظرتنظر في القلبيخرج إليكأصماحائرايراكتزف الجنين إلى الضوء ببصمة وكتابوتقطع وريد الطينكاشفا عن روح النور ..تنام في رحم السباتتمد شريان اليقظة وصلا يشهق باللغةآه يا رائعة وجب علي أن اصمت احتراماً لمجازتك وقد كنت شمرت لفضحه ثيابي ولكن مثل هذا الوجع يحترم وبينكما اللهاعذريني أيتها الرقيقة إذ انحني بعد أن سرقت ما ليس من حقي وهذا قلمي الباكي أخفيه وعذري فيما فعلت هو عمومية النص المنشور حتى تكاد تسقط خصوصية كاتبههكذا يكون المجاز أو لينسحب كل من يدعيه ، نص من أروع ما قرأت وأحسنت بل أجدت تصوير قصة بطلة تغرق كل يوم تحت أقدام مجتمعنا ولا يشعر بها أحد.
|
ثقافة
صدى يبتكر الجدران لآمال محمد
أخبار متعلقة