يهرب الناس إلى الطرفة والنكتة للقفز على واقعهم المعيشي والحياتي الصعب والبائس ، فراحوا يتندّرون على السيارات الفخمة الفارهة التي لا يستطيع المواطن المطحون النظر إليها فضلا عن امتلاكها ، فأطلقوا لفظ “ البقرة “ على آخر موديل من سيارة الهيلوكس ، كما سموا سيارة التويوتا الصالون “ مونيكا “ ، كما أطلقوا “ الجمرة ، والشبح “ على السيارات الفارهة تهكما وتعبيرا عن واقعهم المأساوي .والعلاقة بين البقرة والخطيب غرامية وتلازمية ، فخطيبنا يعتلي المنبر مرتديا أفخر الثياب ، ومطليا بأغلى أنواع الطيب داعيا الناس في كل خطبة ومناسبة للتبرع بأموالهم وأنفسهم لنصرة قضايا ومآسي المسلمين المنتشرة على مدار خارطة الكرة الأرضية . خطيبنا صاحب البقرة لم تردعه ظروف الناس وأحوالهم المعيشية الصعبة التي تصيب المواطن المطحون بالإفلاس إذا اشترى كيلو من الفاكهة عن الاستيلاء على أصول وفروع ما في جيوب المصلين ، خطيبنا يتصيد مآسي المسلمين في العالم، ويأمر المواطن المفلس من تبعات فواتير الإيجار والكهرباء والماء ومتطلبات الحياة بالتبرع لإخواننا المجاهدين في سوريا ، وإخواننا المظلومين في بورما ، وإخواننا المشردين في أبين وصعدة، ويحث المصلين على المسارعة في الإنفاق ، والفوز بالجنة وشراء عتقهم من النار بهذه الصدقات الخراجية .خطيبنا صاحب البقرة يزبد ويصرخ ، وربما يبكي مآسي المسلمين ، ويستثمر كوارثهم ليركب بقرته وسيارته المكيفة، ويذهب لفلته الفارهة مصحوبا بجيش من الحراسات والأنصار . خطيبنا صاحب البقرة يبصر الأفلاس والريالات في جيوبنا ، ويتناسى أمواله وعقاراته الضخمة . تجاهل خطيبنا الذي يسرد سيرة السلف الصالح ، ويطالبنا بالاقتداء الحرفي بهم . تلك السيرة العطرة التي تذكر بان الإمام الشافعي رفض ان يخطب لعتق الرقاب والعبيد إلا بعد ثلاث سنوات من مناشدة طلابه وأحبابه ؛ لأنه عمل طوال ثلاث سنوات ليملك المال الذي يشترى به عبدا ليعتقه قبل ان يصعد المنبر ، ويأمر المصلين بالعتق ، ليكون القدوة والأسوة . خطيبنا صاحب البقرة يردد علينا في كل جمعة قصة الخليفة عمر بن الخطاب الذي نام بغير حراسة ؛ لأنه عدل فأمن فنام “ ، ويأتي إلينا بجيش من الحراسات التي تمشط المسجد والمنبر ، وتتوزع في أطراف المسجد وأوساطه ؛ حتى ان المصلين يعلقون بقولهم : “ نخاف أن يأتي لنا الخطيب بكلاب حراسة تمشط المسجد ، وتفتش المصلين “ ! .هذه الأموال المغصوبة المنتزعة من أفواه الفقراء وأطفالهم لا يعرف المصلون وجهتها ، وهل تذهب لمستحقيها ، أم تتراكم في أكياس العاملين عليها ، أم تطير لجماعات وجهات مشبوهة ، فقد تواترت الأخبار والأحداث عن تورط كثير من التجار وأهل الأموال حينما تصدقوا بأموالهم للفقراء ليستدعوا من قبل أجهزة الأمن بتهمة دعم وتمويل جهات مطلوبة أمنيا .خطيبنا صاحب البقرة موسوعي الخطبة ، فيخطب في الزهد ، ويفتي في السياسة ، وينظّر في الطب ، ويذكر الإعلاميين ما ينبغي قوله وفعله، ويستشهد بأقوال السياسيين والقادة ؛ متسائلا عن ثروة الحكام العرب رافعا شعار : “ من أين لك هذا ؟! “ ، وإذا طبقنا هذه الخطابات والعبارات، نسأل خطيبنا : من أين لك هذا ؟! ، وقد قدمت إلينا مرحلا لا تملك إلا بيتا من العريش ، وسيارة متهالكة تكسب بها عيشك ! ، خطيبنا يسرد الآيات والأحاديث ليقيم الحجة على المستمعين لخطبته معتقدا بأن أفعاله وتصرفاته منزهة لا تشوبها نواقص البشر وأخطاؤهم ، فحديث رسول الله الصحيح “ لعن الله من أمّ قوم وهم له كارهون “ لن يصيب الشيخ وجماعته شيئا من الوعيد ، رغم اعتراض كثير من المصلين على خطبه السياسية والنارية . ينتظر الناس من خطيبنا صاحب البقرة ان يسارع إلى مغفرة الله ، ويفوز برحمة الله ، ويعتق رقبته من النار بالتصدق بسيارته البقرة الفارهة للفقراء والمحرومين ، أسوة بالفقراء الذين ينتزعون لقمة العيش من أفواه أطفالهم، ويؤثرون إخوانهم المعدمين والمستضعفين ! . [c1]* كاتب وباحث من حضرموت [/c]
|
آراء
خطيب جمعة يحث على التبرع للمجاهدين في سوريا
أخبار متعلقة