قصة قصيرة
أعترف أن هذا الشخص يجذبني رغم الفوارق العجيبة بيننا، لقد كان يتكفل بكل شيء في الدار التي نسكن فيها لأننا تشاركنا في استئجار بيت صغير يضم المغتربين القادمين من العراق، لقد مضى على ترحالي عن الوطن عشرة أعوام، تركت البيت على أثر شجار مع العائلة، لم أكن غير الفرد الفوضوي الذي يرفض الانصياع منذ طفولته إلى أي شيء المدرسة، الحي، الأصدقاء، ترى من كان راضياً عني، فعلاً أنا نفسي لم أقم بعمل يرضيني وككل شاب قررت الرحيل لاترك للأحداث مهمة تولي أمري ...إذن كنت فاشلاً في كل الأمور .غياث يختلف عن كل الشبان الذين رأيتهم إنه يدرس الجراحة التقويمية، بمجرد وقوع نظري على الكتب التي يحملها أشعر بالغثيان ويتحدث عن الحياة باستمرار كأنها شيء مهم ..كأنه لا يعرف ما هو النوم أبدا ...أستغرب اندفاعه في حث الآخرين على التمسك بالقيم في بلاد لا نعرفها.عندما يتسلم من أمه رسالة ويكمل قراءتها ينظر إلى مكان لا نعرفه ويردد:-(سأعود صدقيني سأعود).رأيته في الحلم يحمل الأطفال إلى الجسر القريب من منطقتي ليعلمهم العوم، ويرمي الغربان بحجارة كبيرة، وصار اليوم الذي أحلم به، له بعد خاص.ذات مساء، احتفلنا بسيارة صديقنا الجديد،لأنه اشتراها بعد عمل مضن ٍ في شركة بريطانية تروج لمستحضرات التجميل. قدنا السيارة ونحن سعداء كأننا نريد تنفس هواء العاصمة المشبع بالحرية والجمال، لكن الأمر أفلت من سيطرتنا وارتطمت السيارة بالحاجز الأسمنتي لبنايتنا، لكني صحوت في المستشفى وأنا أشعر أن اللون الأخضر ازداد في الدنيا، شعرت بفيض من الرضا عن النفس والسعادة، دبت قوة هائلة في صدري، كانت أوردتي تشعرني بأنها تحمل شيئاً ما .عدنا إلى البيت، هناك علمت أن غياث تبرع لي بالدم لأن حالتي كانت خطرة ...كل ما أشعر به هو حبي للحياة لقد صليت في ذلك الأسبوع لأول مرة في حياتي وبدأت أساعد زملائي في النزل على أداء الأعمال بل أحسست بأن قامتي تطول، وتطول، ولون وجهي يتعمق في سحنة سمراء ويميل شعري من شقرته القديمة إلى لون أسود كالحزن، نعم، أقسم أن من تطل علي في المرآة هي عيون غياث، حتى صوتي صار له تردد هذا الرجل .أوردتي صارت خضراء، استبدلت زرقتها المخلوطة بالتبغ والضياع، لم يعد بعد ذلك اليوم من يزعجني، فلي مثل عليا عملت عليها في الأشهر القليلة، استبدلت الصعلوك الساكن في جسدي، برجل محب.في العيد، حدثته عن أحلامي ومدينتي، نظر إلي بعمق، وسألني إن كان لي أم فأجبته، بأنها توفيت قبل خمسة أعوام، فأطرق وقال :-( إذن، أوصيك خيراً بأمي).حصلت على عمل، وفي الشهور الستة التالية، جمعت مبلغاً من المال، وشئت أن أصالح عائلتي التي هجرتها بقسوة، أوصاني غياث بأن أزور أمه، وأسلمها بعض الهدايا.عدت إلى الوطن، أسأل عن أهلي، لم يعرفني أبي، وصرخت أمي بأن غريبا دخل البيت، لم يتعرف علي أي شخص من المنطقة، حتى جواز السفر وأسمي لم يكونا دليلاً...أخذني وجعي إلى بيت غياث، طرقت الباب، فتحت لي سيدة عجوز طوقتني بقوة وبكاء:-(كنت اعرف انك ستعود يا غياث يا ولدي).