عند مقارنة الوضع العام التركي - التجربة قيد البحث - والذي تسلم حزب العدالة والتنمية قيادة البلد في ظله في 2002م ، ووضع بلادنا، الذي تفجرت بسببه ثورات شعبية بدأت منذ 2007 م في المحافظات الجنوبية وانتهت بثورة 11 فبراير التي مازالت مستمرة حتى الأن ، سنجد أوجه تشابه كثيرة ، أهمها شكل الحكم السياسي الاستبدادي المهيمن عليه العسكر ، والانهيار الاقتصادي للدولة ، والفساد الاداري والمالي المستشري في مفاصل الدولة ، والاستئثار بالثروة، والاعتماد على الخارج والارتهان عليه بالقروض ، وغياب الرؤية والإصلاحات الحقيقية في البرامج الحكومية ، كما سيشترك البلدان في مصادرة حقوق وحريات المواطنين وفي انهيار المنظومة الاخلاقية والقيمية للمجتمع بشكل عام . وعند مواصلة القراءة والتعمق في التجربة اكثر ، سنتمكن من ان نقول بثقة عالية ، وبيقين اعلى ان المفتاح السحري لنجاح أي دولة في ضمان حياة كريمة لشعبها داخليا وخارجيا هو مفتاح الاقتصاد . وعند استعراض سريع لمجموعة من الحقائق حول الاقتصاد التركي الذي انتشل الدولة التركية من هاوية الانهيار الى مشارف الدول المتميزة التي تنافس على الدرجات المتقدمة كأعلى الاقتصاديات ، اصبحت تركيا فيه واحدة من اعلى نسب النمو في العالم ، بالرغم من ارتفاع نسبة عدد سكانها الذي وصل الى 73 مليون نسمة ، تركيا الآن تحتل المرتبة 16 في الاقتصاد العالمي حسب تصريحات حديثة لعبدالله غول الرئيس التركي ، هذا الرئيس الذي يهمس الينا برؤية أخرى وطموح متقد آخر يسعى لتحقيقه ، وهو ان يصل بتركيا الى المرتبة العاشرة على مستوى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2023م .بهذه القيادات التي تعرف ما الذي تريده جيدا وتعمل لتحقيقه بجد ، وبهذه البرامج ، صعد نجم اقتصاد تركيا بقوة وبسرعة الصاروخ ، في حين نجد اقتصاديات الدول الأوروبية المجاورة لها سائرة الى الافول وتتخبط في أزمات طاحنة في بلدان كاليونان وايطاليا واسبانيا وغيرها .اذن هي وحدها حنكة وإرادة الإسلاميين في تركيا وقبلها توفيق الله ، وراء النجاح الفعلي في انقاذ الاقتصاد العلماني الذي كان منغمسا بالفساد حتى النخاع، استطاعوا ان يحولوا البرنامج السياسي والبرنامج الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية الذي كان يقوم على الاعتماد على الداخل بموارده ، والانفتاح على الآخرين ، مستخدما منظومة كبيرة متكاملة من القيم الإنسانية والوطنية ذكرناها في مقالنا السابق الذي تناول مميزات البرنامج السياسي لحزب العدالة والتنمية والذي بموجبه نجح في بناء دولة مدنية حديثة رائدة ، هذا البرنامج الشامل حول الى برامج عملاقة طموحة على ارض الواقع ، وفق خطط دقيقة ومنظمة ومزمنة وفي كافة مجالات الحياة ، برامج قدمت الاصلاحات السياسية والاقتصادية والتشريعية والاجتماعية اللازمة ، وبرامج قامت باستغلال كل الموارد الطبيعية والبشرية في الدولة للسير بعجلة الانتاج بقوة وثقة .لمسنا ذلك أكثر مع علي بابا جان نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في حكومة اردوغان وذلك في المقابلة التي اجرتها معه قناة الجزيرة قبل شهور والتي اخرج لنا فيها صورة بديعة أكثر وضوحا ودقة وروعة بتفاصيلها التي اجملها لنا برحلة استمرت أكثر من عشر سنوات تقريبا تم فيها : رفع الناتج القومي الى ثلاثة أضعاف خلال عشرة أعوام .الاهتمام بالصناعة ، حيث كانت تركيا تصدر المواد الخام ، وتصدر الآن المنتجات الصناعية بوفرة كبيرة ، صادرات 2002 كانت 32 مليار دولار ، وفي 2011 م قدرت بـ 135 مليار دولار تقريبا . الاهتمام بالسياسة التسويقية لمنتجاتها فقد وسعت سوق الصادرات الى 190 دولة من أصل 192 دولة عضوة في الأمم المتحدة، ونوعت الأسواق ، وتنوعت الصادرات بين المنتجات الزراعية والنسيج الى قطع السيارات والالكترونيات والأدوات المنزلية والكهربائية وأخيرا دخلت سوق صناعة السيارات .الدخل السنوي للفرد كان في 2002(3500) دولار ، واصبح في 2011 م عشرة آلاف وخمسمائة دولار. في مجال الاستثمار استطاعوا تحسين الجو القانوني ، وتقليل الإجراءات البيروقراطية ، وتشجيع التنوع فيه حتى وصل الى الاستثمار في الخدمات العامة للمواطنين . تحويل الاقتصاد الى القطاع الخاص وليس الدولة ، والدولة دورها الأساسي القيام بعملية الرقابة والتشجيع ووضع القواعد ، وخلق جو منافسة متساوية ودعم شركات الاستثمار وشركات القطاع الخاص . الاهتمام بالبنك المركزي والسياسة المالية والعمل على الحفاظ على استقرار الأسعار مع الالتزام بنظام الميزانية المعلن الذي كان سببا رئيسيا في مكافحة التضخم .الاهتمام بالزراعة فتركيا مكتفية ذاتيا وتصدر ما قيمته 18 مليار دولار ، وتحتل المرتبة السابعة في العالم في تصدير المنتجات الزراعية ، بالإضافة الى تشجيع الاستثمارات الخارجية ، والاهتمام بالسياحة وغيرها كثير كثير .هذا النجاح المتميز صب في مصلحة تمتع الإنسان التركي بحقوقه وثرواته فأدى الى رفاهيته وسعادته ، فهل نستطيع ان ننجح في التعلم من الإنسان التركي حتى ننعم بما ينعم به الآن من مواطنة متساوية وعدالة اجتماعية ؟! هذا ما سمحت به مساحتنا الوارفة فانتظرونا اعزائي فللحديث بقية . يقول الدكتور مصطفى طلاس : يا طيور الروض قولي للندى [c1] *** [/c] عمرنا مازال لحنا غردا انت احلى اليوم من أمس ويا [c1] *** [/c] احيلى ما تكونين غدا ما كنت في الماضي جمالا ازلا [c1] *** [/c] وتكونين جمالا ابدا[c1]* رئيسة منظمة مساواة للتنمية السياسية وحقوق الانسان في تعز[email protected][/c]
|
آراء
الدولة المدنية بين ضبابية الواقع وآمال الغد
أخبار متعلقة