كتاب
تأليف / لوسيل فيغرييه عرض / إصلاح العبد كتاب "أحداث عشتها في اليمن" تأليف لوسيل فيغرييه، وترجمة / خالد طه الخالد ، صدر عن دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة ، الطبعة العربية الأولى . المؤلفة هي من الشخصيات التي عرفت اليمن عن قرب فجاء كتابها واقعاً وأحداثاً عاشتها المؤلفة لوسيل التي ولدت في إقليم "تورين" الفرنسي ، في أسرة طبية ، فجدها لوسان فيغرييه كان طبيباً عقيداً، وأخو جدها شارل فيغرييه كان طبيباً فريقاً ، ووالدها بييرفيغر كان طبيباً أيضاً .كان والدها يعمل في المغرب حتى عام 1946م انتهت فترة عمله في مناجم "جردة" في المغرب، حينها عرضت وزارة العلاقات الثقافية الفرنسية على والدها إدارة المستشفى الفرنسي في صنعاء باليمن حيث كان نداء الشرق الأوسط يثير الجميع .[c1]عودة هائجة المشاعر [/c]في الفصل السابع عشر تتحدث المؤلفة عن حنينها للعودة الى اليمن قائلة " طالما حلمت بزيارة اليمن فقد مضت ثلاثة وثلاثون عاماً على رحيلي من اليمن وطوال هذه الفترة وانا اردد كلاماً عن ماضي اليمن وكنت اعلم بان اليمن تطور ولم يقتصر التطور على ناحية بل شمل كل النواحي وان الجمهورية اعلنت وان رئيسها الحالي يعمل على تشجيع مناخ الاستقرار والسلام " .. حيث الحت عليها الفكرة في العودة إلى اليمن تحت تأثير المشاعر الهائجة والهواجس فغادرت بمفردها الى صنعاء ومما شجعها اكثر على فكرة العودة الى اليمن هو تعاون العاملين في سفارة اليمن بباريس حيث انه بعد 48 ساعة سلمها ساعي البريد ظرفاً عليه شعار اليمن يحتوي على " الفيزا" وتصف مشاعرها فتقول انه كلما اقترب موعد السفر زادت هواجسها بالحالة الحقيقية للبلاد ولكن الاخبار التي كانت تصلها تؤكد لها بأن اليمن قد تغير الى الحد الذي يمكن فيه التجول بحرية لكنها تقول ان الخريطة الجديدة لصنعاء لم تطمئنها اذ لم تتعرف فيها على شيء باستثناء بعض اسماء ابوابها وفي اللحظة التي اعلن فيها قائد الطائرة بدء الهبوط في مطار صنعاء تقول المؤلفة ان الماضي تدافع الى ذاكرتها مثل سيل جارف وشعرت بقلق عميق وتتساءل لوسيل ما الذي ستكتشفه بعد ثلاثة وثلاثين عاماً وبعد كثير من الاحداث وما الذي ستلقاه مجدداً ؟ كما كانت تتساءل عن الشعب اليمني وكيف كان رد فعله ازاء صدمة الحداثة؟وتتابع لوسيل قائلة " كنت اشعر بالحنين لذلك الماضي فصنعاء قد عبرت بسرعة عالية الى الحضارة الحديثة حيث انني لم اتعرف على شيء رغم انني اعرفها جيداً وتجولت في كل اتجاهاتها على ظهر الحصان " وهنا تتساءل لوسيل مرة اخرى اين روعة صنعاء اين اسوارها القديمة وابوابها واين مزارعها وجداول تصريف المياه وقطعان الخراف التي ترعى على طول هذه الجداول؟ وتجيب عن هذه التساؤلات بنفسها قائلة " وجدت مكان ذلك طرقاً ومباني لم تكتمل بعد وورشاً ومصانع ولوحات اعلانية ونفايات بلاستيكية طيرها الريح فلم اجد الزهور التي كانت تزين الحدائق وكذلك الريحان الذي كانت الشوارع تفوح بعطره وكانت لدى اليمنيين عادة وضعه في العمائم؟ فلم يعد في الشوارع حتى بائع الفل الذي كانت زهوره مشكوكة في خيوط الخيزران الناعمة لتشكل أطواقاً مختلفة تفوح عبقاً .* وعند وصولها الى الفندق طلبت غرفة بدون تكييف رغم انه في شهر مايو لان صنعاء تقع على ارتفاع 2320 متراً فوق سطح البحر ولياليها باردة.* بدأت زياراتها حيث كانت اولى زياراتها الى السفارة الفرنسية والى اليمنيين الذين كانوا يعرفون والدها ويتذكرونه وعند وصولها الى سفارة فرنسا، كانت دهشتها كبيرة اثناء تقديمها لنفسها لسكرتارية الاستقبال ، اذ تم الرد عليها بجفوة وقيل لها :لم يكن هنالك ابداً طبيب فرنسي توفي في صنعاء ، ولم يدفن احد في الجبل فليس لدينا اي ملف عن هذا الاسم.امام دهشتها وتأكيدها لهم أن والدتها قد كتبت مرات عديدة لمختلف السفراء في صنعاء حول موضوع ضريح والدها الا أنهم كرروا تأكيدهم لها، لايوجد أي ملف عن طبيب فرنسي مدفون في اليمن.. لم تجادل وطلبت تحديد موعد مع سفير فرنسا فأجابها هذا الشخص بالقول " لاأدري إن كان يستطيع مقابلتك فهو مشغول جداً. الا ان لوسيل الحت بطلبها واخبرته انها نازلة في فندق مدينة سام، بناء على نصيحة سفارة اليمن بباريس."في صباح اليوم التالي ، رن التفلون في غرفة لوسيل عند حوالي الثامنة صباحاً كان المتصل سكرتير السفارة الفرنسية حيث أخبرها ان سيادة السفيرة سيستقبلها الساعة العاشرة وطلب منها الاختصار وعدم تأخير السفير فهو مشغول جداً.وتقول لوسيل " عند العاشرة تماماً كنت في السفارة حيث استقبلني سفيرنا الذي اعتذر عن عدم تمكنه من استقبالي في مكتبه المعتاد حيث انه بسبب الامطار الغزيرة في الاسبوع الفائت " انهار" احد الجدران انفجرت ضاحكة وقلت له : " حقاً لم يتغير اليمن رغم العصرنة !"وتتابع لوسيل قائلة "ذاب الجليد واستفسر السفير عن سبب زيارتي لليمن فشرحت له اني اتيت من اجل ان يتم وضع نصب تذكاري على ضريح والدي فالنصب التذكاري الذي كنا قد شيدناه عند وفاته اختفى تماماً ".واخبرته انه قيل لها بالسفارة ان الملف قد اختفى حينها اخبرها الوزير انه من المستحيل ان يضيع ملف عن طبيب فرنسي مدفون في صنعاء واستدعى القنصل وطلب منه البحث عن الملف فوراً وبالطبع تم العثور على الملف الخاص بوالدها.وتضيف لوسيل قائلة اثناء تجوالي في صنعاء وجدت ارصفة في صنعاء على طول الشوارع مما جعلني اتذكر دهشة اليمنيين عندما عرضنا عليهم قبل ثلاثة وثلاثين عاماً من هذه الزيارة صوراً لباريس حيث كانت تشد انتباههم الارصفة التي لم يسبق وان رأوها مطلقاً".. وتضيف لوسيل قائلة " كنت اتنزه كل صباح، تقريباً عند الثامنة والنصف كي استعيد ذكرياتي وكان علي الغباري ابن الممرضة التي كانت تعتني بوالدي والتي عرفتنا جيداً يأتي ويأخذني فنذهب لاكتشاف مدينة صنعاء الجديدة وكنت اشعر بالالفة معه وخلال إحدى النزهات التقينا بعسكري مسن كان من الحرس الخاص للامام يحيى فقال لي علي خذي له صورة!وتتابع وبينما انا استعد لذلك أومأ لي الجندي العجوز بالرفض.احترمت ارادته فخاب ظن علي الذي كان يريدني ان التقط الصورة بسرعة وهو مارفضته وشرحت له بانه ينبغي احترام الماضي وعدم جرح هؤلاء الاشخاص الاوفياء الذين يمثلون عهداً قد ولِّى.كما تحدثت عن الطقس والامطار والعواصف الشديدة وان السماء تتلبد بالغيوم ابتداء من الساعة الثانية مساءً وانه عندما تمطر تصبح الشوارع موحلة وبما انه لم يكن هناك مجارٍ ، كانت الشوارع تتحول الى مسابح طينية.وتؤكد المؤلفة أن اليمنيين مرحون وأنها تحب الضحك معهم وتحب ان يحدثوها عن الاسرة الملكية التي عرفتها جيداً ويسألوها عن تفاصيل بشأن الحريم وحياة الامراء عندما كانوا يأتون لزيارتهم كما طلبوا منها ان تحدثهم عن الامام يحيى ، الذي يظل بالنسبة لهم شخصية عظيمة.. وتعلق لوسيل" اليمنيون يفتخرون بأئمتهم السابقين مثلما نحب في فرنسا القيام بزيارة فرساي واللوفر".كما قامت بزيارة حي بير العزب وهو الحي الذي كانت تسكن فيه لوسيل وعائلتها وكان يتكون من منازل كبيرة مع حدائق ومفرج وتقول ان كل شيء تغير بل انمحى تقريباً وصارت الحدائق شوارع ومع ذلك تمكنت من التعرف على منزلها القديم الذي اقامت فيه قبل موت والدها بثمانية ايام ولم يعد له حديقة وتم بناء كل ماحوله وصار بابه منخفضاً جداً الى درجة انها اضطرت لخفض راسها كي تدخل ، رغم ان طولها كما تقول لايزيد على متر وستين سنتيمتراً في حين كانت واخواها يجتازونه وهم على ظهر الخيل !. اما منزلهم القديم فقد دُمر وحلت مكانه محدادة صغيرة.كما تحدثت عن الحيوانات وانها افضل حالاً من الماضي فالكلاب والقطط ماعادت هزيلة والحمير لم تعد عجيفة ويبدوأنها تعامل أحسن معاملة اما خيول حراز ورامس فقد اختفت..وتتابع انها لم تعد ترى السجاد والفراء المعروض في الصباح على اشعة الشمس فوق سطوح المنازل ولم تعد النساء يجلسن القرفصاء لازالة الطفيليات والقمل وتعلل ذلك بانتشار مبيدات الحشرات.كما لم تنس لوسيل زيارة قصر الامام يحيى في الروضة التي كانت عاصمة الكروم لكن لم يعد هنالك حقول كروم او بالاحرى لم يبق منها الا القليل .. وقد تحول القصر الى فندق ومطعم توجد في احدى زوايا فنائه السيارة القديمة السوداء الخاصة بالامام يحيى منسية يأكلها التلف ببطء! وهذه السيارة ذاتها كانت لوسيل قد صورتها من نافذة المنزل خلال مرور الامام يحيى متحدية امر المنع وتعلق المؤلفة " رغم كل شيء مازال القصر يحتفظ بروعة جنونية ووجدت بداخله الى حدما اليمن القديم".وتتحسر لوسيل لانه تم اغلاق المستشفى الفرنسي بصنعاء وعندما ارادت لوسيل العودة الى فرنسا قامت بزيارة مالك المقطع الذي يقع عليه قبر والدها الذي طمأنها بأن القبر لن يُمس وانه موافق على وضع نصب تذكاري عليه وانه فخور كون الدكتور بيير مدفوناً في ارضه وسيكون الحارس الامين على قبره.