رحلة بين عوالم خليل البحار وخليل الفنان
عبدالقوي الاشولليس أمام نوازع الحب الذي تفيض ينابيعه مكثفة في ذات الانسان من مستحيل، وربما يجد المرء ذاته أمام حب يملك عليه حواسه .. ويستسيغ قيوده وما تترتب عليه من متغيرات حياتية عاصفة ..فليس هناك أعتى وأقوى من موجات المحب الجارفة التي تجعلنا لا نتوانى في تغيير دروب الامكنة بما فيها من ذكريات المحبئ .. وكنف المهد بكل ما في المهد من قوة الحبل السريري الذي يشدنا بقوة خارقة نحو حب أول منزل .في أواخر القرن الثامن عشر .. وبينما كان الناخوذة أحمد خليل رمادة ..في موعد إبحار من جنة النيل وجنباتها المثقلة بأطاييب العيش من شواطئ السويس المصرية الى مرسى بلاد اليمن .. الى عدن .. بشواطئها الساحرة وجبالها المنيعة التي تبدو بحالة ضوء دائم على مافي ذوات أهلها البسطاء من نقاء عند هذه النقطة الشاطئية الخلابة ..وجد الجد أحمد خليل الرمادة (وهو جد فناننا القدير خليل محمد خليل) وجد ذاته أمام لوحة استبدت بمشاعره الرقيقة وملكت عليه سلطة القرار .. مما دفعه للرضوخ عند مشيئة قدرية معقودة بحب جارف ومباغث لعدن.عندها ..بدأت تتشكل أسرة خليلية مشطورة من جينياتها الأم ..في مدينة السويس المصرية ولم يمضي وقتاً طويلاً .. حتى بدأ الناخوذة أحمد خليل منصهراً في اسرته من سكان عدن المتشكلين من فيض وافد كثيرة ..كونت بمجملها لوحة فسيفساء متجانسة .فماذا عن عش هذه الاسرة القادمة من مرسى السويس في عدن؟لم يكد يمر وقت طويل حتى كان الناخوذة أو الفنان أحمد خليل رمادة موصولاً بأهالي عدن بصلة القرابة والنسب ..بل شديد الالتصاق بمحيطه الجديد ومن أعيان المدينة المنطورين على محبة الآخرين ومحبة الناس لهم .. وجهه ملائكي وقامة باسقة ودماثة مفرطة في الخلق .. وقار وجاه ورقة صفات هي من عظمة ديانتنا السماوية بكل ما فيها من مكارم الاخلاق.[c1]مصري الهواى عدني الروح [/c]تماثلث عنده نسمات النيل بزخات المحيط العربي وزفرات البحر الاعظم أي البحر الاحمر..امتداد شاء القدر أن يكون من .. صلب مكوناته.[c1]الأسرة الخليلية في عدن[/c] محمد خليل :والد الفنان .القدير خليل محمد خليل وكل تلك المكونات الجنينية التي ما لبثت .. حتى كانت هذا الحضور المميز ..حضور متصل بمكارم الاخلاق والطموح والسعي ومكابدة صروف الحياة .. النجاح تارة والاخفاق المتصل بالتجربة تارة أخرى..التجارة المقاولات .. الخندية أعمال الخير .. كل تلك مهن وأعمال مارسها ابناء هذه الاسرة التي بدت شعلة نشاط في محيطها الجديد ..على مرمى حجر من مرسى عدن وعلى بعد آلاف الكيلومترات من مرسى السويس ..إلاً أن للحب عجائبه كما أسلفنا، وثمرات الحب طيبة المذاق عندما تتلخص من الاشياء الصلدة .[c1]الأب.. عاشق للموسيقى عازف للعود محب للون الصنعاني [/c]تلك حكاية والد الفنان خليل محمد خليل المغموسة بحب الفن والطرب، فعند قراءتي لتاريخ هذه الاسرة لم أجد إلاّ الانتقال من خير سلف لخير خلف .فوالد الفنان خليل محمد خليل كان فناناً وإن لم يكن متفرغاً لعشقه هذا إلاّ أن مجالسه كانت مميزة بما يقدم من عزف على العود الصنعاني وشجى الالحان التي تطرب مجالسهم في ذلك الزمن الجميل ومن هذه الاجواء تشربت روح خليل الابن وإن بدت مسارات الحياة في طلعة اشراقاتها تذهب به صوب وظائف وأعمال غير متجانسة مع مافي اعماقه .. أي جري الرياح بما لا تشتهي السفن إلاّ أن خير خلف لخير سلف استمد من جذور عزيمة الجد البحار الفطن قوة وشكيمة التجلد والسعي وصولاً الى غايته..فكان له ما أراد..[c1]نجومية الحفيد خليل محمد خليل [/c]لا شك في أن الشهرة والنجومية لا تأتي المرء اعتباطاً بقدر ما تشكل تمثالاً وتتويجاً لروافد شتى .. أولها الموهبة بالطبع وصولاً الى الناصية.. ولأن الزمن الذي تكونت عنده ..روح خليل الفنية كان وبحق زمن نجوم الفن وعباقرته..بداية الحامولي وعبدالوهاب واسمهان وام كلثوم وفريد الاطرش..الامر الذي قاد الفنان خليل محمد خليل الى أن يكون هو وأبناء جيله من الفنانين المحليين ..أبرز أعمدة ورواد الفن العدني اليمني بعامة فعلى يد هؤلاء واستاذنا خليل عرفت ندوة الموسيقى العدنية وأدخلت الى فننا حداثة الموسيقى والأداء ..وعبر عقود مضت تخلقت وتكونت واستقرت لوحة الفن التي مهرها استاذنا خليل بمواهبه الابداعية الرائعة ..بلون الاغنية العدنية التي يعدها البعض ريحانة خليلية.بالأمس وحين دعاني أولاد الاستاذ الفنان خليل لزيارة الاب الفنان وهو يرقد على فراشه مثخناً بتبعيات الشيوخة وآلامها..نما الى خاطري ..مجد الرجل طريح الفراش .. وهو يحاول جاهداً التغلب على آلامه ..كي يخاطب زواره بتلك السرائر الانسانية الرائعة التي عهدناه عليها منذ زمن تخونه الذاكرة فيلزمها الحضور حتى لا يشعرك بذلك.عندئذ..اكتفيت بشزرات من حديثه عن تاريخه وتاريخ الاسرة الفني وكي لا أثقل عليه اكتفيت بما كان متاحاً ومتيسراً وهنا أحب تذكير الجهات المعنية بأهمية الاعتناء بالرجل الذي هو في الاصل جزء من تاريخنا الفني والموسيقي وواحد من أعمدة فننا اليمني المشهود له بالاصالة. آملاً ذلك في أقرب وقت.
الفنان خليل مع الموسيقار فريد الأطرش عند زيارته لعدن عام 56في اذاعة عدن