أضواء
لست متفائلا بالطريقة التي سيبقى العرب يفكرون بها.الآن، وقد هدأ البارود بعد احتراق الخيام العربية سياسيا وواقعيا، ما الذي ينبغي أن نفكر فيه؟الآن، وقد هدأت المعارك وتم لملمة الغسيل العربي المنشور على أسطح الدول العربية، هل ثمة خطة إستراتيجية في التعاطي مع إسرائيل كعدو يكبر على جميع المستويات، سياسيا ومعرفيا وصناعيا وتسلحا ومجتمعا مدنيا.. وكذلك اغتصابا؟هل ثمة قراءة مستقبلية لتقوية المفاصل العربية، وتقوية الظهر المصاب بـ«الديسك»السياسي؟.. هل ثمة إستراتيجية لبناء مجتمع مدني بديمقراطية قوية ومجتمع صناعي حداثوي معرفي، أم سنبقى نعيش على المظاهرات، وخطب الجمع وتبادل التهاني والتبريكات على «النصر المؤزر»؟ليس هنالك نصر حقيقي حتى نصبح بقوة إسرائيل في الاقتصاد والتعليم. لن يكون هناك نصر، والفلسطيني يقتل الفلسطيني، ويتخاصم مع ذاته، وهو في أحلك الظروف. النصر الحقيقي يبدأ بالتصالح الفلسطيني، وببناء دولة مدنية في فلسطين... النصر الحقيقي عندما نبتعد عن سياسة إلقاء الزيت الحارق على بعضنا البعض بسياسة تخوين الحكومات وتجييش الشعوب على إسقاطها بالقوة، فنزيد من خسائر الأرواح والضحايا والفتن أيضا.. النصر الحقيقي عندما نبتعد عن مواجهة إسرائيل وننشغل بسياسة لعبة المحاور.إسرائيل لن يضعفها الصراخ ولن تهتم بكل الضجيج العربي والدولي، ما لم يتم ترسيخ منطق حداثوي ديمقراطي عربي متصالح مع الذات، ومتسلح بكل الأسلحة المعرفية... النصر الحقيقي هو بالابتعاد عن سياسة الاستقواء لطرف على حساب طرف، والدعوة إلى تقاسم السلطة بين الفصائل وفق مظلة فلسطينية مشتركة... النصر الحقيقي عندما تكون القرارات حكيمة وواعية بحجم القوة العربية والوحدة العربية القادرة على الدخول في مواجهات كبرى، لأن الدخول في المواجهة مع وحدة عربية مثقوبة تزيدنا خسارة على الخسائر، تماما كما لاحظنا إلى أين وصل التهافت العربي في هذه الأزمة.بالنسبة إلي، لست متفائلا بالمستقبل العربي، على رغم شيوع ثقافة التبريكات على النصر.. لست متفائلا حتى 400 سنة قادمة.. الوضع العربي لن يتغير كثيرا.. لا أحد على استعداد لقراءة الواقع للدخول في برغماتيته، خوفا من شنق السمعة في الساحة العربية العامة.وبالطبع ليس حظ الحركات الأصولوية أفضل حالا؛ فهي مازالت منشغلة بالشعارات عن الواقعية وبالحديث في المطلق والفنتازية السياسية والكهنوتية في إدارة الحياة.السياسة فن الممكن ويعرف الحكيم بحكمة القرار ومن يقيس الحياة بواقعية.اسمحوا لي إذا ما تنبأت بوقوع أكثر من غزة عربية من قبل إسرائيل مستقبلا، لأننا مازلنا نجهل مكامن القوة التي من خلالها نجعل عدونا يهابنا ويخشى الحرب معنا، الذي يهزم إسرائيل ليس القوة العسكرية فقط، وإنما بمعيتها المتانة الديمقراطية والقوة الاقتصادية والتعليم العالي إذا ما وجدوا في العالم العربي... وفوق ذلك كله احترام الإنسان العربي كإنسان.[c1]*عن / صحيفة «أوان» الكويتية[/c]