أضواء
في كل مرة تصدر فيها فتوى غريبة أو مرعبة، يرتفع منسوب الحديث عن ضرورة ضبط الفتوى، تقنينها، توحيد مرجعيتها، التخفيف من تدفقها الفضائي، اشتراط الحصول على ترخيص رسمي من جهات الإفتاء المختصة في البلاد.كل هذه الأقوال نسمعها ونقرأها أكثر من مرة في العام الواحد، خاصة في الآونة الأخيرة، بعد أن تكاثر عدد الغريب من الفتاوى والمرعب منها، وليس في السعودية وحدها، بل يمكن الجزم أن ما صدر وأثير من جمهورية مصر العربية خلال عام واحد مضى يتجاوز فكاهة ما صدر من بلادنا. وبرامج الإفتاء في وسائل الإعلام عامة مليئة بما هو غريب ومثير ومحفز للتداول إعلامياً وعالمياً. ولكن السؤال هو لماذا اقتصرت الإثارة على بعض الفتاوى؟ لعل لسوء حظ من أثيرت فتاواهم وجود مستمع أو مشاهد عابر من الفئة الفكرية المخاصمة لهؤلاء، فكان سهلاً عليه التقاط الغريب والمقزز منها، وتمريره إلى الإنترنت، وهنا ينتهي دوره، إذ يتكفل العالم بالضجيج المتبقي. ولو أراد أحد الخروج بفتوى غريبة أسبوعياً، أو حتى مؤسسة خاصة تضم فريقاً متكاملاً من الراصدين، فلا عجز سيواجهه الفرد أو تواجهه المؤسسة في الحصول على فتوى واحدة. أقول ذلك من خلال متابعتي المستمرة لبرامج الإفتاء في الإذاعة والتلفزيون والمواقع الإلكترونية. وليس حصراً على شأن واحد، بل فتاوى غريبة في صنوف الحياة كلها. فللأسف أن الطوام كثر. ولكن رهان الأكثرية من رجال الدين هو في كون فتاواهم موجهة لفئة من الجمهور ليست على خصام فكري معهم، ولذا لن يثيرها أو يستفزها ما يصدر من غرائب الإفتاء. وهذه ليست دعوى تحريضية للترصد والاصطياد، رغم قناعتي بأنها عملية ليست مرهقة لمن يهوى التقاط غريب القول، بل تذكيرُ بأن كل كلمة تمر على وسائل الإعلام ليس صعباً العثور عنها حين البحث والتفتيش الإلكتروني أولاً، أو توثيقها فضائياً، بعد أن أصبحت مراقبة وتسجيل ساعات التلفزة متيسرة بأجهزة رخيصة الثمن، يوفرها أصغر محل لبيع الأجهزة الإلكترونية. وفي جانب مهم، لا أرى إلا أنها مسؤولية فردية، فمن يفتي للناس في شؤون دينهم ودنياهم، من الطبيعي أن يضع ذاته رقيباً على كل قول يصدر منه، فهي مسؤولية أولى وأخيرة أمام رب العالمين سبحانه. ولعل الضجيج الرمضاني حول الفتاوى المرعبة والغريبة والفكاهية يمنح أهل الاختصاص من مفتين ودعاة فرصة التأمل بما اقترفت ألسنتهم، أكان قصداً أم مزحاً، ويتذكر الذين لم ينل الإعلام من غرائب فتاواهم، أن الحظ لا يبتسم دائماً، فربما يقعون بما وقع به «نجوم رمضان المنصرم».عن / *[c1]صحيفة «الرياض» السعودية[/c]