27 أبريل في الذاكرة اليمنية .. محطة فارقة في تاريخ التحول السياسي
صنعاء/سبأ: يحتفل اليمنيون بمناسبة 27 ابريل بوصفه محطة فارقة في سجل التحول السياسي والاجتماعي الذي عاشه اليمن منذ إعلان دولة الوحدة.. ففي هذا اليوم دخل اليمن مرحلة جديدة في تاريخه السياسي في أول تجربة انتخابية ديمقراطية تنافسية انتقلت فيها كل القوى السياسية من خندق الصراعات المحكومة بالأيديولوجيا إلى مرحلة التنافس السلمي في صورة جمعت كل ألوان الطيف السياسي التي كانت حصيلة انتقال اليمن من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية.ولهذا اليوم في الذاكرة السياسية اليمنية دلالات كبيرة إذ شكل انتصارا لنضالات الشعب اليمني من أجل الديمقراطية والعدالة التي وصفها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح في غير مرة بأنها “ سفينة النجاة للأنظمة السياسية” و” خيار لا رجعة عنه “ في مبادئ أسست لمرحلة جديدة أكثر تطورا وانتقلت فيها البلد إلى مصاف الدول المتحضرة في تجربتها السياسية.وفي هذا اليوم أيضا صنع اليمنيون تاريخا سياسيا جديدا بتجربة مبكرة عكست حالة الانسجام والتوافق بين أطراف المعادلة السياسية من اليمين إلى اليسار في فترات عصيبة كانت فيه الكثير من المناطق في العالم تعيش أجواء صراع وتناحر سياسي فيما كانت اليمن تصنع أول تجربة تنافس سلمي ديمقراطي أنتجت خارطة سياسية وانتخابية معتمدة على التنافس الديمقراطي السلمي والشريف في صورة أكدت مقدرة اليمنيين على صناعة المعجزات في نقل المعترك السياسي إلى ميدان التنافس الديمقراطي الشريف والمسؤولية الوطنية بعيدا عن كل قواميس الصراعات والاحتقانات السياسية .وجسدت التجربة الانتخابية البرلمانية الأولى أبريل 1993م ، والثانية أبريل 1997م ثم التجربة الثالثة أبريل 2001م حرص القيادة السياسية في الإلتزام والحفاظ على هذا الخيار باعتباره الطريق الوحيد لبناء يمن جديد ديمقراطي وسلمي متطلع إلى المستقبل .وستأتي التجربة الرابعة للانتخابات النيابية وقد خاض اليمنيون تجارب انتخابية أكثر تقدما في تجربتين للانتخابات المحلية وتجربتين للرئاسية شهدت الكثير من التطور بشهادة الكثير من مراكز الأبحاث الدولية والخبراء في الشأن الديمقراطي .لكن كيف يرى الأكاديميون والخبراء هذه المناسبة .. وكيف ينظرون إلى دلالات التحول الذي شهده اليمن في 27 ابريل يوم الديمقراطية .[c1] العهد الجديد[/c] يقول الدكتور عبد السلام الكبسي أستاذ الأدب الحديث بجامعة صنعاء إن الوحدة اليمنية لم يكن لها أن تقوم في عام 1990 ، لو لم تكن الديمقراطية وحرية التعبير على رأس الخيارات الوجودية التي توافق وأتفق عليها اليمنيون شمالاً وجنوباً سابقا .. معتبرا أن سقوط هذا الخيار العظيم من شأنه أن يؤثر تلقائياً على الوحدة . ويضيف : “ لذلك يحرص الجميع اليوم في الوقت الذي أصبح فيه هذين الخيارين بعد مرور السنوات منذ ذلك التاريخ, كلاًّ لا يقبل التجزئة.. على دوام الديمقراطية باعتبارها الحل الناجح المجرب لأي تغيير سياسي، ثقافي، اقتصادي، معرفي، إجتماعي، حداثي طلائعي بعيداً عن الدماء والزوابع ، التمردات والانقلابات “. ويتابع الدكتور عبد السلام الكبسي قائلا :” إن ذلك اليوم لجدير بأن يكون يوماً تاريخياً مشهوداً لإعلانه عهداً جديداً مستقبلياً خالٍ من كل ضغائن الماضي وصراعات الأيديولوجيا، فقد أغلقت الملفات فلا تخوين ، ولامزايدات ، ولا مؤامرات ولا مكايدات “. ويردف قائلا :” الجميع اليوم أمام الله ثم القانون سواء .. والمواطنة حقوق وواجبات، وما يمكن أن يكون عقداً اجتماعيا بالمفهوم السياسي الاجتماعي الحديث لهذا التوصيف .ويضيف الدكتور الكبسي “ولأن لكل تجربة في إطار الظروف الراعية لها مشكلاتها فقد مرت تجربة الوحدة بأزمة لم يسع طرف من الأطراف إلى البحث عن حل للتجاوز, فكانت حرب صيف 1994 تحت دعاوى كثيرة كان الشعب المنتصر في تلك الدعاوى في استمرار الوحدة والديمقراطية”. ويستطرد الدكتور الكبسي قائلا :” ما زال الشعب يؤكد ذلك كل يوم بإستمرار الديمقراطية وتقاليدها الجديدة فيه إلى حد أن اتيحت الفرصة للمواطنات كما هي للمواطنين في الانتخابات الرئاسية في الوقت الذي لم يكن يتصور الوطن أن يأتي يوم تعلن - مجرد الإعلان - فيه مواطنة يمنية حقها في الترشح لرئاسة اليمن “. ويعتبر أن “ما يحدث في اليمن على صعيد الديمقراطية يعد من الإنجازات التي يجب الحفاظ عليها وتوريثها للأجيال القادمة، لأنها الطريق الوحيد الذي يعلن, عند سلوكه, اليمنيون - كل اليمنيين - ثقافة الحوار ، والمحبة ، التسامح والحكمة “.[c1]شراكة في السلطة [/c] وترى الدكتورة/بلقيس أبو إصبع استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء أن 27 من إبريل سيظل محفورا في ذاكرة اليمنيين لانه شهد أول انتخابات في ظل التعددية السياسية والحزبية, كما شهد أول ممارسة ديمقراطية في ظل الوحدة خرج فيها الشعب اليمني ليختار ممثلة في البرلمان . وتؤكد أبو أصبع أن “حقيقة الديمقراطية تجسدت داخل المجتمع اليمني في هذا اليوم عبر ما أفرزته نتائج هذه الانتخابات من شراكة في السلطة من خلال الائتلاف السياسي المكون من أحزاب المؤتمر, الاصلاح, الاشتراكي والذين شكلوا معا الحكومة الإئتلافية في تلك الفترة” .وتضيف “ وفي الدول التي تنتهج الممارسات الديمقراطية تمثل الانتخابات جوهر العملية الديمقراطية وهي الأساس لأي نظام ديمقراطي وقد امتدت هذه الممارسة في اليمن لتشمل الانتخابات الرئاسية ولتؤصل المبدأ الحقيقي للنهج الديمقراطي وهو التداول السلمي للسلطة” . وتلفت الدكتورة بلقيس إلى عمق الأثر الذي أحدثه الـ27 من ابريل كنهاية للصراع السياسي في اليمن .. مدللة على ذلك بذكر الأسباب التي ترى انها أدت الى التحول الديمقراطي الذي بدأ يسير نحوه اليمن بالقول “ كان هناك أسباب عديدة للتحولات الديمقراطية في اليمن داخلية وخارجية فعلى المستوى الداخلي كانت أهم أسباب هذه التحولات هي الصراعات التي كان يعيشها اليمن قبل الوحدة حيث كانت من أهم أسباب التحولات الديمقراطية وقيام الدولة اليمنية.. وجاءت الوحدة التي أتت بالديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية لتنهي جزءا كبيرا من هذه الصراعات والقضاء عليها وأصبح خيار الشعب اليمني هو الحوار والتفاوض بعيدا عن الصراعات التي كانت تتجاذبه في الماضي.وتضيف مبينة الضمانات لانهاء الصراع السياسي والتي توفرت كثمرة من ثمار النهج الديمقراطي “.إن وجود مؤسسات سياسية منتخبة من الشعب ووجود ديمقراطية حقيقية تجسدت في الانتخابات البرلمانية والرئاسة المختلفة وكون الشعب هو المشارك الحقيقي في هذه الديمقراطية كل هذه ضمانات تحمي الشعب اليمني من الانجرار نحو العنف وقد استطاعات اليمن بممارستها الديمقراطية اجتياز الكثير من الصعوبات والعقبات وان تحضى باستقرار سياسي منذ قيام الوحدة حتى الآن “ .وتؤكد الدكتورة بلقيس “ان التجربة الديمقراطية اليمنية ناجحة ومتفردة على مستوى الوطن العربي تماما كما هي تجربة رائدة في المنطقة والعالم العربي بشهادة الآخرين والدول الأخرى” . وتقول :” اليمن سائر على هذه الممارسة وفي الطريق الى ممارسات اكبر من خلال ما نسمعه يتداول الآن حول تعديل وتطوير قانون السلطة المحلية وغيرها, فكل هذا المظاهر والإجراءات والممارسات تجذر وتؤسس للممارسة الديمقراطية لدى الشعب اليمني لتنتقل اليمن من مرحلة التحولات الديمقراطية الى مرحلة ترسيخ واستقرار النظام الديمقراطي” [c1] نموذج السلم الاجتماعي [/c] وينظر الدكتور/ محمد عبد الجبار عميد كلية الإعلام في جامعة صنعاء الى يوم 27 إبريل باعتباره يمثل محطة فاصلة في تاريخ الصراع السياسي في اليمن خاصة وان التجربة الديمقراطية اتسمت بالشفافية وروح التسامح والقدرة على الصبر من قبل فخامة الرئيس على عبد الله صالح كرمز يمني وصانع للديمقراطية وتمكنه من إشراك الكل في العمل السياسي والمشاركة السياسية عبر الاستماع للجميع والحوار مع الجميع وهذا ماجعل الكثيرين يعملون بمسؤولية في المشاركة السياسية والابتعاد عن الصراع والتكتل .ويشير إلى أن المواطن اليمني لمس في هذا اليوم لأول مرة حقيقة النهج الديمقراطي حتى أن البعض منهم أصيب بالدهشة التي أحدثتها فيه الممارسة الديمقراطية, لأنه رأي وقرأ وسمع من وسائل الإعلام الأصوات المتعددة والآراء المختلفة حتى التي يمس منها الدولة ورمزها, فهو لم يسمع من وسائل الإعلام الرسمية الى رأي واحد هو رأي السلطة وإنما مزيج من الأصوات المتعددة كانت للسلطة فيه جزء من المساحة التي حددت لكل الجهات. ويلفت عميد كلية الإعلام إلى أن “هذه الانتخابات التي دشنها اليمن يوم 27 أبريل، أوقفت كثير من التكتلات السياسية والمعارضة سواء على مستوى الداخل أو الخارج من خلال ادارك الرأي العام ان هناك مشاركة سياسية واسعة وفعلية ما أدى الى سقوط المبرر لقيام أي معارضة ترتكز على العنف أو تنتهج نهج المعارضة الفوضوية وغير السليمة” .ويؤكد أن” اليمن بات اليوم يمثل نموذجا ناجحا بعدما أكد نجاح تجربته الديمقراطية التي أصبحت تمثل نموذجا للسلم الاجتماعي والعمل الديمقراطي والسياسي المشترك ما جعل الجميع ينظر لهذه التجربة بنظرة تقدير واحترام, وما إقبال المستثمرين على اليمن بهذا الكم الكبير والإقبال الطيب والمشجع إنما هو ثمرة من ثمار الاستقرار والحرية والديمقراطية والأمن السلام..