من روائع الموشحات
دفاع صالح ناجي:لم يكن اختيار موشحة ( زمان الوصل في الأندلس) للغناء في أزمنة مختلفة وألحان متعددة لوناً من المصادفة وإنما هي دليل رقتها وعذوبتها لغة وصوراً وإيقاعات. فهي من الموشحات الأندلسية التي ذاعت شهرتها بعد أن أصبح لها في مجال الغناء دوران واسع وانتشار كبير وبعد أن أصبح فن الموشحات فن شعري جميل مثل خروجاً على المألوف في تقاليد القصيدة العربية القديمة. وهذه الموشحة هي للشاعر لسان الدين ابن الخطيب ( أديب ومؤرخ وطبيب) ويقول في مستهلها :جادك الغيث إذا الغيث همىيا زمان الوصل في الأندلسلم يكن وصلك إلا حلماًفي الكرى أو خلسة المختلسإذ يقود الدهر أشتات المنى[c1] *** [/c]تنقل الخطو على ما يرسمزهراً بين فرادى وثنى[c1] *** [/c]مثلما يدعو الوفود الموسموحتماً أن ابن الخطيب قد قال موشحته الرائعة وهو يبكي عصراً جميلاً ولى وزمناً حلواً رحل هو زمان الوصل بالأندلس مما جعلها تلمس أوتاراً في النفس الإنسانية عندما تعزف كلماتها على لحن التذكر والأسى.ولا شك أن المتأمل في كلمات الموشحة سوف يستشعر حضوراً للطبيعة الخلابة التي أنعم الله بها على بلاد الأندلس من روض وزهر وبساط أخضر، وأعوام من الربيع والرخاء والأنس قد سادت ذلك الزمن الذي انقضت أيامه وبقيت ذكراه :والحيا قد جلل الروض سنافثغور الزهر عنه تبسموروى النعمان عن ماء السماءكيف يروي مالك عن أنسفكساه الحسن ثوباً معلماًيزدهي منه بأبهى ملبسوفي موضع آخر :أي شيء لا مرئ قد خلصا[c1] *** [/c]فيكون الروض قد مكن فيهتنهب الأزهار فيه الفرصا[c1] *** [/c]آمنت من مكره ما تتقيهفإذا الماء تناجى والحصى[c1] *** [/c]وخلا كل خليل بأخيهإنها موشحة بديعة ذات إيقاع عفوي شجي، حين كنا نقرأ ما تقرر علينا من مقتطفاتها ونحن طالبات في قاعة الدرس كانت أصواتنا جميعاً ترتفع صادحة وشعور بالانتماء ينتابنا وكأننا نردد نشيد وطني شجي، وأعيننا تشع بلوعة الاشتياق لأرض الأندلس كأننا قد عشنا فيها زمناً أخضراً يحاكي لونها وعاصرنا فيها زمن ذهبي السنين، وحين غادرنا قاعة الدرس وساحة المدرسة وتفرقت بنا السبل صار (زمان الوصل بالأندلس) نشيداً نردده كلما جمعنا لقاء يتم بعد أعوام من البعد، فبقيت في نظرنا (نحن الطالبات) موشحة تجاوزت معانيها لوحة تجسد فيها ذلك الحس المرهف وجمال الطبيعة وسحرها الخلاب وتعيدنا إلى عهد ازدهرت فيه الحضارة العربية في شتى مجالات الحياة. لقد أضحت رمزاً لكل زمن جميل مضى، ولكل مكان بديع تبدلت معالمه وذكرى تتحدث عن أمجاد ضائعة.وقبل أن يختتم موشحته، استدرك ابن الخطيب في مخاطبته لنفسه دعوتها للاستسلام لحكم القضاء وترك التذكر لزمن مضى :سلمي يا نفس في حكم القضاء[c1] *** [/c]واعمري الوقت برجعى ومتابدعك من ذكرى زمان قد مضى[c1] *** [/c]بين عتبى قد تقضت وعتابواصرفي القول إلى المولى الرضا[c1] *** [/c]ملهم التوفيق في أم الكتاب