شفاء منصر ترى كيف يكون القتل جميلاً كالحياة !! وجنون الرصاص ، المنهمر فوق رؤوسنا ، كيف يكون ؟ كإيقاع المطر!! وكيف تكون قاذفات الموت العابرة في سمائنا كغيوم الخريف !! وطوفان الجراد كفراشات الربيع الناعمة !! أنا لا أفهم كيف يكون الاحتضار كالولادة العسيرة !! والمذابح المتوالية كالاحتفالات البهيجة وبرق الصواريخ كصهد الشمس اللافحة !! لا أفهم كيف يستعير الغزاة مفردات اللغة الشاعرية ليغطوا ببهائها جرائمهم البربرية ؟!! وكيف يقتبسون من دورة الحياة في الفصول الأربعة “ أسباباً لموت جديد” .. ولماذا يلوون أعناق الكلمات ليقنعونا بأن الرماد يشبه التراب ؟! وأن الدم المهدور من شراييننا المذبوحة يشبه ماء الورد ؟! وانتحاب الثكالى وصرخات الصغار الخائفين كهديل الحمام !! كل ما أعرفه أن اللغة تتسخ إذا مالمسوها ..!! وتصبح لغة كاذبة مخادعة ! وإن المدن التي يتضوع منها عطر ذكرياتنا الماضية يلتهمها الرماد وتنتمي للعدم !! كلما وطئتها أقدام حقدهم الدفين الممتد إلى ألف ألف عام !! وعبثاً ستشرح الأمهات للصغار في المدن التي ضاعت منا بعد أن أعلن الطغاة موت الفصول بأن الخريف سيأتي كعهده يعري الشجر ليفرش الساحات والدروب تحت أقدامهم بسجادة ذهبية من أوراقه الذابلة !! وإن الشتاء القارس سيرد الصغار إلى أحضان أمهاتهم المتعبات “ كأفراخ الحمام “ ليتدثروا بالدفء والحنان ..!! لحين يأتي الربيع حبيب البلابل والأقحوان وأن الصيف سينفجر ياسميناً وفلاً على الجدران والشرفات ويغرق الأجواء بغيم من عبير .. لكن الصغار سيحتارون طويلاً ، ولن يصدقوا كلمة واحدة مما يقال .. لأن لون المطر الذي يذكرونه لا يشبه قطرات الندى !! وبرق الصواريخ الذي يخلع قلوبهم هلعاً في المساءات الموحشة لا يشبه الألعاب النارية التي( تتفتح ) في السماء كالنجوم المضيئة في الأعياد الوطنية !! ورعد الإنفجارات التي تطلقها مدافعهم لتحرق كل شيء لا تشبه صوت الرعد الذي يمتطي صهوة الغيوم ويطلق ( قذائفه ) مطراً حنوناً على الأرض العطشى والمحرومة !! كل ما يذكرونه أن الربيع لن يأتي ليشعل الشجر بالخضرة والفتنة الزاهية!! “ لأن الورد لا ينمو مع الدم والحديد “ وأن الفصول تشبه بعضها إلى حد الفجيعة والضجر !! لأن الغزاة اختزلوا أسماءها كما اختزلوا كل شيء في حياتنا بفصل واحد سموه مجازاً ..فصل المجازر الرحيمة !!
|
ثقافة
مفارقات الحياة الآملة .. والموت المجاني
أخبار متعلقة