قصة قصيرة .. من مجموعته القصصية (وشمسان للأرض والحبيبة)
في ما مضى لم يكن يعرف اصول الحركة الصحيحة، كانت نقلاته مضطربة مشوشة، مثل رجل ريفي يلج المدينة، لأول مرة رأسه كالمكوك تتلاقفه نيوناتها تتقاطع أمامه تشكل اضواؤها قوس قزح .. هكذا بدا له الأول عندما سلط عينيه نحوه .. فيما امتدت يده اليمنى تدور ـ بعفوية ـ زر مذياع قديم تجاوز عمره الثلاثين بعامين .. فانساب صوت (عبدالوهاب) أنس الدنيا وأرح نفسك وبالك " تنساب هي الاخرى يده تلجم الصوت .. تدور اغنية فرح اخرى تختفي .. تظهر اصوات متحشرجة .. يتركه هكذا مازالت عيناه ترقبان الصبيان."نقلاتي" أجمل كان الثاني أصغر من صاحبه بعامين، ولكنه أكثر فطنة، نطق الجملة، وهو يحاول زعزعة عزيمة صديقه القديم."حصانك متعب ومطوق"، همست حنجرة الأول، انفرجت شفتا الثاني عن ابتسامة، ولحقها حصاني في حالة حصار كل الخيول المتبعة ستحاصر خيولاً ولى زمانها.في ذات اللحظة ماتت الاصوات المتحشرجة عاودت المذياع الحياة .. ان الخيول العربية هي أعرق الخيول في العالم .. وقد اهدت احدى الشخصيات العربية، واحداً منها لأحد مسؤولينا الكبار، وطلبت منه ترويضه .. وعدم ذكر اسمه لئلا يزعجه الذين لايفقهون قيمة الصداقات بين الشخصيات الكبرى.ويصمت المذياع هنيهة:"هنا دار الاذاعة الإسرائيلية"واصل الصبيان النقلات وواصلت القلاع تساقطها الافيال .. شرعت الدنيا تموج بأعين "الملكين" تضيق .. تصفر .. تسود، المذياع القديم صار جديداً يصدح يتجلى كسجادة اصفهانية قديمة .. جديدة.الصبي الثاني .. سيستسلم ملكك أجنحته تتكسر، تتهاوى.الصبي الأول ـ ليس هذا ملكي .. لقد وضعوه ونصبوه ملكاً .. انه دمية كالكثير من الدمى التي تحكم على رقعة الشطرنج، وفي .. سماء بيروت قامت احدى طائراتنا بجولات استطلاعية لمراقبة تحركات "المخربين".ما انفك المذياع يواصل حديثه، والصبيان اللعب.الصبي الثاني: كش ملك، سيموت قريباً.الصبي الأول: بقي قليل لكنه سيموت.تململت رجلاه معلنتين رغبتهما في الحركة : "سأقتله قبالة المكان لكن خارجاً"، المذياع يتكلم .. صوت من بعيد "طيران ثانية" إلى "الملاجئ" لكن صوت الطائرات امتص الصوت البعيد .. المذياع .. الصبيين، وصوته هو كذلك.خرج بعد أن تقيأت الطائرات ما باحشائها، خرج صوت المذياع، الصبيان كانا في الخارج، ولكنهما اشلاء منقطعة عن الحياة.وحدق ملياً .. يد طوح بها قرب الملجأ، تقبض بقوة على الملك الشطرنجي، وتناهى إلى مسمعه صوت المذياع يلعلع " قامت طائراتنا بجولات استطلاعية اعتيادية .. اعتيادية".[c1]بيروت 1979م[/c]